آخر الأخبار
الرئيسية » أخبار الميدان » الدلالات والاتجاهات للدعم التسليحي الأميركي لتايوان

الدلالات والاتجاهات للدعم التسليحي الأميركي لتايوان

| محمد منصور

الصفقة التسليحية الأخيرة، بين تايوان والولايات المتحدة الأميركية، تحمل ملامح رهان أميركي مستمر منذ فترة على تعزيز القدرات الجوية التايوانية.

في ظل استمرار القتال في الجبهات الأوكرانية الجنوبية والشرقية، تستمر حالة “التوتر المكتوم” في التصاعد في نطاق بحر الصين الجنوبي، وتحديداً في محيط جزيرة تايوان. هذه الحالة لم تتزايد حدتها فقط بسبب الاتهامات الأميركية المتكررة للصين بدعم الجيش الروسي، تسليحياً في أوكرانيا، وتحذير وزارة الدفاع التايوانية مؤخراً من احتمال “تحرك صيني مفاجئ” ضد الأراضي التايوانية، بل أيضاً بسبب استمرار الخطوات الأميركية السياسية والميدانية، والتي ترى بكين فيها استفزازاً لها، في عدّة مستويات، وآخرها استقبال ولاية كاليفورنيا الأميركية رئيسة تايوان تساي إنغ – وين، وقبله تنفيذ مجموعة حاملة الطائرات الأميركية “نيميتز” سلسلة من التدريبات المشتركة في بحر الصين الجنوبي، الشهر الجاري.

الجانب المتعلق بالتسليح في هذه المواجهة يبقى محتفظاً بأهمية خاصة، فلقد تشكلت، خلال الأعوام الأخيرة، ملامح سباق تسلح نوعي في المحيط الإقليمي لبحر الصين الجنوبي، انخرط فيه حتى الآن عدد من الدول، التي ظل بعضها، طوال عقود، خاضعاً لقيود داخلية وخارجية تتعلق بحجم التسليح ونوعه، مثل اليابان مثلاً.

تبقى تايوان في هذا الإطار بمثابة حالة شديدة الخصوصية، بحكم قربها الشديد على المستوى الجغرافي من الأراضي الصينية، واستمرار حالة التوجس المستمرة من جانب السلطات التايوانية من النيّات – المعلنة أحياناً – من جانب جمهورية الصين الشعبية، لإعادة ضم تايوان، التي تُعرف أيضاً باسم “جمهورية الصين” أو “تايبيه الصينية”.

علاقات الأخيرة بالولايات المتحدة الأميركية، في كلّ المستويات، وفي المستوى العسكري بصورة خاصة، كانت دوماً مبعثاً للتوتر بين بكين وواشنطن، بحيث ترى الصين في هذه العلاقات تدخلاً أميركياً سلبياً في المجال الحيوي الصيني، في حين تحاول أميركا انتهاز الفرص المتاحة للحيلولة دون تحرك صيني متوقع لفرض أمر واقع جديد في تايوان. بطبيعة الحال، تزايدت خلال الأعوام الأخيرة مخاوف تايبيه وواشنطن من إمكان حدوث هذا الأمر، وخصوصاً بعد العملية الخاطفة التي استعادت فيها موسكو شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، ثم “الوثبة العسكرية” الحالية للجيش الروسي في جنوبي أوكرانيا وشرقيها، والتي تضمنت ضم 4 أقاليم أوكرانية إلى الاتحاد الروسي.

من هذا المنطلق، يمكن فهم انعكاس التغيرات الحادثة حالياً في شرقي أوروبا على الوضع في النطاق التايواني، وهي لا تقتصر فقط على تعزيز فرضية “الهجوم الصيني المرتقب” على الجزيرة، بل تشمل أيضاً ملف التسليح الأميركي للجيش التايواني، بحيث شاب هذا الملف تضاربٌ واضح في التوجهات، بين رغبة أميركية وتايوانية في توسيع الهامش النوعي فيما يتم تقديمه من أسلحة إلى تايبيه، وبين معوّقات لوجستية وأخرى استراتيجية لتحقيق هذا الهدف، تتراوح بين الخشية من استفزاز بكين، وعدم القدرة على توريد أنواع معينة من الأسلحة، بسبب حاجة الجيش الأوكراني إليها في التوقيت الحالي.

