آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » التجربة الفيتنامية من الثورة إلى الدولة 

التجربة الفيتنامية من الثورة إلى الدولة 

 

 

كتب: محمد خير الوادي

 

 

احتفلت فيتنام قبل ايام بالذكرى الخمسين لانتصارها على العدوان الامريكي واعادة توحيدها . وقد حفزتني هذه المناسبة على الكتابة عن تجربة فيتنام في البناء، لا سيما وانني عايشت فصولا من تلك التجربة ،عندما عملت سفيرا غير مقيم في فيتنام لسنوات طويلة ، والتقيت عددا كبيرا من القادة الفيتناميين ، وكتبت مقالات ودراسات كثيرة عن التجربة الفيتنامية الرائدة .

 

بداية لا بد من الاشارة ، الى ان العدوان الامريكي على فيتنام ،قد ترك تلك الدولة خرابا بالمعنى الحرفي للكلمة . فقد القت امريكا – كما اخبرني الرئيس الفيتنامي نغوين مينه تريت في حديث خاص معي ، نشرت جزءا منه في كتابي ” لقاءات مع قادة من آسيا ” – ثلاثين مليار رطل من المتفجرات على الاراضي الفيتنامية ، وقتلت تلك القنابل اربعة ملايين شخص وهجرت اثني عشرمليونا ،ودمرت القنابل الكيميائية الامريكية كل غابات واشجار فيتنام .وبعد الحرب ، مارست امريكا ضغوطا شديدة من اجل منع الاستثمار العالمي في الاقتصاد الفيتنامي ، وفرضت عقوبات شاملة على تلك الدولة .

 

واضاف الرئيس الفيتنامي : “بذل الحزب الشيوعي الفيتنامي جهودا كبيرة لاعادة اعمار ما دمرته الحرب ، ولكن بعد عدة سنوات اكبشفنا ، ان الاساليب الثورية وحدها لا تكفي لتحقيق انتعاش اقتصادي . فعقلية ادارة الخنادق ومسارح الحرب ، تختلف تماما عن عقلية ادارة الاقتصاد والدولة . في العقلية الاولى يكفي الحماس والاخلاص والتضحية والانتماء الثوري ، اما للنجاح في البناء ، فانت بحاجة الى مختصين وتكنوقراط ،وعلاقات دولية وجو سلمي داخلي وعالمي . ولذلك – والكلام للرئيس الفيتنامي – اقرت قيادة الحزب الشيوعي في ثمانينات القرن الماضي ، خطة “دوي موي ” للاصلاح الاقتصادي . وترتكز تلك الخطة الى التخطيط المركزي للبناء ، والانفتاح التدريجي على آليات السوق ، والسعي لترميم العلاقات مع الدول الغربية “.انتهى كلام الرئيس الفيتنامي .

 

وخلال زيارتي الاولى لفيتنام في عام 2003، لا حظت تغييرا حقيقيا في التوجه السياسي للقيادة الفيتنامية .فامريكا لم تعد عدوا ، بل اكبر مستثمر اجنبي في فيتنام ، واسرائيل انتقلت في الاعلام الفيتنامي ، من خانة الغزاة والمحتلين ، الى قائمة الشركاء الاستراتيجيين ، التي تزود الاقتصادالفيتنامي بالتقانة ، وتبيع للجيش الفيتنامي مختلف صنوف الاسلحة .كما تغيرت طبيعة العلاقات التحالفية العقائدية مع كل من الصين والاتحاد السوفياتي -آنذاك_، وباتت المصالح وليست المباديء الشيوعية ، هي التي تتحكم في علاقات فيتنام مع تلك الدولتين .

 

والشيء الوحيد الذي ابقت عليه الحكومة الفيتنامية من التماثل السياسي مع النظام الشيوعي الصيني ، هو معادلة دمج افضليات النظام الاشتراكي مع ميزات الاقتصاد الرأسمالي ، والذي عرف باقتصاد السوق الاشتراكي . ومؤخرا غيرت الحكومة الفيتنامية جزئيا من موقفها هذا ، واتبعت نهجا خاصا بها قريبا ايضا من النهج الصيني ، وهو الحفاظ على السلطة السياسية للحزب الشيوعي ، والسماح للاقتصاد بان ينمو ضمن آليات وقوانين الاقتصاد الرأسمالي .

 

لقد حققت التجربة الاقتصادية الفيتنامية معجزات حقيقية في النمو الاقتصادي والبشري . فقد بلغ حجم الناتج المحلي عام 2024 نحو 500 مليار دولار ، وحافظ النمو السنوي على معدل ثابت هو 6-7 بالمائة ، واصبحت فيتنام المنافس الاول للصين في الصناعات الالكترونية والنسيجية وفي الاختراعات . ووصل حجم التبادل التجاري بين امريكا وفيتنام الى 137 مليار دولا ر العام الماضي .وبلغت حصة الفرد من الناتج المحلي 48 الف دولار سنويا .

 

واخيرا ، اسوق الملاحظات التالية حول التجربة التنموية الفيتنامية :

 

اولا : مرت فيتنام بفترة صعبة جدا استمرت نحو عقد من الزمن ، وكانت البلاد في تلك الفترة تعاني من الدمار والفقر والنقص في كل شيء . وقد بدأت الاوضاع في التحسن بعد اقرار الاصلاح الاقتصادي اواسط ثمانينات القرن الماضي . وتحققت بداية النهوض الحقيقي في فيتنام في مطلع الالفية الثانية . اي ان الامر تطلب عشرين عاما لتتخلص فيتام من ارث التخلف والدمار ، وتبدأ مرحلة النمو والازدها .

 

ثانيا : ان الشعب الفيتنامي لا يزال يعاني حتى اليوم – اي بعد خمسين عاما – من عواقب الحرب . فلا تزال الارض الفيتنامية تحتفظ بعدد هائل من الالغام التي دفنها الامريكيون ، ولا يزال آلاف الفيتناميين واولادهم ، يعانون كذلك من تأثيرا الاسلحة والمواد الكيمائية التي استخدمتها امريكا اثناء الحرب . وتشير مصادر فيتنامية ، الى انه منذ نهاية الحرب وحتى العام 2024 ،توفي نحو مائة الف شخص بسبب مخلفات الحرب .

 

ثالثا : ان الاصلاحات الاقتصادية الفيتنامية لم تسر بسهولة ويسر ، فهي قد واجهت مقاومة شديدة من داخل القيادية الفيتنامية نفسها . وقد وقف الجنرال جياب الذي قاد الجيش الفيتنامي الى النصر ، في طليعة المنتقدين والمعارضين للاصلاحات الاقتصادية .

 

اردت – بعجالة – ان اعرض للظروف التي مرت بها التجربة التنموية القيتنامية الناجحة امام القراءء الاكارم ، عل ذلك يكون مفيدا لتجربة النهوض في سورية .

(اخبار سوريا الوطن ١-مركز الوادي للدراسات الأسيوية)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

قمة بغداد بين التمني والتحدي

الدكتور محسن القزويني تعد قمة بغداد فرصة ذهبية للعراق الذي ينعم هذه الايام بالاستقرار السياسي والانسجام الاجتماعي والرخاء الاقتصادي، وهي العوامل الثلاثة التي افتقدها العراق ...