الرئيسية » ثقافة وفن » أهمّيّة الثقافة للإعلام وضرورتها للإعلام الثقافيّ

أهمّيّة الثقافة للإعلام وضرورتها للإعلام الثقافيّ

 

 

غسان كامل ونوس

 

 

لم يعد الإعلام نشر أخبار تتوالى، ولا سرد أحداث وقعت، وعرض انعكاساتها وردود الأفعال التي يولّدها؛ فحسب؛ بل صار مشاركة في صناعة الحدث؛ تبشيراً به، أو تحذيراً منه، وتحليلاً له، وتنقيباً في ثنيّاته، وتقصّياً لمدياته، وتأثيراً في درجة الانفعالات حياله، وتوجيهاً لأمواجها؛ من أجل تحقيق مصالح عامّة وخاصّة… ويحتاج الإعلاميّ؛ للنجاح في القيام بكلّ هذا، إلى إمكانيّات وقدرات، لا تتوقّف عند اللغة والأسلوب والحضور والنباهة، ولا تقتصر على المعلومة، التي حصل عليها في الاختصاص أو من خلال التدريب والتأهيل، أو في الموضوع المتّصل بالسياق المعنيّ بالوقائع قيد التناول؛ بل لا بدّ من قدرة على التعامل؛ ملاحظة وربطاً واستنتاجاً، مع مختلف العناصر المتداخلة في المشهد الحاضر والفضاءات المحيطة، قبل الحدث، وفي أثنائه، ومن بعده؛ سواء أكانت تلك العناصر بشريّة أو مادّيّة؛ ولا بدّ من نسبة مهمّة من الإقناع في كلّ وقت وقول وسلوك وموقف؛ ولا شكّ في أنّ هذا ما توافره الثقافة للإعلاميّ في أيّة مسؤوليّة أو مهمّة أو مبادرة، وفي أيّ مجال من مجالات العمل الإعلاميّ، الذي لا يكاد يغفل عن أيّ من أشكال الحياة وسبلها ونشاطاتها.

وإذا كان الأمر كذلك فيما يتّصل بالإعلام عامّة، فإنّ من النافل القول بأهمّيّة الثقافة للإعلام الثقافيّ، المعنيّ بمختلف الشؤون الثقافيّة؛ إدارة ونتاجاً ونشاطاً ومشاركة ومواكبة… لكنّ الواقع الذي يُمارَس، ونعيش، ونعاين، يُظهر الحاجة إلى التذكير بهذا، ويستدعي استمرار الكلام فيه، وتأكيده؛ والمطلوب والمرتجى يحثّان عليه؛ ولا سيّما مع ما يشهده العالم من تطوّر هائل في وسائل الإعلام والاتّصال؛ أرضيّاً وفضائيّاً، مع كثافة المواد المنتجة والمبثوثة والمعروضة، في الفروع الثقافيّة المعروفة والمتوالدة، وازدياد نسب المتلقّين، من مختلف الشرائح الاجتماعيّة، وتشارس المنافسة بين أصحاب القوى والنفوذ الخاصّة والرسميّة، على الوصول إلى الناس والتأثير عليهم، بمختلف الجوانب والتوجّهات؛ ومنها الثقافة؛ إضافة إلى ما تتعرّض له الأخلاق والمبادئ، والثقافة والقيم الثقافيّة، والعادات والسلوكات والقناعات الإنسانيّة للفرد والأسرة والمجتمع، في العصر الراهن، من ضغوطات وتحدّيات واختراقات…

