آخر الأخبار
الرئيسية » السياحة و التاريخ » أسرار وخفايا حرب تشرين 1973.. صفحة ناصعة في التاريخ العربي.

أسرار وخفايا حرب تشرين 1973.. صفحة ناصعة في التاريخ العربي.

 

كتب د. المختار

 

نعيشُ هذه الأيام الذكرى /51/ لحرب تشرين/ اكتوبر التحريرية عام 1973م. الصفحة الأنصع في تاريخ العرب الحديث والمعاصر، خططت لها وخاضتها سورية ومصر، وشاركت فيها معظم الدول العربية، بعضها شارك بالقتال، والبعض الآخر بأشكال مختلفة من الدعم، فما هي البيئة التي قامت بها الحرب…

 

البيئة السياسية والعسكرية، الدولية والإقليمية التي سبقت الحرب.

 

ثمّةَ إجماعٌ على أنَّ القصدَ من توقيعِ معاهدةِ الدفاعِ العربِي المشتركِ بين الدولِ العربيةِ عامَ 1950م، كان لتعويضِ الخللِ الذي لوحِظَ في ميثاقِ جامعةِ الدّولِ العربيةِ فيمَا يخصُّ التعاونَ العسكري العربي. وعندَما حصلت نكسةُ 1967، كان من أهمِّ أسبابِها عدمُ فاعليةِ التّعاونِ العسكري العربي، لكنَّ النكسةَ كانت سبباً مباشراً في إدراكِ العربِ مدى الخطرِ الصهيوني وأبعادِهِ، ومدى الدعمِ الغربي لإسرائيلَ، ومدى حاجةِ البلدانِ العربيةِ إلى التعاونِ.

 

وكانتِ النكسةُ سبباً في إيمانِ القادةِ العربِ بضرورةِ تشكيلِ قيادةٍ واحدةٍ تتولّى تخطيطَ عملياتِ القواتِ وقيادتَها، وبرزَ ذلكَ في سوريةَ والعراقِ والأردنِ إذ اتَّفقتِ القياداتُ العسكريةُ لهذه البلدانِ الثلاثةِ على إنشاءِ قيادةِ الجبهةِ الشرقيةِ لتتعاونَ مع الجبهةِ الجنوبيّةِ في مصرَ.

شُكّلت قيادةُ الجبهةِ الشرقيةِ عامَ 1968 وتحددَت مدينةُ السويداءِ في سوريةَ مقراً لهَا لتكونَ قريبةً من القطاعين السوري والأردني، وعُيّنَ لهَا قائدٌ عراقيٌّ يعاونُه ضبّاطُ أركانٍ من سوريةَ والعراقِ والأردنِ، وعُيّنَ ضبّاطُ أركانٍ من مصرَ للقيامِ بأعمالِ التنسيقِ المطلوبةِ مع الجبهةِ الجنوبيةِ، ” لم تتمكن هذه القيادةُ من تأديةِ مهامِها بسببِ صدورِ تعليماتٍ من بعضِ الدولِ المشاركةِ تتعارضُ مع تعليماتِ قيادةِ الجبهةِ، الأمرُ الذي أدّى إلى حلِّها”.

 

وبعدَ ذلكَ تمَّ انعقادُ مجلسِ الدفاعِ العربي المشتركِ (المنبثقِ عن معاهدةِ الدفاعِ العربي المشتركِ) في القاهرةِ في1 تشرين الثاني/ نوفمبر1969. وقد رأى المجلسُ أنَّ الحلَّ السلمِيَّ قد فشلَ ووصلَ إلى طريقٍ مسدودٍ يستحيلُ معَهُ تحريرُ الأرضِ العربيةِ نتيجةَ تعنّتِ إسرائيلَ وما تلقَاهُ من دعمٍ ماديّ وسياسيّ وعسكريّ من الولاياتِ المتحدةِ، ” لذلكَ لابدَّ من إعدادٍ عسكري شاملٍ استعداداً للمعركةِ المحتومةِ المقبلةِ”.

 

ووافقَ المجلسُ على حجمِ القواتِ المطلوبةِ كحدٍّ أدنى من أجلِ إزالةِ آثارِ العدوانِ وسجَّلَ التزامَ بعضِ البلدانِ العربيةِ بتقديمِ القواتِ التي طُلبَ منهَا تخصيصُها للعملِ العربي، وأوصى بدعوةِ مؤتمرِ القمّةِ العربي إلى الانعقادِ في كانون الأول/ ديسمبر 1969 في الرباط ليُقرَّ المقرراتِ”، وانعقدَ المؤتمرُ وانفضَّ دونَ أن تبلغَ فكرةُ توحيدِ العملِ العسكري العربي من أجلِ المعركةِ حدَّ التطبيقِ”.

 

وفي شهرِ حزيرانَ/ يونيو بينَ 21 و 23 من عامِ 1970 عُقِدَ مؤتمرٌ في طرابلسَ حضرَه القادةُ السياسيون والعسكريون لمصرَ وسوريةَ وليبيا والأردنِ والعراقِ والسودانِ ومنظمةِ التحريرِ الفلسطينيةِ، وكان أحدَ قراراتِه إنشاءُ قيادةٍ مشتركةٍ للجبهاتِ العربيةِ التي قسّمَها إلى جبهةٍ شماليةٍ في سوريةَ وجبهةٍ شرقيةٍ في الأردنِ وجبهةٍ جنوبيةٍ في مصرَ. وما إن بدأت هذه القيادةُ عملَها حتى اندلعت أحداثُ أيلولَ/ سبتمبر1970، بين الجيشِ الأردني ومنظمةِ التحريرِ الفلسطينيةِ، الأمرُ الذي أدَّى إلى” الاختلافِ بين الأردنِ منْ جهةٍ وبين منظمةِ التحريرِ وحكوماتِ سوريةَ ومصرَ والعراقِ من جهةٍ ثانيةٍ، الأمرُ الذي عرقلَ القيادةَ الجديدةَ وأفقدَها فاعليتَها”.

 

ونتيجةً لفشلِ تلك القيادةِ المشتركةِ اتجهت سورية ومصر إلى تفعيلِ اتفاقيةِ الدفاعِ المشتركِ بينهما وعقدتا اتفاقيةً عسكريةً في القاهرة 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970 بغرضِ توحيدِ الجهودِ العسكريةِ للدولتين تحت قيادةٍ واحدةٍ أُسنِدت إلى وزيرِ الحربيةِ في الجمهوريةِ العربيةِ المتحدة.

وفي عام 1971 اتفق كلٌّ من سوريةَ وليبيا ومصرَ على إنشاءِ دولةٍ اتحاديةٍ (اتحادُ الجمهوريات العربية). وقد نصَّ دستورُ الاتحادِ في مجالِ الدفاعِ على:

أ. تنظيمِ وقيادةِ الدفاعِ عن اتحادِ الجمهورياتِ العربية.

ب. قيامِ قيادةٍ عسكريةٍ مسؤولةٍ عن التدريبِ والعمليات.

جـ. تحريكِ القواتِ بين الجمهورياتِ بقرارٍ من مجلسِ الرئاسةِ أو من يفوضُه أثناءَ العمليات.

د . التنسيقِ بين الصناعاتِ العسكريةِ في الجمهورياتِ الأعضاء.