صفقة أميركية جديدة لسلاح الجو التايواني

في ضوء هذا الوضع، جاء إعلان وزارة الدفاع الأميركية، أوائل الشهر الجاري، بشأن مصادقتها على صفقة لبيع ذخائر جوية لمصلحة سلاح الجو التايواني، بقيمة 619 مليون دولار، تشمل نحو 100 صاروخ مضاد للإشعاع الراداري، من نوع “AGM-88B”، المعروف باسم “هارم”، و200 صاروخ للاشتباك الجوي متوسط المدى، من نوع “AIM-120C”، والمعروف باسم “إمرام”، إلى جانب أنظمة قتالية أخرى، تشمل صواريخ للتدريب الجوي.

من حيث الشكل، تُعَدّ هذه الصفقة التاسعة من نوعها في عهد الإدارة الأميركية الحالية. أمّا على مستوى المضمون، فعلى الرغم من أن عدد الصواريخ، الذي تتضمنه الصفقة، ليس كبيراً، لكن على المستوى النوعي يمكن ملاحظة نقطة مهمة، تتعلق بحقيقة، مفادها أن صواريخ “هارم” وصواريخ “إمرام” تُعَدّ من أنواع الصواريخ الجوية التي تتزود بها حالياً أوكرانيا. فالنوع الأول، الذي يتخصص بعمليات إحباط الدفاعات الجوية المعادية، التي تُعرف باسم “SEAD”، زودت به الولايات المتحدة الأميركية سلاح الجو الأوكراني بداية من آب/أغسطس الماضي، وتم دمجه بنجاح في المقاتلات الأوكرانية ذات المنشأ الشرقي، مثل “ميغ-29” و”سوخوي-27″، في حين تزودت أوكرانيا بالنوع الثاني من دول مثل بلجيكا والمملكة المتحدة، لكن كانت النسخة، التي حصلت عليها من هذا النوع، هي النسخة المطلقة من الأرض، وتحديداً تلك الخاصة بمنظومات الدفاع الجوي متوسطة المدى، “ناسامز”، والتي تصنعها بصورة مشتركة النرويج والولايات المتحدة الأميركية، وتم تزويد الجيش الأوكراني بها للمرة الأولى في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

اللافت للنظر، في هذا الصدد، هو حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة الأميركية شرعت، في هذا التوقيت، في تزويد الجيش التايواني بكِلا النوعين، على رغم أن الجيش الأوكراني سيحتاج، بصورة قاطعة، إلى هذه الصواريخ في المدى المنظور، ناهيك بأن الصفقة الأولى، التي تم إعلانها بين واشنطن وتايبيه، خلال حقبة الإدارة الأميركية الحالية، والتي تم إعلانها في آب/أغسطس 2021، بقيمة 750 مليون دولار، تم إلغاؤها لاحقاً بسبب حاجة الجيش الأوكراني إلى ما تضمنته هذه الصفقة من أسلحة، وعلى رأسها نحو 40 مدفع هاوتزر ذاتي الحركة من نوع “M-109″، النسخة “A6-Paladin”، ونحو 1700 حزمة توجيه بالأقمار الاصطناعية خاصة بذخائر هذه المدافع.

ما سبق يطرح، بصورة كبيرة، تساؤلات بشأن دلالات التوقيت والمضمون للصفقة العسكرية التي تم إعلانها منذ أيام بين الولايات المتحدة وتايوان.

