آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » اتحاد الصحفيين .. رؤية من الداخل .!

اتحاد الصحفيين .. رؤية من الداخل .!

 

 

• يونس خلف

 

 

تجاوزت رحلتي مع الكتابة والعمل الصحفي ٤٠ عاماً ، أغلب سنوات خدمتي كانت في صحيفة الثورة إضافة إلى وسائل إعلامية أخرى في الإذاعة أو المركز التلفزيوني بالحسكة أو الكتابة في بعض الصحف والمجلات العربية والمواقع الإعلامية المرخصة إلى أن تفرغت لمهمة أمين السر العام لاتحاد الصحفيين ورئيس تحرير الموقع الرسمي للاتحاد .

ظروف العمل الصعبة والحياة المعيشية الأصعب ومستوى الانحدار الذي وصل إليه المناخ الصحفي ، كل ذلك لم يؤثر على استمراري في الكتابة وعشقي للصحافة ، وأكثر من ذلك لم تضعف إرادتي أيضا من أصحاب الشأن والقرار في النظام البائد الذين أخلوا بالتزاماتهم وبواجباتهم اتجاه الصحافة والصحفيين .

أكثر ما يؤلم وما كنا نتحدث عنه هو الإحساس بمحاربة الكفاءات من الداخل الناجم عن فقدان البوصلة الإدارية والأخلاقية والقيمية .

معاناتنا الأساسية كانت مع الحكومة ففي جميع اللقاءات التي جمعت المكتب التنفيذي للاتحاد مع رؤساء الحكومات المتعاقبة بقيت دون نتائج و لم يتم تحقيق أي طلب من طلبات الاتحاد المتعلقة بالصحفيين والمثال الأبرز طبيعة عمل الصحفيين التي تم حرمانهم منها ظلماً منذ صدور قانون العمل الأساسي عام ٢٠٠٤ بسبب التفسيرات الخاطئة .

جميع المراسلات والمذكرات والاقتراحات التي رفُعت لرؤساء الحكومات بعد المقابلات التي جرت معهم ذيلت بعبارة واحدة هي (للتريث).

كان الاتحاد يريد جواباً محدداً من رئاسة الحكومة يبين هل لنا حق أم لا . لكن لا جواب ولا اهتمام لا بل لا أحد يفكر بنا أو يتذكرنا حتى في مؤتمراتنا السنوية والانتخابية .

أولى الحقائق التي يجب أن نعترف بها هزيمتنا وفشلنا في تحقيق إعلام مؤثر، ، و صوت مرتفع للإعلام تحت سقف الوطن .

لذلك بقي إعلامنا جسد بلا روح .

وبقي يحتاج إلى عملية تنظيف من الفساد والترهل . وبقيت مطالب الصحفيين ( للتريث ) .

واليوم بحل المؤتمر العام ومجلس الاتحاد والمكتب التنفيذي يٌختطف الجسد أيضا بعد أن كانت الروح مختطفة من قبل النظام البائد .

لم تنقص المكاتب التنفيذية المتعاقبة لاتحاد الصحفيين منذ تأسيسه الخبرة لكن معظمهم انشغل منذ البدايات بازدواجية المهام والامتيازات ولم يتم تأسيس قاعدة متينة للاتحاد وبقي أسيراً للحكومة والنظام البائد كما بقي بلا مقر ولا استثمارات ولا الحد الأدنى من أدوات العمل الضرورية . إلى درجة أننا لم نستطع استضافة اي وفد إعلامي عربي أو أجنبي وأيضا عدم تلبية دعوة أي نقابة عربية أو أجنبية إلا إذا كانت نفقات السفر على حساب صاحب الدعوة . لا بل لم يتمكن المكتب التنفيذي من حضور مؤتمرات فروع الاتحاد السنوية في المحافظات التي تعقد مرة واحدة بالسنة لعجز الاتحاد عن تغطية نفقات التنقل والإقامة والمهمات . طيلة وجودنا لدورتين متتاليتين في الاتحاد أتيح لنا لمرة واحدة لقاء الرئيس المخلوع بعد أكثر من مراسلة لعل وعسى نتجاوز التريث وكل عوامل الإعاقة للإعلام والإعلاميين وعندما حصل اللقاء كان السؤال الذي افتتح به رئيس النظام السابق الاجتماع مع المكتب التنفيذي هو سؤال العارف بواقع الحال عندما قال لنا : هل يوجد أفقر من اتحاد الصحفيين .؟