إنّ من الطبيعيّ أن تختلف المادّة الإعلاميّة، التي تتناول مسألة ثقافيّة، عن المادّة السياسيّة أو الاقتصاديّة أو الرياضيّة وسواها، ومن غير المنطقيّ أن يتمّ الحديث عن نشاط ثقافيّ، بشكل آليّ، بعيد عن أيّة حيويّة أو تفاعل، أو أن يُحاوَر أديب معروف، من قِبَلِ من لم يقرأ له أو عنه شيئاً، أو أن تُغطّى مناسبة ثقافيّة؛ مهرجان شعر أو قصّة، أو ملتقى رواية، أو معرض فنّيّ، أو عرض فيلم… وليست للقائم بالتغطية دراية وافية بالشعر وأشكاله وأعلامه، أو القصّة وأنواعها وأبرز كتّابها ونصوصها، والرواية وروّادها وتطوّرها وتسنّمها ناصية الاهتمام بين الأجناس الأدبيّة حاليّاً، أو لا يعرف الحدّ الأدنى من معلومات عن الفنون التشكيليّة، أو ليس مطّلعاً على مسيرة السينما ومهرجاناتها وجوائزها ونجومها…

وليس من المفيد كثيراً لمتلقّ مهتمّ منتظِر، أن تُلقى، في لقاء ثقافيّ موعود، أسئلة عامّة، تتّصل بالسيرة الذاتيّة، وبما نشر، وما يعدّ للنشر، من دون المساءلة والتحليل، واستنباط الأفكار ممّا قيل سابقاً، ويقال حاليّاً؛ من قبل المحاوَر أو سواه من العاملين في الحقل ذاته، أو في ما يقاربه، ويتعالق معه؛ ومن دون التعمّق في الطروحات، والتطرّق إلى المشروعات والتيّارات، والتعريج على المشكلات والمعوقات والمطبّات، التي تحول دون انطلاقة ثقافيّة حقيقيّة، أو تحقيق إنجازات مرموقة محلّيّاً وعالميّاً؛ ومن الضروريّ مناقشة المواقف المتبنّاة، وردود الأفعال عليها، والآثار المنعكسة والمحتملة، والآمال المشروعة…

ومن البدهيّ ألّا يكون كلّ هذا متناوَلاً في لقاء واحد أو حلقة يتيمة، أو مادّة وحيدة، أو برنامج عابر؛ لكنّ الأمر يتوالى، ويتكاثف، ويتكامل، من خلال خطط وبرامج، يضعها مسؤولون مختصّون ومعنيّون بالإعلام الثقافيّ، وعمل مدروس ومتّصل، يتولّاه إعلاميّون ذوو ثقافة مهمّة؛ عن طريق منابر ونوافذ ووسائل وأدوات؛ ضمن مشروع لا ينتهي، ولا يتوقّف على شخص أو شخوص، ولا على مرحلة أو ظرف أو مناسبة؛ ولا سيّما حين لا تكون الأمور طارئة، تستوجب تحرّكاً سريعاً كالفوز في جائزة، أو زيارة، أو وفاة… بل حتّى في مثل هذه الحالات المفاجئة، تظهر أهمّيّة الإعلاميّين المثقّفين، الذين لا يعيشون بعيدين عن الأجواء الثقافيّة، فيعرفون كيف يتعاملون مع المسألة، ومع من يتواصلون، ومن يستضيفون، وعمّا يسألون، ويستفتون، وماذا يضيئون، ويتصرّفون بهدوء ووعي، ولا تؤخذ الأمور بانفعاليّة وعشوائيّة وإثارة، لا تعطي القضيّة ما تستحق، ولا تقدّم فائدة للمتلقّين. وللأسف فإنّ كثيراً من مجريات الواقع المتّصل بالثقافة، يشي بأنّ الإعلام الثقافيّ، يُفاجَأ بمعرض سنويّ، ومهرجان دوريّ، ومسابقة حوليّة، ونشاط مبرمج منذ زمن! وبدلاً من أن يكون الاستعداد مناسباً للمواكبة والمتابعة، والتحضير كافياً لاستثمار ثقافيّ ناجع، وتفاعل منتج، وخلاصات مجدية، نشهد إرباكاً وتكراراً وتسرّعاً لتأدية واجب ثقيل، والخلاص من عبء مضن؛ فيما يخيب القائمون بالجهد الثقافيّ، الذين قد يكونون أمضوا الوقت الطويل في سبيل إنجاز عملهم، حين لا يجدون الجدّيّة المطلوبة في تناول الإعلام الثقافيّ لجهدهم، ولا العمق المعرفيّ المتّصل بنوع العمل الثقافيّ، والثقافة بشكل عام؛ من ثمّ لا يلقون الأصداء المناسبة، والخلاصات المجدية؛ على الرغم ممّا يمكن أن يكون قد بُذل بصدق وإخلاص وتعب مشهود من قبل الإعلام الثقافيّ؛ لكنّ الشحّ الثقافيّ، جعل كثيراً من هذا السعي المحموم من دون نتيجة مهمّة، أو أنّ الفائدة لا تتناسب مع أهمّيّة الحدث، والجهد والكلفة والغاية المرجوّة؛ فقد صحّ العزم وحال الضعف الثقافي دون تحقيق الأهداف والأماني.