هـ. حمايةِ الأمنِ القومي ووضعِ خطةِ تأمينِ سلامةِ الاتحادِ وفقاً لما يقرّرُه مجلسُ الرئاسة.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 1971 عقدَ مجلسُ الدفاعِ العربي المشتركِ دورتَه العاديةَ الثانيةَ عشرةَ وأوصى المجلسُ الحكوماتِ العربيةَ بالمشاركةِ بقسمٍ من قواتِها وفقاً لاحتياجاتِ المواجهةِ المقدمةِ من كلٍّ من مصرَ وسوريةَ والأردنِ والثورةِ الفلسطينيةِ سواءٌ بالقوات أو المعداتِ أو المالِ، كما كلّفَ المجلسُ القائدَ العامَ لقواتِ اتحادِ الجمهورياتِ العربيةِ بالتنسيقِ مع قواتِ الجبهةِ الشرقيةِ ودعمِ القدرةِ الفلسطينيةِ لتتمكنَ من القيامِ بدورها.

 

أُنشئت القيادةُ العامةُ للقواتِ المسلحةِ الاتحاديةِ في حزيرانَ / يونيو 1972″ وعُيّنَ الفريقُ الأول أحمد إسماعيل قائداً عاماً للقوات المسلحة الاتحادية، وعُيّن اللواءُ الركنُ حسن البدري رئيساً لمجموعةِ العملياتِ التي انبثقت عن هذه الاتفاقيةِ يعاونُه ضباطُ أركانٍ من قيادتي القواتِ المصريةِ والسورية”.

اجتمع مجلسُ الدفاعِ المشتركِ في 30 كانون الثاني / يناير 1973 بعد تحضيرٍ اشتملَ على انعقادِ لجنةٍ فرعيةٍ عسكريةٍ منبثقةٍ من لجنةِ وزراءِ الخارجيةِ والدفاعِ العربيةِ في الكويت بتاريخ 15 تشرين الثاني/ نوفمبر1972، وقد حدّد مجلسُ الدفاعِ الهدفَ الاستراتيجي وقواعدَ العملِ المشتركِ واتخذَ قراراً بتقسيمِ مسرحِ العملياتِ إلى ثلاثِ جبهاتٍ : شمالية، وشرقية، وغربية، وأن تكونَ هذه الجبهاتُ تحت قيادةِ القائدِ العامِ للقواتِ المصريةِ تعاونُه مجموعةُ عملياتٍ من البلدانِ المشاركةِ في القتالِ ويخوّلُ كاملَ الصلاحياتِ للقواتِ في مسرحِ العملياتِ للجبهاتِ الثلاث، وعدّ أراضي البلدانِ العربيةِ الأعضاءِ مسرحاً للأعمالِ القتاليةِ لتحقيقِ الهدفِ الاستراتيجي مع اشتراطِ استخدامِ أراضي البلدانِ غير الداخلةِ في الجبهاتِ الثلاث في مرحلةِ الاستعدادِ القتالي بموافقة البلدِ المعني .

 

وقد وضع المجلسُ قراراً بأن يتولى قائدُ القواتِ المصرية قيادةَ القواتِ الجويةِ في الجبهاتِ الثلاث، في حين يتولى قائدُ القواتِ السوريةِ قيادةَ القواتِ في الجبهتين الشماليةِ والشرقيةِ. وحدّد المجلسُ حجوماً معينةً من القوات تكون جاهزةً في أماكنِ تمركزِها في بلدانِها نهايةَ شهرِ آذار/ مارس 1973، مستعدةً للتحرك إلى الأماكن التي يحددُها القائدُ العام للقوات المسلحةِ العربية.

واشتملت هذه القواتُ على وحداتٍ وتشكيلاتٍ بريةٍ وجويةٍ من الكويت والعراق والسعودية وليبيا والجزائرِ والمغرب والسودان، وهي الدول التي شاركت فعلياً بالحرب، وأكد المجلسُ أن تكون الوحداتُ كاملةَ التجهيزِ والتسليحِ والتدريب، وأن تتحملَ الدولُ صاحبةَ الدعمِ نفقاتِها. وقرر المجلسُ أن تقومَ الإماراتُ العربية والسعودية وليبيا بإعدادِ قواتٍ أخرى بين عامي 1973 ـ 1974،” كما أوصى المجلسُ ببناء قاعدةٍ صناعيةٍ حربية، وأوصى بتخصيصِ مبلغ 15 % من الدخلِ القومي لكل دولةٍ لمصلحةِ قواتِها المسلحة “. تعدُّ هذه القراراتُ من أهم قراراتِ المجلسِ، ويعدُّ هذا الاجتماعُ من أهم اجتماعاتِ مجلسِ الدفاعِ إن لم يكن أهمَّها على الإطلاق حتى الآن، وتأتي تلك الأهميةُ من حقيقتين: الأولى أنَّ إسرائيلَ عدّت حربَ 1967 الحربَ التي ما بعدها حربٌ، وكانت تنتظرُ أن يستسلمَ العربُ لشروطها ( فالنصرُ العسكري يجب أن يولّدَ نصراً سياسياً من وجهةِ نظرِها، لكن لم يحدث شيءٌ من هذا ).

 

والثانيةُ أنّ العربَ باتوا أكثرَ تضامناً وأكثرَ تصميماً على الحسم، إذ أدركوا أنّ الخطرَ الصهيوني يستهدف الجميعَ وأنّ التنسيقَ العربي بات أكثرَ جديةً من أيّ وقت مضى. لكنّ التعاونَ العربي في كل مرحلةٍ حاسمةٍ من التاريخ يُبتلى بمن يعطلُه من الداخل.

 

التخطيط الفعلي لحرب تشرين/ اكتوبر.

 

لقد أدت سورية دوراً رائداً في التخطيط لحربِ تشرين. وإذا كانت نتائجُ حربِ 1967 هي نفسُها أسباباً لحرب 1973، فإنّ الاستراتيجياتِ المتعلقةَ بالحربين مختلفةٌ وخصوصاً الغرضُ الاستراتيجي الذي جسّد أوجهَ التباينِ بفارقٍ جوهري. ففي حين كان الغرضُ ما قبل حرب1967 ” تحريرَ فلسطينَ من الاستعمارِ الصهيوني” أصبح بعدها ” إزالةَ آثارِ عدوان 1967″، أي إعادةُ الحالِ إلى ما كانت عليه وتحريرُ الأراضي التي احتُلت بعد 5 حزيران/ يونيو 1967 ودعمُ القضيةِ الفلسطينية.

 

وترافق الإعدادُ العسكري للحرب مع العملِ السياسي على الصعيدِ الدولي لإزالةِ آثارِ العدوان، وكانت الوسيلةُ الدولية هي التعاملُ مع قرارِ مجلسِ الأمنِ الدولي المعروفِ برقم 242 والمؤرخ في 22 تشرين الثاني/نوفمبر1967.

 

لقد ظهر الحرصُ الشديدُ للرئيس حافظ الأسد على إنجاح التخطيطِ للحرب من خلالِ توجيهاتِه للجانبِ السوري بالالتزام بتوجيهات القائدِ الأعلى المشتركِ المصري الذي عيّنه الرئيسان.

وفي الحقيقة فقد حلّ كثيراً من النقاط العالقةِ في مرحلة التخطيطِ على حساب الجانبِ السوري.

 

ومردُّ ذلك أنّ سوريةَ بعد قيام الحركةِ التصحيحيةِ أرست قواعدَ الوحدةِ الوطنيةِ مما سمح بالاستقرار السياسي والاقتصادي وحريةِ القرارِ، والأمرُ لم يكن كذلك في مصر. هذا من جانب، أما من جانب آخرَ فمردُّ ذلك كان يعود إلى رغبة الرئيسِ حافظ الأسد إلى تذليل أيّةِ صعوباتٍ تعترض طريقَ التخطيطِ للحرب رغبةً منه في إنجاح هذه الخطوةِ الوحدوية التي كانت تتطلعُ إليها كلُّ الجماهيرِ العربية والتي أثبتت فعلياً بعد الحرب أنّ الرئيسَ الأسد كان المخططَ الحقيقي للحرب وصاحبَ النصرِ باعتراف الجميعِ حتى القادة المصريين.

