ناصر النجار
الإثنين, 14-03-2022
تتوالى الإخفاقات والاستقالات وعلى غير المعتاد استقال رئيس نادي الاتحاد بعد خسارة رجال فريقه أمام الفتوة ودخوله مرحلة الخطر الشديد.
والخسارة لها أبعادها الكثيرة غير المرضية لفريق عريق بحجم نادي الاتحاد، وخصوصاً أنها الثالثة في الإياب، فبدل أن يخرج الفريق من قوقعته غاص في الخطر أكثر، ولو عدنا قليلاً إلى الوراء لرأينا حجم العشوائية في هذا النادي العريق عندما تم تكليف مدرب الشباب بقيادة فريق الرجال، والقرار هنا ارتجالي لأن فريق الشباب بطل الدوري للموسم الماضي وهو المتصدر الحالي، وإبعاد المدرب الشاب عن فريقه يفهمه الذين يصطادون بالماء العكر بمعنى إنهاء فريق الشباب وسحب الصدارة منه، وهذا من باب اختلال التوازن فأي مدرب جديد قد ينجح وقد يفشل مع الفريق، وإبقاء الشباب وهم بسمة النادي على وضعهم كان خيراً للشباب والرجال.
وننوه بأن استقالة رئيس النادي سبقها استقالة عضوين اثنين، فبقيت الإدارة على أربعة أعضاء ريثما يتم تشكيل إدارة جديدة أو ترميم الإدارة الحالية، ومع ذلك فهذا الحال يدل على فشل الإدارة في قيادة النادي هذا الموسم، والمشكلة ليست فريق الرجال بكرة القدم وحدها، بل إن هناك ألعاباً أخرى عديدة باستثناء كرة السلة بلغت الموت السريري.
ولو توسعنا بالدائرة قليلاً لوجدنا أن القطب الثاني فريق الحرية بوضع أسوأ بكثير، والمشاكل المالية وما فيها من شبهات تعتري الناديين وخصوصاً في مسائل الإنفاق والعقود والاستثمار والمنشآت.
وليس أدل على ذلك ما فاحت رائحته كاستثمار منشأة الباسل الذي يفصّل هذا الاستثمار على قياس البعض، دون تجزئة هذا الاستثمار.
وتحدث مطلعون كثر عن عملية الاستثمار الكامل بأنه غير مرغوب لأسباب منطقية.
أولها: إن الكتلة المالية لن تكون قادرة على دفعها إلا قلة سيتحكمون بالأسعار، ومن سيحصل على هذه الكتلة الاستثمارية الكبيرة سيكون متحكماً بالرياضة، أهمها: عند الخلاف مع المستثمر سيتعطل الاستثمار بالكامل، بينما عندما تتم تجزئة الاستثمار، فلن يتعطل إلا جزء من كل عندما نجد خلافاً مع أحد المستثمرين.
وقضايا الاستثمار في حلب قصة لها أول وليس لها آخر، والجميع مغموس بشبهاتها، لذلك رغم مرور أكثر من عشر سنوات على بعض الإشكاليات في المطارح الاستثمارية لم يجد أحد الحل الذي يرضي الرياضة ويعيد لها حقوقها.
وفي هذا الأمر يتبادر إلى الذهن سؤال محق: ما دور اللجنة التنفيذية في حلب؟
هل هي شاهد عيان على ما يجري، أم إنها شاهد (ما شفش حاجة)؟
وعلى صعيد آخر إذا كان عفرين أول الهابطين وهو أمر مفروغ، والحرية ليس ضامناً التأهل إلى الدرجة الممتازة، والاتحاد مهدد بالهبوط، وبقية الفرق سراباً وتعيش على هامش كرة القدم، فمتى تتحرك اللجنة التنفيذية لإنقاذ الكرة الحلبية التي هي أحد أعمدة الكرة السورية، بل الرياضة كلها؟
وهل تنتظر حتى تصبح كرة حلب كلها في الدرجات الدنيا؟
هذا الأمر يضع الجميع أمام مسؤولياته، فالرياضة في حلب بخطر، وهذا التراجع ينعكس انعكاساً مباشراً على الرياضة الوطنية التي تعيش اليوم أجواء ضبابية على كل الصعد الإدارية والتنظيمية والفنية.
البحث عن الأعذار
لو أن المشكلة توقفت عند حلب وأنديتها واستثماراتها لقلنا هان الأمر، ولكن هذه المشاكل باتت سارية المفعول في كل محافظة من محافظاتنا وهذا الداء داهم أكبر أنديتنا وقضى على كل بريق فيها.
الكرامة على سبيل المثال يعاني من أزمات إدارية كبيرة، ودوماً نجد الاستقالات قائمة في هذا النادي العريق ويلحقها ترميم، وهذا الأمر كان له آثار كبيرة على صعيد النشاط الرياضي وأبرزها كرة القدم، وحمص مختصرة بالكرامة والوثبة وباقي الأندية وما أكثرها كومبارس ولا شيء يثلج الصدر فيها سواء على صعيد كرة القدم أم غيرها من الألعاب.