الصفقات العسكرية الأميركية لتايوان مبعث غضب دائم لبكين

تعمل الولايات المتحدة الأميركية منذ إقرار قانون “العلاقات بتايوان” عام 1979، على تزويد تايبيه بأسلحة دفاعية، تمكّنها من امتلاك قدرات كافية للدفاع عن أراضيها، وهو ما كان سبباً أساسياً في تجدد الجدل والتوتر بصورة شبه دورية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، مع كل إعلان بشأن توقيع صفقات عسكرية جديدة لمصلحة تايوان.

بات ملحوظاً أن الولايات المتحدة، بين الفينة والأخرى، تقوم بتسريب معلومات إلى الصحافة بشأن تفاصيل صفقات عسكرية محتملة بينها وبين تايوان، وذلك قبل أشهر من التوقيع الفعلي على هذه الصفقات، وفي بعض الأحيان يتم تأجيل عقدها، أو حتى تجميدها.

خلال حقبة الإدارة الأميركية السابقة، كان هذا النهج ملحوظاً بصورة كبيرة. ومن الأمثلة على ذلك، الإعلان في أيلول/سبتمبر 2020، احتمال توقيع تايبيه وواشنطن 7 صفقات تسليحية كبيرة، تشمل شراء الطائرات الهجومية المسيّرة “MQ-9 Reaper”، وهو ما لم يتم تنفيذه فعلياً، بحيث لم يتم توقيع سوى 3 عقود فقط، بلغت قيمتها الإجمالية 7 مليارات دولار.

لم تتضمن هذه الصفقات طائرات مقاتلة من دون طيار، لكنها حملت ملامح نوعية مهمة، يمكن من خلالها اعتبار هذه الصفقات بمثابة نقطة تحول أساسية في ذهنية واشنطن لتسليح تايوان، بحيث يغلب الطابع الهجومي على معظم المنظومات التي تسلمتها تايبيه منذ ذلك التاريخ. كما أن هذه الذهنية تضمنت ايضاً توسيع قاعدة الخيارات الهجومية لتصبح شاملة للوسائط البرية والجوية والبحرية. صفقات هذه الفترة لوحظ فيها تركيز واشنطن على رفع وتيرة التسليح الجوي التايواني، بحيث شملت الصفقات الثلاث نحو 50 صاروخاً مضادّاً للإشعاع من نوع “هارم”، إلى جانب صاروخ يُعَدّ من أهم الصواريخ التي نقلت التسليح الجوي التايواني إلى مستويات نوعية، وهو الصاروخ الجوال “AGM-85H”، بحيث تضمنت هذه الصفقات حصول الجيش التايواني على 135 صاروخاً من هذا النوع، أعطت القوة الجوية التايوانية القدرة على الاستهداف الدقيق لمواقع محددة داخل الأراضي الصينية، من دون الاضطرار إلى الوجود الفعلي في المجال الجوي الصيني، بحيث يبلغ مدى الصاروخ الواحد من هذا النوع بين 270 و300 كيلومتر، وهي قدرة لم تكن متوافرة سابقاً لسلاح الجو التايواني.

عام 2020 شهد أيضاً تطوراً مهماً فيما يتعلق بسلاح الجو التايواني، تمثل بالإعلان، في شهر آب/أغسطس، بصورة رسمية، تعاقده مع الولايات المتحدة الأميركية على شراء 66 مقاتلة من نوع “F-16″، من النسخة الأحدث المسماة “BLOCK-70 VIBER”، وهي صفقة، وإن كان تم إعلانها عام 2020، فإن التوقيع عليها عملياً كان عام 2019.