 

مبادرات السلام الدولية بعد حرب 1967.

 

عَيّنَ الأمينُ العام للأمم المتحدةِ مبعوثاً شخصياً ليقومَ بالاتصالات مع مصرَ والأردنِ وإسرائيلَ، ونشطت وساطاتٌ ومبادراتُ سلامٍ دوليةٍ متعددةٍ بين 1967 و 1973 فشلت جميعُها بسبب تعنتِ إسرائيلَ وتهربِها من تنفيذ القرار 242 فيما يتعلق بالانسحاب من الأراضي المحتلة. وفي موازاة الخطِّ السياسي سار خطٌ آخرَ هو العملُ العسكري، إذ وجدت مصر أنّ عليها أن تستمرَ في التخطيط للحرب مع سورية بعد فشلِ محاولاتِها التفاوضية ( تبيّن لاحقاً أنّ دخولَ السادات في الحرب إلى جانب سورية كان الهدفُ منه تحريكَ المفاوضاتِ ليس أكثر)، وقد استند التخطيطُ للحرب إلى ثلاثةِ عواملَ أساسيةٍ:

 

أ. إمكانُ دعمِ الجبهتين بقواتٍ مسلحةٍ ترِدُ من البلدان العربية التي تؤيد المعركةَ ضد إسرائيلَ وتنتظر انطلاقَها بحماسةٍ والحصولُ على دعمٍ مالي من البلدان القادرةِ على ذلك.

 

ب. تأييدٌ كاملٌ من الشعب العربي مع الاستعداد للتضحية.

 

جـ. الإيمانُ بأنّ انطلاقَ الحرب بمبادرةٍ سورية / مصرية كافٍ لرفع التضامنِ العربي إلى مستوى التعبئةِ القومية العسكرية والسياسية الكافية لتحقيق النصر.

وتأسيساً على ذلك رأت القيادتان السورية والمصرية أنّ الظروفَ العربية والدولية مواتية وتوفر لهما القدرةَ على التخطيط للحرب، وعينتا الفريقَ الأول أحمد إسماعيل علي قائداً عاماً للقوات الاتحادية لحرب تشرين التحريرية بدءاً من 10 كانون الثاني/ يناير 1973 تعاونُه هيئةُ أركان.

وفي 25 شباط / فبراير 1973 اجتمع الرئيس السوري حافظ الأسد والرئيسُ المصري أنور السادات في برج العرب غربي الإسكندرية واتخذَا قراراً بالحرب “غرضُها الاستراتيجي تحريرُ الأراضي المصرية والسورية التي احتُلت في1967 وتوظيفُ الحربِ لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة “. وأبلغ الرئيسان القائدَ العام للقوات هذا القرارَ وطلبا منه أن تكون القواتُ المسلحة في القطرين جاهزةً بدءاً من15 أيار/ مايو 1973 لتلقي المهام القتالية. سميت خطةُ العمليات المشتركة للحرب “خطةُ بدر”.

وقد جسّدت الخطةُ فكرةَ العمليةِ الهجومية في الخطوط الرئيسية الآتية:

(1) أن يكون الهجومُ في الجبهتين شاملاً.

 

(2) أن تستعدَّ القواتُ لتعمل في ظروف تفوّقِ العدو الجوي.

 

(3) أن تكونَ المهمةُ الأولى تدميرَ قواتِ العدو وخصوصاً الدباباتُ وذلك بعد عبور القوات المصرية إلى سيناء وبعد اقتحام ااجيش السوري لتحصينات العدو في الجولان.

 

(4) أن تكونَ القواتُ مستعدةً لتطوير الهجومِ حتى تحقيق أهدافها.

 

لقد اختلفت خطةُ العملياتِ في الجبهة السورية عن مثيلتها في الجبهة المصرية بسبب اختلافِ طبيعة الأرضِ ومساحتِها ومعالمِها الطبوغرافية. ولهذا لاحظت القيادةُ السورية عند وضع الخطةِ بعض العناصر الفاعلة:

 

(1) العنصر الأول: هو أنّ الدفاع الاسرائيلي ذو جبهةٍ متصلة مستندةٍ إلى جبل الشيخ في الشمال ووادي اليرموك في الجنوب، خصوصاً أنّ لبنانَ في الشمال والأردنَ في الجنوب لن يشتركا في الحرب، وهذا يعني أنّه لامجالَ لاستخدام أراضيهِما وليس هناك أيُّ جانبٍ مكشوفٍ يسمح بالالتفاف على الوحدات المعادية على الجبهات، كما أنّ الجبهةَ لم يكن فيها ثغراتٌ تسمح بالخرق للالتفاف.

 

(2) العنصر الثاني: هو طبيعة دفاعاتِ العدو المحصنة، ووعورةُ الأرض وكثرةُ تضاريسها وهو ما دعا إلى الاعتماد على عنصر المشاة.

 

(3) العنصر الثالث: هو الاستفادة من التفوق العددي للقوات السورية وتنفيذُ الهجوم على جبهة عريضة لمنع العدو من تركيز جهوده، والاستفادةُ من قلة عمقِ المنطقة المحصنة.

 

(4) العنصر الرابع: ضرورةُ قطع الطريق على الاحتياطات المعادية التي يجب عليها أن تعبرَ نهرَ الأردن حتى تدخل الهضبة.

 

(5) العنصر الخامس: يحكم خطتي العملياتِ على الجبهتين، وأقصد هنا الاستفادةَ القصوى من وجود جبهتين تعملان في وقت واحدٍ وأن يبدأ الهجومُ بوقت واحد.

 

انتهى المجلسُ الأعلى للقوات المصرية والسورية المشتركة في أواسط العام 1973 من وضع التصورِ النهائي للعمليةِ الهجوميةِ للقواتِ السوريةِ – المصرية، وكان هذا التصورُ يقضي بأن يدورَ القتالُ على الشكلِ الآتي:

أ ـ في الجبهة المصرية: يتمُّ في اليوم الأول ( ي ) عبورُ القناة وإقامةُ رؤوسِ الجسور. وفي اليوم ( ي+1 ) يُدمَّر خطُ بارليف وترسّخُ رؤوسَ الجسورِ حتى إذا حلَّ اليوم ( ي+ 4 ) تكون القواتُ المهاجمةُ قد وصلت إلى خطِّ ممراتِ متلا والجدي، حيث تتصلُ بقواتِ الإنزالِ الجوي التي تكون قد أُنزلت بطائرات الهليكوبتر في منطقة الممراتِ في اليوم نفسِهِ. وتعملُ جميعُها على تحريرِ الممراتِ ثم تتخذُ الوضعَ المناسبَ للاندفاعِ إلى عمقِ سيناءَ وبذلك تكون حررت كامل سيناء تقريباً وصولاً إلى الحدودِ الدوليةِ بين مصرَ وفلسطينَ إذا سمحَ الموقفُ بذلك.

