آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء »  الأسباب الحقيقية لمبادرة ترامب

 الأسباب الحقيقية لمبادرة ترامب

 

 

 

كتب محمد خير الوادي :

 

 

 

مشكورة هي الجهود التي بذلها الرئيس ترامب ،من اجل التوصل الى اتفاق شامل، ينهي المجزرة التي ترتكبها اسرائيل في غزة ، ويفتح نافذة أمل في هذه الارض المعذبة نحو السلام واستعادة الحياة الطبيعية هناك.

 

وبهذا الخصوص ،يقفز فورا السؤال التالي : ماهي الاسباب التي دفعت ترامب لبذل جهود استثنائية وغير مسبوقة لانجاز اتفاق غزة ؟ مع التنويه، الى ان تلك الجهود قد وصلت الى حد مشاركة ممثلي الرئيس الامريكي ،في اجتماع الحكومة الاسرائيلية الذي أقرالاتفاق المذكور .

 

اعتقد ان تفسير الامر برغبة الرئيس ترامب فقط في الظهور بصفة صانع سلام،والسعي تاليا لنيل جائزة السلام ، هو تفسير لا يغطي الحقيقة كله ، ولا يشفي الغليل .

 

برأي ، هناك اسباب اعمق من ذلك .في طليعتها ، ادراك الرئيس الامريكي ان تعنت نتنياهو وصلفه ، قد وضعا اسرائيل في طريق زلق وخطر ، يمكن ان يودي بها الى الهاوية .فلأول مرة منذ تاسيسها ،وجدت اسرائيل نفسها في عزلة دولية خانقة ، تجلت في المظاهرات التي اجتاحت مدن العالم ، تنديدا بالمجازر التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي في غزة . والمرة الاولى التي تندد فيها معظم حكومات العالم بهذه المجازر . وهناك امر لم يحدث سابقا ، وهو اتساع حملات الغضب التي اجتاحت الاعلام العالمي من اسرائيل وممارساتها الاجرامية . يضاف الى ذلك ، تشكيل اساطيل شعبية عالمية ، حاولت كسر الحصار الاسرائيلي ، انتهت باعتقال اسرائيل لمئات من مشاركي تلك الحملات التضامنية والتنكيل بهم ، وهو امر جعل صورة الكيان الصهيوني في العالم اكثر قتاما وسوداوية . وقد توجت تلك العزلة بخطوة بليغة ،تمثلت في انسحاب معظم مندوبي العالم من قاعة الامم المتحدة، قبيل القاء نتنياهو خطابا هناك . لقد بدا رئيس الوزراء الاسرائيلي في تلك اللحظة ،وحيدا بائسا ، معزولا ومدانا . و اعتقد، ان تلك اللحظة المأساوية ،قد اثارت هلع الرئيس الامريكي وقلقه من المستقبل الغامض الذي ينتظر اسرائيل، ودفعته لمد يد العون لها . بكلمات اخرى ، فان الخوف على اسرائيل ، هو الذي دفع الرئيس ترامب للتحرك فورا من اجل انقاذ اسرائيل من نفسها وتهور حكومتها، ومن عزلتها الدولية .

 

وهناك سبب آخر لتحرك ترامب السريع هذا وهو ، ان صمت الغرب على الجرائم البشعة التي ارتكبتها اسرائيل في غزة ، قد صدٌع – في عيون شعوب العالم – قيم الحرية والمساواة وحقوق الانسان ، التي استخدمها الغرب لجذب شعوب العالم . لقد عرى تأييد الغرب -لا سيما في بداية ازمة غزة – لسياسة الابادة والتهجير التي مارستها حكومة نتنياهو ، ازدواجية المعايير التي يستخدمها الغرب في الترويج لقيمه امام شعوب العالم . وهذه الازدواجية لم تتسب في نفور معظم شعوب العالم فحسب من السلوك غير الاخلاقي وغير الانساني لمواقف الدول الغربية ، بل اشعلت كذلك غضبا عارما داخل الدول الغربية على سلوك تلك الدول ، وتواطئها مع اسرائيل . وقد انفجر هذا الغضب على هيئة مظاهرات شعبية عارمة ،أثارت الخوف والقلق لدى الحكومات الغربية ذاتها . باختصار ، فان تحرك ترامب الحاسم ، قد فرضته الحاجة لانقاذ القيم الغربية من المأزق الخطير الذي سببته سياسة نتنياهو للغرب ولقيمه .

 

وارى ان هناك سببا آخر حفز الرئيس ترامب على التحرك السريع لوقف انفلات نتنياهو ، وهو ان الرئيس ترامب كان قد بدأ – خلال فترة رئاسته الاولى – تحركا لتطبيع العلاقات بين اسرائيل وبعض الدول العربية . وقد اثمر ذلك التحرك عن التوقيع على المعاهدات الابراهية ، التي فتحت ابواب التعاون بين دول عربية والكيان الصهيوني . واعلنت ادارة ترامب ،انها ستبدأ تحركا جديدا لتوسيع تلك الاتفاقات . لكن تفاقم الوضع في غزة ، اقنع الرئيس الامريكي ، ان سياسة نتنياهو الهوجاء ، باتت تعرقل خطط واشنطن لتوسيع الاتفاقات الابراهيمية ، و تحرج الدول العربية التي ابرمت سابقا اتفاقات تطبيع مع اسرائيل ، لابل ان استمرار العدوان على غزة ،سيضع تلك الاتفاقات كلها في مهب الريح. وبالتالي فان حدوث ذلك ، سيعرض للخطر ،اكبر انجاز تباهى به ترامب . واظن ، ان هذا العامل، قد فرض على ترامب ضرورة التحرك لانقاذ نلك الاتفاقات .

 

في النهاية ، اريد التأكيد ، ان الخوف على اسرائيل ، والحرص على اخراجها من عزلتها الدولية الخانقة ، وانقاذ قيم الغرب ، و ازالة العراقيل من طريق التطبيع المستقبلي بين اسرائيل والعرب ، هي التي دفعت الرئيس ترامب للتحرك السريع، ووضع ثقله كله، من اجل ايقاف الحرب على غزة وانقاذ اسرائيل . وهذا يعني ، ان مواقف الرئيس ترامب المؤيدة لاسرائيل لن تتغير او تخف ، وان مجرد الافتراض بتراجع الدعم الامريكي لاسرائيل ،هو رهان خاسر .

(أخبار سوريا الوطن1-الوادي للدراسات الأسيوية)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

عام بلا الأسد… ماذا يريد الخليج من سوريا الغد؟

جابر الشعيبي   مرّ عام على التحوّل السياسي الأبرز في سوريا منذ عقود؛ عامٌ بدأت فيه البلاد بخطوات وُصفت بالجيدة في انتقالها من منطق الثورة ...