بلغت قيمة هذه الصفقة الإجمالية نحو 62 مليار دولار، وتم في موازاتها توقيع اتفاقية أخرى لتحديث الأسطول العامل في سلاح الجو التايواني من مقاتلات “F-16″، والذي يبلغ 142 مقاتلة، بقيمة تصل إلى 5 مليارات دولار، ضمن برنامج لتحديث هذه المقاتلات تمت تسميته “Phoenix Rising”، يشمل تغيير الرادارات الخاصة بالمقاتلات العاملة في الخدمة ليصبح من فئة رادارات مصفوفة المسح الإلكتروني النشط “AESA”. ودخلت أولى الطائرات المحدثة في الخدمة مرة أخرى في سلاح الجو التايواني في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، علماً بأن تايبيه تمارس منذ فترة ضغوطاً جدية على واشنطن كي تسرع تسليمها المقاتلات الـ 66 الجديدة، بحيث كان من المفترض أن تتسلم أول دفعة من هذه المقاتلات العام الجاري، لكن يتوقع أن تتأخر عمليات التسليم نتيجة للتعقيدات المالية واللوجيستية، والتي نتجت من الحرب في أوكرانيا، ومن قبلها جائحة كورونا.

صفقات عام 2020 تضمنت أيضاً تزود الجيش التايواني للمرة الأولى بـ 11 قاذفة لمنظومة الصواريخ التكتيكية “HIMARS”، وهو ما وفر للقوة البرية التايوانية القدرة على استهداف الأراضي الصينية، وخصوصاً أنه تبين لاحقاً مدى نجاعة هذه المنظومة الصاروخية خلال المعارك في أوكرانيا. وبالتالي، كانت هذه الصفقات بمثابة “توسيع للخيارات” الهجومية المتاحة للجيش التايواني.

شهد العام التالي – 2021 – تطوراً مهماً في المستوى البحري، يتعلق بدخول النسخة الساحلية من الصواريخ المضادة للقطع البحرية “Harpoon” ضمن القدرات المتوافرة لدى جيش تايوان فيما يتعلق بالدفاع البحري والدفاع الساحلي.

امتلكت تايوان منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، صواريخ “Harpoon” البحرية، في نسختين: الأولى كانت مخصصة للإطلاق من على متن القطع البحرية، والأخرى كانت مخصصة للعمل من على متن مقاتلات “F-16″، لكن النقلة النوعية تمثلت في امتلاكها، في أيلول/سبتمبر 2021، منظومات “HCDS” المخصصة لإطلاق صواريخ “Harpoon” من الساحل نحو القطع البحرية المعادية، وهو ما مثل إكمالاً لمنظومة الدفاع الساحلية التايوانية، وخصوصاً في ظل بدء مقاتلات سلاح الجو التايواني، منذ منتصف عام 2019، تسيير دوريات جوية حاملة لهذا النوع من الصواريخ.

جدير بالذكر أن تايوان تلقت دفعة جديدة من الصواريخ الخاصة بالنسخة البرية من منظومة “Harpoon” العام الماضي، ضمن صفقة بلغت قيمتها الإجمالية 355 مليون دولار، تضمنت 60 صاروخاً من هذا النوع، و100 صاروخ للاشتباك الجوي قصير المدى، تم توقيعها بعد شهر واحد من الزيارة التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لتايوان.

يعتمد التكتيك العسكري لوحدات الدفاع الجوي التايواني على استخدام سلاح الجو ووحدات الدفاع الجوي، في آن واحد، للتصدي للتهديدات الجوية المعادية، وخصوصاً أن الاختراقات الجوية التي تنفذها طائرات سلاح الجو الصيني لمنطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية تزايدت وتيرتها منذ عام 2020.

وعلى الرغم من الاهتمام المكثف من جانب تايبيه بسلاح الجو، فإن وحدات الدفاع الجوي نالها نصيب من الصفقات العسكرية بينها وبين واشنطن. ففي كانون الثاني/يناير من العام الماضي، أعلنت وزارة الدفاع التايوانية عزمها، خلال الأعوام المقبلة، شراء بطاريات إضافية من منظومة الدفاع الجوي الأميركية “Patriot PAC-3″، لتنضم إلى 7 بطاريات من هذه المنظومة، حصلت عليها بين عامي 2010 و2015.