 

ب ـ في الجبهة السورية: تقتحم القواتُ السورية في اليومِ الأولِ ( ي ) الترتيبَ الدفاعي الإسرائيلي، ويتمُّ في اليومِ الثاني ( ي+1 ) احتلالُ خطِّ التحصيناتِ مع دفعِ طلائعِ القواتِ إلى المواقع المهمةِ الحاكمةِ لخطِّ الدفاعِ الاسرائيلي لاحتلالها. وفي اليوم نفسِهِ تندفع فرقةٌ مدرعةٌ باتجاه نهرِ الأردنِ مستغلةً نجاحَ القواتِ في الموجةِ الأولى وتعملُ على تعزيزِ الخطِّ المحررِ وتستعدُّ لتطويرِ الهجومِ في تقدّمِها بحسبِ ظروفِ القتال.

 

ج ـ يربط الجهدَ الحربي في الجبهتين تعاونٌ وتنسيقٌ دائمان: يقومان على أساس استفادةِ كلِّ جبهةٍ من الموقف في الجبهةِ الأخرى وتفاعلِها مع الموقف، بحيث إذا تعرضت إحدى الجبهتين لتركيزٍ وضغطٍ كبيرين من العدو مارست الجبهةُ الأخرى تركيزاً وضغطاً مماثلين على العدو استقطاباً لجهده الحربي وتخفيفاً عن الجبهةِ الأخرى. (طبعاً يجبُ التنويهُ هنا إلى أنّه بحسب رواية الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري فإنّ هذا التصورَ النهائي هو حسبُ الخطةِ المعلنةِ التي طلب الرئيسُ السادات إعدادَها والذي كان ينوي سلفاً عدمَ تطبيقها، فقد كانت فقط لتُعرضَ على الرئيسِ الأسد ليقبلَ دخولَ الحربِ لأنّه بحسبِ روايةِ الشاذلي لو عرفَ الأسدُ بالخطةِ الحقيقيةِ التي ينوي الساداتُ تنفيذَها لما كان سيقبلُ دخولَ الحربِ إلى جانبه وهي عبور القناة والتدم 10 – 15كم والتوقف، للاسف هذا مانفذه السادات).

 

كان الاتفاقُ يقضي بأن تستمرَ الجبهتان في القتالِ حتى تتحققَ الفقراتُ المذكورةُ في التصورِ السابقِ، لكن ما حصلَ خلالَ مجرياتِ الحربِ كان غيرَ ذلك.

 

بدأت القيادتان العامتان للقواتِ المسلحةِ في مصرَ وسوريةَ، كلٌّ فيما يخصُّها، بوضعِ خططِ العملياتِ لجبهتيهما استناداً إلى « خطة بدر»، وتتابعت الاجتماعاتُ العسكريةُ المشتركةُ في القاهرة ودمشقَ، وكان آخرُها في الإسكندرية، حيث اجتمع المجلسُ الأعلى للقوات المسلحةِ المصريةِ السورية ” 21 ـ 26 أب / أغسطس 1973″ وقرّرَ أن يكون الهجومُ يومَ السبت 10 / رمضان 1393 الموافق يوم 6 تشرين الأول / أكتوبر 1973.

ومن الأسبابِ التي دعت المجلسَ إلى تبني هذا القرار:

1 ـ ملاءمةُ هذا التاريخ للظروف المائية في قناة السويس، إذ إنّ التفاوتَ بين المدِّ والجزرِ في ذلك اليوم يكون في الحدِّ الأقصى المسموحِ به لنصبِ الجسورِ العائمة.

 

2 ـ أنّ الإسرائيليين في يومِ السبت يتوقفُون عن العملِ بسبب عيدِ يوم الغفرانِ لديهم.

 

3 ـ وقوعُ هذا التاريخِ في شهرِ رمضانَ الذي يستبعدُ الإسرائيليون قيامَ العربِ بهجومٍ فيه.

وفي اليومِ التالي لاجتماعِ المجلسِ التقى الرئيسان المصري والسوري في بلودان في دمشق 27 أب / أغسطس وصادقا على ما أوصى به المجلسُ الأعلى للقواتِ المسلحةِ المصرية والسورية. وتتابعت الاجتماعاتُ العسكريةُ المشتركةُ بكثافةٍ في القاهرةِ ودمشقَ، واتُّفِق على أنّ يومَ 6 تشرين الأول / أكتوبر1973 يُعدُّ أفضلَ يومٍ من حيث ملاءمةُ الظروفِ للطرفين، ويسهمُ في تحقيقِ عنصرِ المفاجأة.

 

بدء الهجوم على الجبهة السورية:

 

بدأ الهجومُ السوري الساعة 13.58 من يوم 6 تشرين/ أكتوبر 1973 بقصفٍ جوي شاركت فيه حوالي 100 طائرةٍ وتمهيدٍ مدفعي شارك فيه حوالي ألفُ مدفعٍ لمدة ساعةٍ ونصف. وأولُ مهمةٍ تمَّ إنجازُها كانت احتلالَ مرصدِ جبلِ الشيخ الذي يرتفع 2814 متراً من قبل وحدةٍ خاصّةٍ من المغاوير التي أُنزلت بالحوامات على قمة الجبلِ واحتلت المرصدَ حوالي الساعة 14:55 واستمرت 45 دقيقة، وكانت هذه أولى المفاجآتِ السوريةِ للقيادةِ الإسرائيلية من حيث المكانُ والسرعةُ ودقةُ الهدفِ، وعدّتها إسرائيلُ كارثةً ولم تتجرأ أن تعلنَ عن سقوطِه إلا بعد عشرةِ أيامٍ نظراً لأهميتِه الاستراتيجية، ومازال المرصد بيد القوات السورية حتى هذا اليوم.

 

لقد خططت القيادةُ السورية لهجومٍ مدرّعٍ ميكانيكي خاطفٍ منذ بدءِ الحربِ، فهاجمت على ثلاثةِ محاورَ: على المحورِ الشمالي فرقةُ المشاةِ الميكانيكية السابعة، وعلى المحور الأوسطِ فرقةُ المشاة الميكانيكية التاسعة، وعلى المحورِ الجنوبي فرقةُ المشاةِ الميكانيكية الخامسة. هذا في النسقِ الأول، أمّا في النسق الثاني فقد تمركزت فرقتان مدرعتان الأولى والثالثة، ولواءان مدرّعان مستقلان 70 و78.

 

كان الهجومُ السوري منسقاً بدرجةٍ عاليةِ الكفاءةِ ونجحت قواتُه بتحقيقِ مفاجأةٍ استراتيجيةٍ وتكتيكيةٍ حقّقت نتائجَ لم تكن في تقديراتِ إسرائيلَ، إذ استطاعت القواتُ السورية أن تخترقَ خطَّ آلون خلال ساعتين وعشرِ دقائقَ الخطَّ الدفاعي الإسرائيلي في الجولان بطول 70 كلم، والذي عُدّ أكثرَ تحصيناً وأقوى من الخطوط العسكرية في الحرب العالمية الثانية، وصُنِّف من أقوى الخطوط الدفاعية في التاريخِ العسكري ” عُدّ سقوطُ خطِ آلون على الجبهةِ السورية وسقوطُ خطِ بارليف على الجبهةِ المصرية عملاً عسكرياً لا يقلُّ أهميةً عن سقوطِ خطّ ماجينو الفرنسي سنة 1940″. كما حقّق الهجومُ السوري في قطاعي فرقتي المشاة الميكانيكيتين التاسعةِ والسابعةِ في جنوبي الجولان نجاحاتٍ سريعةً. فقد اخترقت المدرعاتُ السورية خنادقَ التحصيناتِ الإسرائيلية في الجولانِ ووصلت إلى مدينةِ القنيطرة عاصمة الجولان. وفي صباحِ اليومِ الثاني” وصلت الوحداتُ المدرّعةُ السورية إلى مشارفَ نهرِ الأردن، وقامت بصدّ هجومٍ مضادٍّ لدباباتِ العدوّ على خط الخشنية / عين زيفان ودفعت وحداتِها المدرعةَ لاستغلالِ نجاحِ النسقِ الأولِ حتى أصبحت على مشارفَ بحيرةِ طبرية “.