وحطين وهو أحد قطبي اللاذقية عانى في الموسمين الماضيين من عدم الاستقرار الإداري فتناوب على قيادته عدة إدارات ولجان مؤقتة، حتى ظهرت الإدارة الجديدة مؤخراً ولا ندري كم من الوقت ستصمد؟
أما فريق الوحدة فهو النادي الأبرز الذي يشهد عليه التاريخ أن العابثين لم يكونوا يريدون الخير لهذا النادي، فكالوا الاتهامات للنادي وحرضوا أعضاء الإدارة على الاستقالة، وضاع النادي في زواريب الضغط والإشاعات حتى انتهى إلى إدارة مصغرة، ولا ندري هل عجزنا عن تشكيل إدارة حقيقية كغيره من الأندية؟.
إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه: إذا كانت كل هذه الضغوط على النادي بدعوى وجود تجاوزات مالية وإدارية كبيرة، فلماذا لم تظهر أي أدلة على هذه التجاوزات؟ لنعد إلى التساؤل من جديد: هل القائمون على إدارة نادي الوحدة المستقيلة بريئون أم مذنبون؟
إذا كانوا بريئين فالمفترض أن يصدر قرار ببراءة المدانين، وإذا كانوا غير ذلك فالمفترض أن نشهد محاسبة لكل المخالفين.
وإذا كانت أمثلتنا اقتصرت على هذه الأندية وهي تشكل بمجموعها الرياضة السورية، فإن الكثير من الأندية الأخرى الكبيرة تقف على رجل واحدة أو على عكاز كتشرين وجبلة والطليعة والنواعير والفتوة وحرجلة والمجد والساحل، بعضها يملك استثمارات غير كافية للنهوض بالأعباء الرياضية، وبعضها الآخر يعيش على هبات المتبرعين والمحبين.
مشاكل جمّة
علينا النظر بواقعية إلى حقيقة الرياضة من كل جوانبها، ونجد أنها تعاني أمراضاً عدة ومشاكل جمة، في الحديث عن الأمراض فإن نظرية المؤامرة تتغلغل داخل المؤسسات الرياضية لتحدثنا عن الشللية التي تفكك الجسم الرياضي في المؤسسة الواحدة إلى مجموعات، فهذه الإدارة لها مناصرون ولها متربصون خارج النادي، ولو أن الإدارة الواحدة انشغلت في عملها وابتعدت بتفكيرها عما يشغلها لذهب المتربصون، والمشكلة الأكبر في هذا المجال أن المعايير باتت تؤمن بمبدأ هذا معي وهذا ضدي، لذلك غاب الرجل المناسب عن المكان المناسب، فلم تعد معايير الكفاءة والخبرة والنزاهة هي الشروط المطلوبة في التعيين سواء بالإدارات أم الاتحادات أو غيرها لأن المقياس هو مدى الولاء للشخص، ولأننا عملنا ضمن هذا المبدأ غاب الاستقرار عن أنديتنا كلها.
أما المشاكل فأهمها مشاكل مالية وتتعلق بالاستثمار وعقود الاحتراف، وهذه المشاكل أثرت بشكل كبير ومباشر في أنديتنا واتحاداتنا الرياضية وخصوصاً مع ارتفاع أسعار السوق بشكل جنوني ما أدى إلى خلل كبير بين الواردات والنفقات فوضع الأندية في عجز والاتحادات الرياضية تحت التقشف الشديد في المصاريف وفي المشاركات وفي البطولات، وهذا كله مردوده سلبي على الرياضة بشكل عام وهو أحد أسباب التراجع.
المشكلة في المعالجات أنها كانت قاصرة، والحلول توقفت عند تغيير الإدارات وتبديل الأشخاص، وقد يكون الراحلون أفضل من القادمين، لكن جوهر الخلل وأصله لم يتحرك أحد من أجل إصلاحه.
وللأسف ما أشطرنا بتقديم الأعذار الواهية، وستنتهي الدورة الرياضية الحالية ونحن نقدم هذه الأعذار وما زلنا نبحث عن أعذار جديدة.
العذر الأول كان بالأزمة السورية والعقوبات الخارجية، الثاني اتجه إلى أزمة كورونا، الأخير أسعار السوق.
أمام كل ذلك لم نجد الحلول المجدية لكل هذه الأزمات، فالأزمة الواحدة تحتاج إلى حل معين إما لتكون بلا آثار أو تكون آثارها على الرياضة بسيطة وغير مؤثرة.
وعلى سبيل المثال سمعنا بقانون جديد للاحتراف منذ موسمين، لكنه لم يصدر حتى الآن ليضبط عمل الأندية على الأقل، فبقيت الأندية تتعامل مع الاحتراف بشكل عشوائي بلا أي ضوابط، فالأسعار ارتفعت بشكل جنوني وبات لاعب يوازي بمستواه لاعب الأحياء الشعبية يقبض من المال ما لا يستحقه ما أثار كل ذلك شبهات عديدة في العقود التي تبرم.