كذلك، حصلت تايوان بين عامي 1998 و2020 على دفعات متعددة من الصواريخ المحمولة على الكتف المضادة للطائرات “Stinger”، وما زالت تنتظر تسلم كميات إضافية منها.

هنا، يظهر مرة أخرى تأثير الحرب في أوكرانيا في الإمدادات العسكرية الخاصة بتايوان، بحيث تأخّرت الولايات المتحدة في تنفيذ صفقة تم توقيعها عام 2019 لبيع 250 صاروخاً من هذا النوع لتايوان، وتزايدت وطأة هذا التأخير نتيجة بدء العمليات في أوكرانيا، واضطرار الولايات المتحدة لإرسال كميات من هذه الصواريخ إلى الجيش الأوكراني.

يمكن أيضاً تطبيق هذا الوضع نفسه على بطاريات “Patriot”، التي لا يتوقع أن يتم تلبية طلبات تايوان بشأنها في المدى المنظور، نتيجة الأسباب نفسها السالف ذكرها.

خيارات تايوان لسد “الفجوة الاستراتيجية”

عملت تايبيه – مثلها في ذلك مثل اليابان وكوريا الجنوبية – على التوسيع التدريجي لقدراتها الصناعية في المستوى العسكري، بهدف سد الثُّغَر التسليحية الناتجة من عدم قدرتها في بعض الأحيان على الحصول على الأنظمة النوعية، التي تحتاج إليها من الولايات المتحدة الأميركية، نتيجة حسابات جيوسياسية واستراتيجية معينة تحكم العلاقة بين واشنطن وبكين.

هذا الواقع، الذي اتَّسمت به البيئة الاستراتيجية المحيطة بتايوان، دفع تايبيه إلى العمل على التصنيع المحلي لبعض المنظومات العسكرية التي تحتاج إليها من أجل سد النقص في تسليح قواتها المسلحة، وخصوصاً فيما يتعلق بالدفاع الجوي، وكذلك العمل قدر الإمكان على امتلاك قدرات صاروخية تسمح للجيش التايواني بتقليص الفوارق الكمية والنوعية بين تسليحه والقدرات العسكرية الصينية.

هذه الاستراتيجية عملت تايبيه على تطويرها بصورة دورية، من خلال مراجعة دفاعية يتم اجراؤها بوتيرة دورية كل 4 أعوام، منذ عام 2009. ومن خلالها اتضح لصانع القرار في تايبيه أن تايوان أصبحت، على مدار العقود الماضية، مقيَّدة بعدة قيود فيما يتعلق بتسليحها، أهمها حقيقة مفادها أنها تعتمد، بصورة شبه كاملة، على واشنطن لتلبية متطلباتها فيما يتعلق بهذا الأمر، وهي استجابة تكون بصورة رئيسة متعلقة فقط بالأسلحة الدفاعية، إلى جانب أن معظم الدول الرئيسة في مجال تطوير التقنيات القتالية، تتفادى عرض منتوجاتها على تايوان منعاً لاستفزاز بكين.

هذا الواقع اتضح بصورة أكبر للعلن عام 2020، بعد أن تم الكشف عن وثائق تتحدث عن التعهدات التي قدمتها إدارة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان إلى الصين في سياق البيان المشترك، الذي أعلنه الجانبان في آب/أغسطس 1982، وكان مفادها أن نوعية الأسلحة التي سيتم تصديرها من الولايات المتحدة إلى تايوان لن تكون هجومية، بل ستقتصر على المنظومات الدفاعية فقط، إلى جانب التزام الولايات المتحدة عدم تعدي أحجام الصفقات التي يتم توقيعها مع تايوان.