 

بدء الهجوم على الجبهة المصرية.

 

لم يكن الهجوم على الجبهةِ المصرية أقلَّ نجاحاً، فقد استطاعت القواتُ المصرية مع حلول الساعةِ العاشرةِ ليلاً من تركيبِ ثمانيةِ جسورٍ ثقيلةٍ لعبور الدباباتِ وأربعةٍ خفيفةٍ وفتحت 80 ثغرةً في الساترِ الترابي الضخم. ومع حلول الليلِ كانت هناك خمسُ فرقٍ عسكرية كاملةٍ من المشاة والمدرعاتِ قد عبرت إلى الضفةِ الشرقية لقناة السويس، وكانت معظمُ مواقعَ خطِّ بارليف قد حُوصرت أو تمّ اقتحامُها.

سقط خطُّ بارليف بأيدي القواتِ المصرية في اليوم الثاني من القتال، ووصلت القواتُ المصرية إلى قربِ محاورَ حركةِ القواتِ الاحتياطية المدرعةِ المعادية في العمقِ العملياتي عند ممراتِ متلا والجدي والجفجافة ورمانة. وعقبَ وصولِ قواتِ المشاةِ في اليوم الأولِ إلى عمقِ 8 كم قامت على الفور بالتخندق. وأعدّت القيادة الإسرائيلية خطةً لهجومٍ مضادٍّ بدأ صباحَ يوم 8 على طول جبهةِ القتالِ وقد فشلَ الهجومُ على أيدي القوات المصرية، وكان يجبُ أن تستغلَّ القوات المصرية الفرصةَ وتطوّرَ هجومَها، غيرَ أنّ الذي حدث كان عكسَ ذلك فقد قررت القيادةُ المصريةُ ما سُمِّيَ (بالوقفة التعبويّة) في اليوم نفسهِ 8 تشرين الأول في وقت كانت إسرائيلُ تواجه موقفاً شديدَ الخطورةِ على الجبهةِ السورية بدأ مع الفجرِ فقد ” اندفع الجيشُ السوري إلى هجومٍ مدرعٍ قويّ أدّى إلى انهيار الخطوطِ الإسرائيلية في الجولان، وهدّد بالوصول إلى مستعمراتِ وادي الأردن. وقبل ظُهرِ 8 تشرين الأول / أكتوبر ظهرت المدرعاتُ السورية أمام المعسكراتِ الإسرائيلية في منطقة كفر نافخ على طرفِ الجولان وبدا أنّ في استطاعةِ هذه القواتِ أن تصلَ إلى وادي الحولة عبرَ جسرِ بنات يعقوب”. هذا يعني انها حررت 80 % من الجولان المحتل.

 

ذكر محمد حسنين هيكل مستشار الرئيس السادات آنذاك، أنّه لم يكن قد مضى على بدء المعاركِ أكثرَ من عشرين ساعةً حين بعث الرئيسُ أنور السادات برسالةٍ سريةٍ إلى هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي حينذاك وقد وقعها حافظ إسماعيل مستشارُ الرئيس السادات للأمن القومي. ونذكرُ هنا بعضَ بنودِها نظراً للأهمية فقد جاء في البند رابعاً:

“وكنتيجة للاشتباكات فإنّ موقفاً جديداً قد نشأ في المنطقةِ فإننا نودّ تحديدَ موقفِنا”.

خامساً: إنّ هدفنا الأساسي لا يزال كما كان دائماً تحقيقَ سلامٍ في الشرق الأوسط، وليس تحقيقَ تسوية جزئية.

سادساً: إننا لا نعتزم تعميق مدى الاشتباكات أو توسيع مدى المواجهة”.

ثم يقول حسنين هيكل الذي كان أقربَ رجلٍ للرئيس السادات في ذلك الوقتِ في معرض تحليلهِ للرسالة: إنّ بعضَ العبارات في هذه الرسالةِ مثيرةٌ للدهشةِ والاستغراب، مثل العبارةُ التي وردت في البندِ رقم 6 إننا لا نعتزم تعميقَ مدى الاشتباكاتِ أو توسيعَ مدى المواجهةِ”.

إنّها أولُ مرة في التاريخ يقول فيها طرفٌ محاربٌ لعدوه نواياه كاملةً ويعطيه من التأكيدات ما يمنحه حريةً في الحركةِ السياسية والعسكرية “.

 

رغمَ تركيزِ إسرائيلَ على الجبهةِ السورية أكثرَ من الجبهة المصرية ” بسبب اقترابِ القواتِ السورية من المناطقِ السكانية الإسرائيلية فقد حققت القواتُ السورية نجاحاتٍ باهرةً حيث وصلت إلى عمق هضبةِ الجولان وإلى مناطقَ الكثافةِ السكانية الحساسةِ في الجليل الأعلى وهددت مستقبلَ إسرائيل. وكان من نتائجِ ذلك أن كثّفت إسرائيل من تركيزِها على الجبهة السورية في الوقتِ الذي كانت فيه القواتُ السورية بحاجةٍ ماسةٍ إلى تحرك القواتِ المصرية لكي تخفّفَ الضغطَ عنها، ما أدّى إلى تركيز إسرائيل كاملَ طيرانِها على الجبهةِ السورية يوم 8 تشرين الأول/ أكتوبر وكانت خسارةُ القواتِ السورية كبيرة.

كان توقّفُ القواتِ المصرية (ما سُمِّيَ بالوقفة التعبويّة بين 9 و14 تشرين الأول/ أكتوبر في وقتٍ حرجٍ جداً للقوات السورية التي كانت بحاجةٍ إلى تثبيت قواتها التي حققت نجاحاً باهراً واستعادت تقريباً كلَّ الجولان المحتل.

 

يقول حسنين هيكل بهذا الصددِ

“كان السوريون يرون أنّ الهجومَ المصري كان يجبُ أن يستمرَ إلى أن تصلَ القواتُ المصرية إلى الممراتِ بحسب الاتفاقِ بين البلدين (الواردُ تفصيلُه في التصور النهائي)، وتكون القواتُ السورية قد وصلت عندئذ إلى نهر الأردن وبحيرة طبرية لاستغلال نجاحِها في التقدم نحو الناصرة، وعندها فقط يكونُ للوقفة التعبوية ما يبررها خصوصاً وأنّ القواتِ المصريةَ مازالت في كاملِ جاهزيتها. أيّاً كان السببُ فقد كانت هناك في الفترة مابين 8 تشرين أول/ أكتوبر واليوم العاشر منه فرصةٌ وضاعت”.

 

ردود الفعل العربية والدولية على الوقفة التعبوية.

 

– على الصعيد العربي كانت تلك الوقفةُ مصدرَ قلقٍ كبيرٍ. ففي يوم 8 بعد إعلان الوقفة التعبوية ألقى العقيدُ معمر القذافي خطاباً في جماهيرَ خرجت على شكل مظاهراتِ تأييدٍ لتطوير القتال، فقد طرح العقيد القذافي في هذا الخطاب لأول مرة شعاراً تكرّرَ كثيراً فيما بعد، “عما إذا كانت المعركة حربَ تحريرٍ أو حربَ تحريكٍ “، ويقصد هنا لتحريك المفاوضات بين مصر وإسرائيل.