وفضلاً عن الأسعار الكبيرة فإن ضوابط العقود غائبة، ولا نجد أن النادي قد ضمن حقه بالتمام والكمال، لذلك نجد أن القضايا الخلافية بين الأندية واللاعبين والمدربين كثيرة في اتحاد كرة القدم للفصل فيها وآخرها ولن يكون آخرها قضية المدرب ماهر البحري مع الوحدة والمدرب عبد القادر الرفاعي مع عفرين.
أما موضوع الاستثمار فهو موضوع شائك جداً ومن المفترض أن يتم التحرك فيه بشكل جدي بما يصب في مصلحة الرياضة، لأن المطارح الاستثمارية في كل مؤسسات الاتحاد الرياضي قائمة على العقود، والمستثمرون متمسكون بمقولة (العقد شريعة المتعاقدين) لذلك تمسكوا بحقهم القانوني ولم يرفعوا أجور استثماراتهم مع العلم أنهم رفعوا أجور بضائعهم في معادلة غير مفهومة.
ولأن الحكومة اعترفت برفع الأسعار فغيرت الكثير من الأسعار التي تعتمدها كما أنها رفعت الأجور والرواتب أكثر من مرة، فلماذا هذه الإجراءات لم تطل المستثمرين فبقوا يغردون خارج السرب؟ فهل وراء الأكمة ما وراءها؟
على الوعد يا كمون
بعد انتظار طويل عقد المجلس المركزي للاتحاد الرياضي العام، والمفترض أن يكون هذا المجلس السلطة الرياضية الأعلى التي تعمل من أجل نهضة الرياضة وحل مشاكلها وكل المعوقات والعثرات التي تعترضها، ولكن خرج المجلس المركزي خالي الوفاض دون أي قرارات مؤثرة في الشأن الرياضي، وكأن الغاية من هذا الاجتماع تغطية كل قرارات المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام التي صدرت في الموسمين الماضيين لجعلها قانونية وشرعية.
والمشكلة التي تواجه المجلس المركزي أن أعضاءه متغيرون لتغير المناصب، فالكثير من الأعضاء لا يمثلون شخوصهم بل يمثلون المركز الذي يشغلونه كرئيس تنفيذية أو رئيس اتحاد وما شابه، لذلك فإن كل اللجان السابقة المشكلة لبحث قضايا الرياضة باتت بحكم المنتهية لغياب أعضائها أو أغلبهم، لذلك ستتم إعادة تشكيل هذه اللجان من جديد لبحث المشاكل المفترض حلها قبل موسمين، ومنها مشكلة الملاك العددي للمنظمة، والاحتراف والنظام المالي والنظام الداخلي وغيرها، وهذا الأمر يعيدنا إلى نقطة البداية ويدل على أننا أضعنا موسمين كاملين بظل الأوهام والأعذار غير المقبولة.
«الوطن» حاولت حوار عدد من أعضاء المجلس المركزي حول هذه المشكلات واللجان وما يخص الرياضة عموماً، لكن كل الذين حاولنا معهم اعتذروا منا، في الأحاديث الجانبية تحدثوا عن أخطاء كثيرة مرتكبة، ولأن المجالس أمانات فإننا نعتذر عن ذكر ما تحدثوا به، وهو يدل على أن الرياضة تسير بانحدار شديد.
والمشكلة أن كل هؤلاء يخاف على منصبه وكرسـيه ولو كان (كرسي حمام)، فتركيب المجلس المركزي يضع أعضاءه تحت هيمنة المكتب التنفيذي، لأن أعضاء المجلس المركزي هم بدرجة أدنى (وظيفياً) وأي عضو يخرج عن الخط الأحمر للمكتب التنفيذي سيتم إخراجه من منظومة العمل الرياضي، وعلينا أن نعلم أن أغلب أعضاء المجلس المركزي هم رؤساء اللجان التنفيذية ورؤساء الاتحادات الرياضية الأولمبية وأعضاء اللجان الدولية والآسيوية وبعض الخبرات، وهؤلاء عملياً لا يستطيعون الانتقاد والتصريح حتى لا يفقدوا وظائفهم.
رياضتنا تعاني من مشاكل عديدة على صعيد الاستثمار والمنشآت، والنظام الداخلي والمالي، والاحتراف، وهناك صعوبات عديدة تعترض العمل الرياضي في أهمها الموضوع المالي، والوضع التنظيمي، والاستقرار الإداري ومن المفترض أن تجد هذه المنغصات الحلول المجدية القريبة وأي تأجيل لها وترحيلها إلى المستقبل سيؤدي برياضتنا إلى مواقع أكثر سوءاً وألماً!
(سيرياهوم نيوز-الوطن)