آخر الأخبار
الرئيسية » مواهب أدبية وخواطر » الدريكيش:نامي بحفظ الله ايتها الجميلة

الدريكيش:نامي بحفظ الله ايتها الجميلة

 

اميرة جعفوري

الدريكيش ، مدينتي الجميلة الوادعة المستلقية على سفح جبل، راخية بضفائرها الجميلة لتداعبها نسمات الهواء العليل ، و سارحة باحلامها عبر البحر المتماوج أمام عينيها ،
مدينتي ، مدينة السياحة و المياه والحرير ، من لا يعرفها من الشعب السوري !!!
من لم يقصدها بأشهر الصيف اللطيف، ليستمتع بسحرها الاخضر وهوائها العليل وينابيعها المعدنية الدافقة، والاكثر من ذلك بلطف وكرم وكياسة اهلها المميزين .
في أشهر الصيف الثلاث واحيانا الأربع ، يتدفق السياح إلى مدينتي من كل مدن سوريا، واحيانا من لبنان والأردن , يأتون إليها بكل ألوانهم و أطيافهم ،أرمن ،عرب ،شركس ،كرد ، حتى هنالك عائلات من يهود الشام كانوا يقصدونها قبل مغادرتهم سوريا ،
وحين لاتتسع الفنادق لهم ، كان الأهالي يستقبلونهم في بيوتهم، ويشاطرونهم سكنهم وطعامهم وسهرياتهم ومشاويرهم المسائية على كورنيش الدريكيش الجميل .
عندما كانت تنتهي المدرسة، كنا نقف على الشرفات ننتظر وفود السائحين القادمين و الذين كنا نعرف أغلبهم عن ظهر قلب ، فلطالما كنا نتسامر معا ، ونحكي لبعضنا كل ما فاتنا خلال الأشهر الماضية .
كانت الطوائف والمذاهب المختلفة تشكل فيها فسيفساء جميلة متداخلة ، نأخذ منها ونعطي فنغتني جميعا .
العشاء المتعدد الأطياف ، كنا نتناوله سويا على الشرفات و الأسطح ، وسط الهواء العليل وتحت النجوم الساحرة ومع اغاني سينما ابو احمد الشهيرة، ( ميل يا غزيل ، بتندم وحياة عيوني بتندم ،وبرهوم حاكينا .)
كنا نبكي جميعنا يوم الوداع حين ينتهي الصيف ونستعد للعودة إلى المدارس، وكنا نتعاهد على كتابة الرسائل لبعضنا على مدار السنة .
طبعا في فصل الشتاء ، كانت الدريكيش تستعد لاستقبال زوار من طرز آخر ، أنهم الطلاب القادمون من القرى المجاورة والذين لا توجد في قراهم مدارس إعدادية أو ثانوية ، وهؤلاء أيضا كنا نتقاسم معهم الرغيف والكتاب والمسطرة .
كان كل واحد فينا معجبا بالآخر ويحاول اقتباس ما ينقصه منه ، لغة الفوقية والشوفينية والتعالي لم نعرفها في تلك الحقبة، فما بالكم بلغة الشتائم والتكفير والظلامية والتهديد والوعيد .
هذه الليلة دخلت مجموعة ظلامية مدينتي المسالمة ، وراحت تطلق النار عشوائيا وتردد عبارات التكفير والتكبير في الشوارع فأثارت ذعر الناس وخشيتهم ،والحمدلله أن قوى الأمن نجحت بالتصدي لهم ، لكن ماذا لو عادوا اليوم مع تعزيزات وأسلحة ونجحوا في مقاصدهم.؟
ارجوكم اتركوا فسحة من الجمال في هذا البلد ، اتركوا واحة من التعايش المشترك تقصدونها ولو بمخيلتكم وسط هذا الخراب .
رحمك الله يا امي ويا ابي ،لقد غادرتما قبل أن يتلوث حلمكما الجميل بالمحبة والتآخي والتماهي بين أطياف المجتمع السوري.
الدريكيش مدينتي الحبيبة ،
نامي بحفظ الله ايتها الجميلة .

 

 

 

(اخبار سوريا الوطن 2-صفحة الكاتبة)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل سنلتقي ثانية ..؟

  د.ريم حرفوش نحرر مشاعرنا من الزنزانة الانفرادية .. كلّما حاصرنا العجز وكبّل منا النبض والخطوات .. نعود أدراجنا إلى نقطة الصفر .. العودة للوراء ...