وقد أكّد الفريق سعد الدين الشاذلي فيما بعد في مذكراته أنّها كانت حربَ تحريكٍ ولم تكن حربَ تحريرٍ، كما أكّد السادات بنفسه ذلك إذ أعلن بعد انتهاء الحرب وفكِّ الاشتباكِ الثاني في أيلول/ سبتمبر 1975 أنّ هدفَ القوات المسلحة المصرية من حرب أكتوبر كان ” احتلالَ شريحةٍ من الأرض بعمق حوالي 10 كلم شرق القناة “.

 

– على الصعيد الدولي: يذكر حسنين هيكــل عن مقابلةٍ له مع السفير السوفييتي في مصرَ (فينوجرادوف) عند إعلان الوقفةِ التعبوية، أنّ السفيرَ قال له: ” إنّ الجبهةَ المصرية تبدو حتى هذه اللحظة، وهذا اليومُ الثالثُ للقتال، وكأنّ همَّها الأكبرَ هو تدعيمُ رؤوسِ الكباري/ الجسور، وتثبيتُها على الضفة الشرقية فقط، أخشى أننا بعد يومين أو ثلاثة سوف نجد الجيشَ الإسرائيلي منفرداً بالجبهة المصرية بعد أن يكون قد سوّى أمورَه على الجبهة الشرقية.

ثم تساءل السفيرُ هامساً إنّ خبراءَنا لايفهمون لماذا لم تتقدموا لاحتلال المضايقِ .؟ فاحتلالُ المضايقِ أولاً كان عنصراً في الخطة التي اتفقتم عليها مع السوريين.

ثانياً إنه يخفف الضغطَ عن السوريين، ثم إنه ثالثاً يعطيكم مواقعَ دفاعية أفضلَ كثيراً من أيّة تحصيناتٍ تقيمونها لتدعيم رؤوسِ الكباري “.

 

على الصعيد الجانب الأمريكي:

فإنّ هنري كيسنجر يروي في مذكراته أنّه كان في اجتماع مع مجموعة العملِ الخاصة في اليوم الثالث للحرب يناقشون المستجداتِ، وأنَّ (كينيث راش) نائبَ وزير الخارجية قال: “يصعب عليّ أن أتصورَ أنّ السادات سوف يعبر القناةَ ثم يكتفي بالبقاء هناك. وردّ (وليام كولبي) مديرُ المخابراتِ المركزية، إنّ السوريين يظنون أنّ أحوالهم جيدة، وهم لا ينظرون إلى المدى الطويل. فبالنسبة للمصريين فقد حدّدوا هدفَهم بعبور قناةِ السويس فقط والتوقف.

وقال كيسنجر: برأيي إنّ السادات وقد عبر القناة، لن يفعل أكثرَ من ذلك وسيكتفي بالجلوس هناك، وأنا لا أعتقدُ أنه سوف يقومُ بتعميق مدى عملياتِهِ في سيناء”.

 

ويقول حسنين هيكل معلقاً على كلام كيسنجر (كان ذلك بالحرف نصَّ ما ورد في رسالة السادات المرسلة إلى كيسنجر بتوقيع حافظ إسماعيل).

 

– أما على الصعيد الإسرائيلي فإنّ ” موشي ديان (وزيرَ الدفاع أيام الحرب) قال لجولدا مئير رئيسة الوزراء في اليوم الثاني للحرب إنّه متشائمٌ ويائسٌ وخائفٌ من (خراب البيت الثالث) ” ومستعدٌّ أن يدرس الاستسلام “. طبعاً هذا التصريحُ يبيّن الحالةَ التي كانت تعيشها إسرائيلُ حتى اليومِ الثالث للقتال أي حتى إعلان الساداتة عن الوقفةُ التعبوية.

 

– على الصعيد المصري: كان الموقفُ العسكري في سيناء متميزاً بمتانة الوضعِ، إذ بلغ عمقُ رؤوسِ الجسور 12 ـ 15 كلم والقواتُ الاحتياطية مازالت في أتم استعدادٍ، واختلف القادةُ المصريون حول محاسنَ ومساوئ الوقفة التعبوية خصوصاً أنّ ذلك لم يكن منظوراً في الخطة السورية المصرية المشتركةِ.

ومن الجدير بالذكر أنّ بعضَ القادةِ المصريين لم يوافق على الوقفة ” لم يوافق رئيسُ هيئة العمليات المصري المشير عبد الغني الجمسي عليها، وكان مصرّاً على تطوير الهجومِ طبقاً للخطة المتفقِ عليها مع سورية”.

 

بدأ الهجومُ الإسرائيلي المضادُّ على الجبهة السورية، وأخذت القيادةُ السورية تطالب القيادةَ الاتحادية بتطبيق الخطةِ المشتركة بتطوير الهجومِ باتجاه الممرات، كما طالبت بتنفيذ الاتفاقِ الذي ينصُّ على ” أن تتشاركَ القوتان المصرية والسورية بقصف الأهدافِ الإسرائيلية في العمق الإسرائيلي في حالة تعرّضِ إحدى المدنِ المصرية أو السورية إلى قصفٍ جوي من قبل سلاحِ الطيرانِ الإسرائيلي ” إذ قامت الطائراتُ الإسرائيلية بقصف دمشق، وأسقطت سورية 34 طائرةً إسرائيلية في يوم واحد. وظلت الجبهةُ السورية تقاتل وحدَها واستمرت الوقفةُ التعبوية من صباح 9 إلى مساء 13 تشرين الأول / أكتوبر، واتضحَ فيما بعد أنّ القرارَ السياسي المصري جاء تنفيذاً لتخطيطٍ مسبقٍ أخفاه الجانبُ المصري عن القيادة السورية في مرحلة التخطيط، ولم يكن وليدَ ساعتهِ، واطمأنت القيادةُ الإسرائيلية للوقفة التعبوية بعد تأكيد كيسنجر لهم أنّ المصريين لن يتقدموا بعد الخطِّ الذي احتلوه شرقي القناة، وأقامت الولايات المتحدة جسراً جوياً عسكرياً لدعم إسرائيل.

 

فركّزت إسرائيل كاملَ جهودِها للتفرد بالجبهة السورية وحققت اختراقاً في يوم 11 بعمق 3ـ 5 كلم، وقامت الطائراتُ بقصف مطاراتٍ وقواعدَ وأهدافٍ حول دمشق، وتدهورَ الموقفُ بعد ذلك في يومي 12 و13، وكانت القيادةُ السورية ترسل الرسالةَ تلو الأخرى للقيادة الاتحادية تذكّرُها بواجبها لاستئناف الأعمال القتالية، ” وقد اتسمت الرسالةُ الثالثة عشرة التي بعثت بها دمشقُ تطالب فيها مصرَ العملَ على تخفيف الضغطِ الإسرائيلي عنها بقدر أكبر من الحدة” وتذكِّرُها ببنود الخطة المشتركة. وتحت ضغطِ هذه النداءاتِ صدرت الأوامر يوم 14 إلى قائدي الجيشين الثاني والثالث ببدء هجومٍ في الاتجاه الشرقي.

 

تجدر الإشارةُ هنا إلى قول رئيس الأركان المصري آنذاك الفريق سعد الدين الشاذلي ” إنّ جانباً من المفهوم الاستراتيجي لخطة بدر لم يعرف به الطرف السوري ” غيرَ أنّ إسرائيلَ كانت قد استعدت وحصلت على أسلحة جديدة من أمريكا وقد فات الأوانُ المناسبُ للهجوم المصري، ” وألحقت إسرائيلُ خسائرَ فادحةً بالقوات المصرية التي لم تتقدم أكثر من 12 ـ 15 كلم ثم تلقّت أمراً بالتراجع إلى الخطوط التي بدأت منها الهجوم “. أُثير كثيرٌ من الآراء والتحليلات عن تأخر تطويرِ الهجوم المصري .