كنا نتوهم لعل وعسى يكون اللقاء مع رأس الهرم هو الأمل في تجاوز العوائق التي تعترض مشاريعنا الاستثمارية واستعادة الكثير من الحقوق الضائعة للصحفيين وبعد ذلك ننطلق إلى العمل لكن مضت الأيام وبقي التريث سيد الموقف وكأن المطلوب أن تبقى الصحافة لحكومة النظام وليس للدولة وأن المطلوب الطاعة بدل النقد والمجاملة بدل المواجهة . وبقي اتحاد الصحفيين أفقر كائن في سورية .

يشهد الزملاء رئيس وأعضاء المكتب التنفيذي ووزير الإعلام انذاك الدكتور بطرس الحلاق الذين كانوا في اللقاء مع الرئيس الفار أنني اخترقت تعليمات مراسم الرئاسة بعدم الخروج عن نص الاجتماع فقد أبلغونا مسبقاً أنه يقتصر على مناقشة الهموم والمتطلبات الواردة في المذكرة المرفوعة من المكتب التنفيذي حصراً .

قلت له : لطالما يلوح البعض بفزاعة الخطوط الحمراء وأن التعليمات من فوق ولايجوز لأحد مناقشتها إلا أنني أريد أن أستقوي بوجودي هنا و أنقل أمانة من كل صحفي سوري يعاني من غياب الأسس والمعايير في تعيين قيادات المؤسسات الإعلامية وأن هذه التعيينات تتم وفقاً للمحسوبيات والولاءات الشخصية وليس الكفاءات . ومن ليس له أحد يقدمه لامكان له حتى مكانه المناسب . والأمر الآخر هو الوضع المعيشي السيء للصحفي السوري الذي لا يستطيع أن يعمل غير بمهنة الصحافة . كما أن قانون الجريمة الإلكترونية يلاحق الصحفي ويهدده بالحبس كلما نشر مقالاً ناقداً أو عبر عن رأيه .

وختمت مداخلتي بالقول : بما إنني من الحسكة فقد نفذ صبر أهلنا فيها والمزاج العام بعد الإهمال المتراكم لهذه المحافظة هو فقدان الثقة بالحكومة والدولة .

في الوقت الذي كنت جاهزاً لتقديم أمثلة وأسماء وتواريخ تثبت صحة كلامي فيما لو طُلب مني ذلك أو كحد أدنى كنت أتوقع أن يعترض وزير الإعلام على كلامي حول التعيينات بالمحسوبيات والولاءات الشخصية إلا إن ذلك لم يحصل نهائياً ، فكان جواب الرئيس الهارب حرفياً : ليس في الصحافة فقط وإنما كل مؤسسات الدولة لا يوجد فيها معايير .

وأذكر أن الزميل محمد الخضر سأله عن غياب الناطق الرسمي و المعاناة من عدم وجود مصدر رسمي للمعلومة فأجاب : لقد فشلنا في إيجاد الناطق الرسمي بما في ذلك تكليف ناطق باسم رئاسة مجلس الوزراء وناطق في وزارة الخارجية . وأنهى اللقاء بنفس طريقة (أنتم تُكثرون من الأسئلة .. أو هل جئتم لتناول المرطبات . ) .

بالعودة إلى اتحاد الصحفيين

كنا نتسابق في المكتب التنفيذي لخدمة الزملاء أعضاء الاتحاد وفق الممكن والمتاح ونتقبل كل حملات النقد و أحيانا التشهير والهجوم من البعض بذريعة أننا لا نحقق لهم مكاسب ولا نستطيع زيادة رواتب المتقاعدين ولا طبيعة العمل وكنا نتحمل ذلك لأننا ندرك أحقية مطالبهم أولاً ولأننا نحرص على توسيع دائرة الحياة الديمقراطية والتعبير عن الرأي لا سيما أنه بالمقابل كان الصحفي محارباً ومحروماً من ذلك عبر قانون الجريمة الإلكترونية والملاحقة من قبل الأمن الجنائي عن أي بوست فيه انتقاد أو تعبير عن رأي يخالف سياسة النظام بذريعة النيل من عزيمة الأمة أو إهانة الوظيفة العامة …