ولا بأس من الإشارة إلى أنّ الإعلاميّ الثقافي، هو الإعلاميّ المعنيّ بالقضايا الثقافيّة، والإعلاميّ المثقّف هو أيّ إعلاميّ في أيّ مجال كانت مسؤوليّته، لديه ثقافة مقدّرة، ومن المهمّ والأكثر فائدة أن يكون الإعلاميّ مثقّفاً؛ فكيف إذا ما كان إعلاميّاً ثقافيّاً؟! ومن البدهيّ أنّنا في أمسّ الحاجة إلى هذا الإعلاميّ الثقافيّ المثقّف؛ ولعلّ الأفضل والأجدى أن يكون الإعلاميّ المهتمّ بالمسائل الثقافيّة ذا هاجس حقيقيّ بالثقافة، فسيكون عمله متكاملاً ما بين الرغبة والمهمّة والهاجس والمهنة والواجب والمسؤوليّة، التي تتجاوز ما هو مطلوب منه خارجيّاً، إلى ما منبعه شخصيّ ذاتيّ توّاق، وتتماهى معه المصلحة الفرديّة الخاصّة مع ما هو جمعيّ عام.

وهناك نوع آخر من العمل الإعلاميّ العام، والإعلام الثقافيّ، يتّصل بالإعلام الذاتيّ، الذي باتت نسبة كبيرة من الناس تقوم به، مع توافر الشابكة (الانترنيت)، لكنّ هذا الفعل في غالبيّته، لا يخرج عن كونه عروضاً كثيفة للصور في أشكال وأوضاع شتّى، مع عبارات تجميليّة وتمجيديّة مجانيّة، ومبالغات في التوصيفات والتقييمات للأشخاص والموضوعات، لا يمكن الوقوف عندها، ولا الركون إليها؛ وهنا نعود إلى أهمّيّة ما طرحناه، ونطرحه دائماً، من أهمّيّة الثقافة لكلّ شخص؛ فها قد غدا كلّ شخص إعلاميّاً؛ مصوِّراً ومغطّياً ومحلّلاً ومقوّماً، ومن دون أن ننسى الجوانب الإيجابيّة لهذا الأمر الذي غدا متاحاً للجميع؛ لجهة الحرّيّة في الظهور والتعبير، والقدرة على النشر والتعميم على أوسع نطاق، وتعويض التجاهل الإعلاميّ المقصود أو غير المقصود؛ فإنّ من الخطورة بمكان أن يكون هذا العمل الإعلاميّ الذاتيّ بلا مسؤوليّة أخلاقيّة ومهنيّة وإنسانيّة.

(موقع اخبار سورية الوطن-1)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بيونسيه تحرز أول جائزة غرامي لألبوم العام في مسيرتها الفنية

في ليلة مميزة من حفل توزيع جوائز غرامي، حققت المغنية الأمريكية الشهيرة بيونسيه إنجازًا فنيًا جديدًا في مسيرتها، بعدما فازت بأرفع جائزة في الحفل، جائزة ...