 

أخذت إسرائيلُ بعد ذلك المبادرةَ “وفتحت ثغرةً في الجدار المصري ثغرة الدفرسوار. وبدءاً من ليلة 15 ـ 16 بدأ الخطُّ البياني المصري يهبط والخطُّ البياني الإسرائيلي يصعد وصدقت نبوءةُ السفير السوفيتي، فقد كان من مبادئ القيادةِ الاسرائيلية نقلُ المعركةِ إلى أرض الخصمِ بأسرع وقتٍ ممكنٍ. وكانت الخطةُ الاسرائيلية تتلخّصُ في فتح ثغرةٍ في جدار الدفاع الجوي المصري وذلك عن طريق عبورِ القناة إلى الضفة الغربية، وكان هدفُ إسرائيلَ من وراء ذلك هو مساومةُ المصريين على الانسحاب من شرق القناة مقابل انسحابِ الإسرائيليين من الغرب وإعادةُ الأوضاعِ لما كانت عليه قبل 6 أكتوبر.

 

وكانت الخطّةُ تقتضي أن يتمَّ العبورُ بفرقتين معززتين، بحيث تقوم فرقةُ (شارون) بعبور القناةِ واحتلالِ رأس جسر على الضفة الغربية، ثم تستغل فرقةُ ( آدان ) هذا النجاحَ لتطوير الهجومِ نحو الغرب على أن يجري الخرقُ والعبورُ في منطقة الدفرسوار. وقد تمّ اختيارُ هذه المنطقة لأنّها تقع في الفرجة الفاصلةِ.

 

وسّعت إسرائيلُ الثغرةَ وعبرت قواتٌ كبيرةٌ إلى غربي القناة. ويذكر الفريق الشاذلي أنّه كان هناك خمسُ فرقٍ و1200 دبابة مصرية شرق القناة وطلب سحبَ فرقةٍ مدرعةٍ لتصفية الثغرة ولكنّ السادات عارض ذلك، ولو سُحِبت هذه القوةُ يومي 19 و 20 تشرين الأول لأمكن تصفيةُ الثغرةِ، وفشلت القوات المصرية في وقفِها لذا غدت الثغرةُ نقطةَ الانعطافِ الاستراتيجي في مسيرة حربِ 1973 على الجبهة المصرية، حتى أنّ بعضَهم يقول إنّها غيرت مسيرةَ الحربِ ونتائجَها العسكرية والسياسية.

 

يقول اللواء حسام سويلم مما لاشك فيه أنّ موضوعَ ” ثغرة الدفرسوار التي نجحت القواتُ الإسرائيلية في إقامتها غرب القناة يوم 16 أكتوبر 1973 تعدّ من الموضوعات الأكثرِ حساسيةً التي تواجه كلَّ منْ يكتب مِن المصريين عن حرب أكتوبر، إذ تكاد تعدّ البقعةَ السوداء الوحيدة في ثوب أكتوبر ناصعِ البياض. إلا أنّ أمانةَ الكتابة للتاريخ وللأجيال القادمة تقتضي أن تُذكَرَ مجردةً حتى يتمَّ الاستفادةُ منها”. وأعلنت مصر وقفَ القتالِ بتاريخ 20 تشرين/ اكتوبر ” وأرسل الساداتُ رسالةً إلى الرئيس حافظ الأسد يعلمُه بقراره وقفَ القتال”، وتوقفت الأعمالُ القتالية تأسيساً على قرار مجلس الأمن 338 في 22 تشرين الأول/أكتوبر 1973. ودخلت مصر مفاوضاتٍ مع إسرائيلَ لتوقيعِ اتفاقيةٍ لفصل القواتِ واستمرّت “حتى تمّ التوقيعُ في 18 كانون الثاني /يناير 1974 “.

 

أما سورية فقد استمرت بالحرب وخاضت حربَ استنزافٍ طويلةً استمرت 81 يوماً بسبب مراوغاتِ إسرائيلَ في رسم خطِ وقفِ إطلاقِ النارِ، وكبّدت إسرائيلَ من خلالها خسائرَ كبيرة. سعت القيادةُ السورية من خلال حربِ الاستنزاف إلى إلحاق أكبرِ الخسائر المادية والبشرية بقوات العدو، وخلقِ حالةٍ من انعدام الأمنِ بالنسبة إلى المستعمرات الإسرائيلية، ومنع العدو من تحصين مواقعِه واستمرارِ السيطرةِ على قمم جبل الشيخ، وإجبارِ إسرائيلَ على وضع جيشِها العاملِ في حالة التعبئة المستمرة، ولكسر حالةِ الجمود الناجمةِ عن الموقف الأمريكي ـ الإسرائيلي. وحققت القواتُ السورية في حرب الاستنزاف ظاهرةً مهمةً جداً وهي أنها أخضعت إسرائيلَ للأساليب القتالية التي فرضتها القيادة السورية (من المعروف أنّ إسرائيلَ ترفض الانجرارَ إلى حرب استنزاف طويلة، وتفضلُ الردَّ بالتصعيد إلى مستوى الحربِ الشاملة القصيرة). وتوقفت بعد ذلك الأعمالُ القتالية مع التوقيع على اتفاقيةٍ لفصل القوات، وبذلك تكون القواتُ السورية قد حرّرت في حرب تشرينَ محور سعسع( 551 كلم2 ) وحرّرت مدينةَ القنيطرة التي احتُلت عام 1967، ومنطقة الرفيد والقطاع المحيط بها كانت محتلةً قبل 1967″.

 

نتـائج حـرب تشـرين:

 

لا يتسع المجال لشرحِ نتائجَ حربِ تشرين التحريرية وتحليلها الآن لأنّها في الحقيقة تحتاج إلى مجلدات، ولكن أردتّ إلقاءَ الضوء على أهم النتائجِ.

 

– إنّ الحربَ كانت امتحاناً لإمكانية تحقيقِ التضامن العربي ودليلاً قاطعاً على إمكانية تحقيقِه وعلى مدى فاعليتِه أيضاً، ورداً على المشككين الموجودين في كلِّ زمانٍ ومكانٍ والذين يتسابقون للانبطاح وحجّتُهم دائماً أنّه لاحولَ لنا ولا طولَ أمام القوى العظمى وليس أمامنا إلا تنفيذُ ما يُملى علينا. ففي تشرينَ وقف العربُ صفاً واحداً في مواجهة الضغوطِ السياسية الخارجية، وبتضامنِهم تحققَ ذلك النجاحُ الباهر. كما كانت الحربُ الدليلَ القاطعَ على أنّ التضامنَ العربي هدفٌ واقعي يمكن تحقيقُه في أي زمانٍ مهما كبُرَت الضغوطُ حينما تتوفر الإرادة.

– تحريرُ الإرادةِ العربية من القيود.

– تحريرُ النفوسِ العربية من الخوف والتردد.

أزالت شعورَ الذلّ والمهانة الذي لحق بالعرب من نكسة حزيران.

– أثبتت مقدرةَ الإنسانِ العربي على مواكبة التطورِ العلمي.

– كسرت مقولةَ الجيشِ الإسرائيلي الذي لا يقهر.

– أعادت للإنسان العربي صورتَهُ الحقيقيةَ أمام الأممِ الأخرى، إذ صحّحت مفاهيمَ كانت الصهيونيةُ قد شوّهتها عن العرب.