واليوم مع انتهاء مهمتنا وفقاً لقرار السيد رئيس مجلس الوزراء نودع مرحلة عمل لكننا لن نودع المناخ الإعلامي و اتحاد الصحفيين لأننا لا نستطيع التنفس إلا من جسده وإن كانت روحه قد أُزهقت منذ تأسيسه وبقي أفقر الاتحادات والمنظمات والمؤسسات في سورية . ومن موقعي السابق أمين السر العام للاتحاد أقول للزملاء الذين عملت معهم سواء في المؤتمر العام أو مجلس الاتحاد وأيضاً أعضاء الاتحاد من عاملين ومتمرنين ومشاركين أقول وأكرر ما كنت أقوله في مداخلاتي و مقالاتي وهي منشورة في الصحف والمواقع أننا نعترف بهزيمتنا لكن كلمة السر في تحسين واقع الاتحاد والإعلام والإعلاميين لم تكن بيدنا وإنما الخلل كان من الداخل وما كان يحدث كان هو المطلوب كي لا يرتفع صوت ولا يتجرأ صحفي على فضح المستور . والارشيف يدلل أن هناك من كان يحاول المواجهة لكن هل تستطيع العين مقاومة المخرز فكم من الشرفاء الذين فقدوا عيونهم وكان الخوف أن يصبح الجميع عميان .

اليوم ثمة أسئلة من بعض الزملاء لماذا تم حل المؤتمر العام والمكتب التنفيذي .وكيف تم ذلك وهل يتوافق مع الأنظمة والقوانين.

نعم القانون يتيح لرئيس مجلس الوزراء ذلك . لكن تعيين مكتب مؤقت يتطلب توفر شروط العضوية في الاتحاد وشروط عضوية المجلس والمكتب وأيضا عدد سنوات العضوية وقبل ذلك كله أن يكون أعضاء المكتب من جسم الاتحاد وليس من خارجه . وأعتقد أن المهم هنا ليس من الذي جاء ومن الذي ذهب وإنما اللافت هو استبعاد كل أعضاء الاتحاد ممن تتوافر فيهم الشروط الذين يتجاوز عددهم نحو ٣٠٠٠ زميلا وزميلة . وكان من المتوقع والممكن مشاركة بعضهم . فهل كلهم من فلول النظام وضد الثورة والادارة الجديدة .؟

ليت من يهمه الامر يدقق ويستقصي لعله يعرف بكل سهولة أن هناك من بين الصحفيين من أعضاء الاتحاد ومن خارجه من كانت روحه على كفه يوميا وهو ينتقد ويرفع الصوت لكن ضمن الحدود الممكنة تجنباً للعواقب السيئة .

اجتهدنا ولم نطلب من أحد أجراً كما هو الحال الآن لسنا طلاب مهمات ومناصب جديدة . ولسنا بحاجة لتقديم وثيقة براءة من كل الجرائم والممارسات المرتكبة من قبل النظام البائد لأننا نعرف كما يعرف كل الشرفاء أن هناك من لم يستطع رفع الظلم عن أحد لكن المهم أنه لم يشارك في الظلم .

أخيراً ..

اتحاد الصحفيين يبقى بيتنا الداخلي مع الأمنيات الصادقة بالتوفيق والنجاح لمن سيقود عمل الاتحاد في المرحلة الجديدة ويستطيع أن يحسن الأوضاع السيئة للصحفيين كي يرفع الصحفي السوري رأسه عالياً ولا يرتطم بسقف الوطن . ويبقى المهم والأغلى والأسمى سورية وأن تكون للسوريين كلهم .

الكاتب:أمين السر العام السابق لاتحاد الصحافيين السوريين

(أخبار سوريا الوطن١-صفحة الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المزيد من الحوار مدخل لتحقيق المزيد من الاستقرار  

  عبد اللطيف شعبان     جاء في البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري العام الذي انعقد في دمشق قبل أيام، العديد من الفقرات الهامة ...