لذا، استثمرت تايبيه بصورة مكثَّفة في برنامجها للصواريخ الجوالة، والذي بدأ في ثمانينيات القرن الماضي، وحاولت خلال الأعوام الأخيرة توسيع هامش المناورة المتاح لها فيما يتعلق بالقوة الصاروخية. وكانت محاولاتها هذه تسير في مسارين: الأول حاولت فيه الضغط على الولايات المتحدة الأميركية كي تزودها بصواريخ جوالة بعيدة المدى، مثل صواريخ “AGM-158″، التي تنتجها شركة “لوكهيد مارتن” الأميركية، وطلبتها تايوان رسمياً من واشنطن في تشرين الأول/أكتوبر 2021، وخصصت من أجل ذلك نحو مليار دولار، لكن لم تتجاوب واشنطن مع هذا الطلب.

أمّا المسار الثاني، فكان يستهدف زيادة مدى القدرات الصاروخية المتوافرة لدى تايوان، عن طريق التصنيع المحلي، وهو ما أسفر عن تطوير نوعين من أنواع الصواريخ الجوالة، إحداهما هو الصاروخ الجوال “Wan-Chien”، الذي بدأ تطويره عام 2005، بهدف إيجاد منصة جوية يمكن من خلالها إطلاق الصواريخ الجوالة نحو العمق الصيني، لمسافات تصل إلى 240 كيلومتراً. ودخل هذا النوع من الصواريخ في الخدمة الفعلية عام 2011.

النوع الثاني – الأهم – ضمن ترسانة الصواريخ التايوانية، هو الصاروخ الجوال “Yun Feng”، وهو صاروخ أسرع من الصوت، يتراوح مداه الأقصى بين 1200 و2000 كيلومتر، ويُعَدّ حالياً الصاروخ الأطول مدىً في التسليح التايواني، بحيث بدأ تطويره عام 1996، ودخل الخدمة الفعلية عام 2014. وتمتلك النسخة ذات المدى الممتد منه القدرة على الوصول إلى العاصمة الصينية بكين ومدن أخرى في وسط الصين، مثل مدينة “تشنغدو”.

نجاح تجارب هذا الصاروخ أغرى السلطات التايوانية عام 2018، بأن تخصص نحو 13 مليار دولار، لمصلحة مشروع يستهدف تحديث هذا الصاروخ، بحيث يتم إنتاج نسخة أبعد مدى منه، تستطيع حمل الأقمار الاصطناعية وإطلاقها.

خلاصة القول مفادها أن الصفقة التسليحية الأخيرة بين تايوان والولايات المتحدة الأميركية، تحمل ملامح رهان أميركي مستمر منذ فترة على تعزيز القدرات الجوية التايوانية، وهو رهان لم يتأثر، على ما يبدو، بالتزامات الولايات المتحدة – فيما يتعلق بالذخائر – تجاه كييف.

المؤكَّد أن واشنطن تحاول في تايوان تصحيح بعض الأخطاء التي تسبب بها تباطؤ دعمها للجيش الأوكراني في المستويين التسليحي والتدريبي، خلال الأعوام السابقة. هذا ربما يمكن قراءته حيال إعلان تايوان الشهر الجاري اعتزامها إرسال ما لا يقل عن 500 جندي إلى الولايات المتحدة في وقت لاحق من العام الجاري، للتدرّب على تكتيكات قتال الأسلحة المشتركة.

في جانب آخر، تبدو تايبيه في مسار التحرر بصورة أكبر من أيّ قيود سياسية أو لوجستية فيما يتعلق بقدراتها الصاروخية، لتشكل، إلى جانب كوريا الجنوبية واليابان، نقاط ارتكاز مهمة للقوة الصاروخية المحيطة بالصين، يمكن خلال المدى المنظور أن تشكل – على الأقل – تحدياً مهماً لا يمكن تجاهله.

 

سيرياهوم نيوز3 – الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

روسيا: إحباط عملية استخباراتية أوكرانية لاغتيال أحد العسكريين الروس الكبار

  جهاز الأمن الفيدرالي الروسي يحبط محاولة من أوكرانيا لاغتيال أحد العسكريين الكبار في وزارة الدفاع الروسية، ويكشف تفاصيل العملية.     عناصر من جهاز ...