– نقلت الأمةَ العربية ولأولِ مرةٍ في تاريخ الصراعِ العربي الصهيوني من موقع الدفاعِ إلى موقع الهجومِ وامتلاكِ المبادرةَ في اتخاذ قرار القتال.

 

لقد قمتُ بتسليط الضوءِ على بعض التفاصيلِ بهدف التدليلِ على أنّ العملَ العربي المشترك يمكن أن ينجحَ في حال صدق النيات، ولأُبيّنَ فداحةَ الخسارةِ التي حصلت من جراء تضييعِ النصر الرائعِ الذي تحقّقَ خلال الأيام الثلاثة الأولى على الجبهتين، ومن تضييعِ تلك الفرصةِ الذهبية من التضامنِ العربي الحقيقي، إذ وقف العربُ في صفٍّ واحدٍ تحت رايةِ المعركة، وكان هذا التضامنُ على امتداد الوطنِ العربي، إنجازاً بحدِّ ذاته. فقد دلّ على أنّ الخلافاتِ بين العرب تزولُ وقتَ الشدة ليبرز مكانَها وحدةُ الكلمةِ من أجل تحقيقِ الهدفِ المشترك، وماأحوج العرب اليوم لمثل هذه التضامن في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها معظم البلدان العربية، وفي ظل هجمة استعمارية جديدة على المنطقة تهدف إلى تقسيم المقسم وتجزيئ المجزأ.

 

ففي حرب تشرين برز التضامنُ العربي بصورةٍ لم تشهد لها الساحةُ العربية مثيلاً، إذ شاركت قواتُ اثني عشرَ بلداً عربياً في الحرب، وهذا ما طبّقَ شعارَ شموليةِ المعركةِ الاستراتيجية، أي لولوجُها الميادينَ السياسيةَ والدبلوماسية والاقتصادية. ويمكنني هنا أن أستشهدَ بقولٍ للفريق الشاذلي في مذكراته ” وهكذا يمكن القولُ إنّ التعاونَ العربي خلال حربِ تشرين الأول/ أكتوبر كان أفضلَ صورةٍ ظهر بها العربُ منذ إنشاءِ الكيانِ الصهيوني، لكن يجبُ أن نعترفَ بأخطائنا ونتعلّمَ منها “.

 

في تشرين طُرح شعارُ نفطِ العرب للعرب، واشترك النفطُ العربي كسلاح فعالٍ في المعركة (سلاح النفط العربي). فقد عقد وزراءُ النفطِ العربُ اجتماعاً في الكويت في17 تشرين الأول / أكتوبر 1973 لتفعيل سلاحِ النفطِ وقرروا خفضَ إنتاجِ النفط فوراً بنسبة شهرية متكررة لا تقل عن 5 % ابتداءً من الشهر نفسهِ وحتى يتمّ جلاءُ القواتِ الإسرائيلية عن جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وروعي ألّا تتضررَ البلدانَ التي تساندُ العربَ من الحظر وأن يكونَ الحظرُ كاملاً على الولايات المتحدة وهولندا. وبعد وقف إطلاقِ النار في 22 منه اجتمع وزراءُ النفط ثانيةً وقرروا خفضَ الإنتاجِ إلى 25 % وكان استخدامُ النفطِ فعالاً دولياً.

 

الدروسُ المستفادة من حرب تشرين.

 

لعله من المفيد أن أُلقي الضوء على بعض الدروسِ المستفادة من حرب تشرين التحريرية، إذ تُعدُّ من أغنى الحروب بالدروس العسكرية وذلك لسببين:

الأول كونُ الصراعِ العربي الصهيوني ليس صراعاً محلياً وحسب بل يجري في أكثر بقاعِ العالم حساسيةً نظراً لتشابك المصالحِ بين الدول الكبرى، حيث منطقةُ الشرق الأوسط تعدُّ جيوبوليتيكياً من أهم المناطقِ وأخطرِها في العالم.

 

أما السبب الثاني فلأنّ الحربَ كانت من أشد الجولاتِ العسكرية بين العرب وإسرائيل وقامت مع بداية عصرِ التكنولوجيا. فأهمُّ الدروسِ المستفادة كانت:

 

أ. حققت الحربُ عنصرَ المفاجأةِ للعدو و( التي تعدّ من أهم مبادئ الحرب ). فقد كانت المفاجأةُ العربية من منظور المحللين العسكريين ناجحةً جداً تكتيكياً، وعملياتياً، واستراتيجياً، وأثبتت قيمتَها وفاعليتها وقد اعترف العدو بأنّ المفاجأةَ كانت صاعقةً وأوقعته في حيرةٍ وإرباكٍ شديدين .

 

ب‌. حرمَ امتلاكُ العربِ لزمام المبادرة العدوَّ من الضربة المسبقةِ التي تُعدُّ أهمَّ عناصرَ عقيدتِه القتالية بسبب عدم توفرِ العمقِ الاستراتيجي لديه للحشد والمناورة ( لقد استخدمت إسرائيل مبدأَ الضربةِ المسبقة في العام 1956 وعام 1967 م).

 

ت‌. حققت مبدأَ الضربةِ المسبقة للقوات الصديقة.

جـ. حرمت العدو من سلاح الردع: لقد اعتمدت إسرائيلُ على الردع كعنصرٍ أساسي في عقيدتها القتالية ونظريتِها الأمنية، لذلك كانت الحربُ امتحاناً قاسياً أثبت الفشلَ التام له.

 

د‌. نظريةُ الحدود الآمنة: لقد ألغت حربُ تشرين مفهومَ الحدودِ الآمنة لإسرائيلَ كأحد عناصر نظريتِها الأمنيةِ التي طورتها بعد حرب 1967.

 

هـ. نظريةُ الحربِ الخاطفة: من المعروف أنّ إسرائيلَ تتبنى مبدأَ ” الحربِ الخاطفة أو الصاعقة ” كأساس لعقيدتِها القتالية بسبب عدم توفرِ العنصرِ البشري لديها، ومن ثمّ فإنّ إطالةَ أمدِ الحربِ يؤدي إلى شللٍ اقتصادي كاملٍ لديها. فمن جهةٍ نجحت الدفاعاتُ المصرية التكتيكية بصدّ الهجماتِ الإسرائيلية خلال الأسبوع الأول من الحرب، ومن جهةٍ أخرى نجحت القواتُ السورية في خرق الدفاعِ الإسرائيلي في القطاع الأوسطِ والجنوبي وكانت على وشك حسمِ المعركةِ في الجولان لولا إفشالُ الخطة الاستراتيجيةِ المشتركة من قبل القيادة المصرية (الوقفة التعبوية)، ومع ذلك فقد استمرت القواتُ السورية تقاتل 81 يوماً.

 

في النهاية لابدَّ من القول إنَّ حربَ تشرين التحريرية ستظلُّ الصفحةَ ناصعةَ البياضِ في التاريخ العربي، وأبرزَ منجزاتِ العرب وأهمَّها في تاريخهم العربي الحديثِ والمعاصر، ومنعطفاً كبيراً في تاريخ الصراعِ العربي الصهيوني، وسيظلُّ الكتّابُ والمحللون يتناولونها سنين طويلة.

 

(سيرياهوم نيوز1-الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

البرابرة يدمّرون الآثار في فلسطين ولبنان: «إسرائيل» عدوّ حضاري أولاً وأخيراً

غادة حداد     قبل يوم واحد من حرب تموز 2006، وقفت السيدة فيروز على أدراج بعلبك الرومانية الأثرية، لتحيي اليوبيل الذهبي لانطلاق «مهرجانات بعلبك ...