الرئيسية » كتاب وآراء » تركيا واليونان.. شدّ ومدّ ونسيان

تركيا واليونان.. شدّ ومدّ ونسيان

حالات المد والجزر في العلاقات التركية -اليونانية كانت وستبقى دائماً العنصر الأكثر تأثيراً في مستقبل هذه العلاقات بذكرياتها السيئة بالنسبة إلى الطرفين.

 

حسني محلي

 

بعد 6 سنوات بالتحديد من آخر زيارة قام بها إلى اليونان في 7 كانون الأول/ديسمبر 2017، فاجأ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الرأي العام الداخلي الخميس بزيارته “المثيرة” إلى أثينا، وهو الذي قال في 23أيار/مايو 2022 “بعد الآن، ليس هناك أي شخص أعرفه اسمه ميتسوتاكيس فقد انتهى بالنسبة إليّ. وسأتابع مسيرتي مع سياسيين شرفاء أوفياء لوعودهم وذوي كرامة”.

 

المعارضة ذكّرت إردوغان بأقواله هذه، كما ذكّرته بكل ما قاله عن محمد بن سلمان ومحمد بن زايد والرئيس السيسي ورئيس وزراء الكيان الصهيوني طوال السنوات الماضية، إذ تراجع عن كل الألفاظ التي استخدمها ضدهم ومنها “المجرم والقاتل والإرهابي والإنقلابي والفاشي والنازي”، وعاد والتقى بهم، إن كان في أنقرة أو في عواصم بلدانهم أو في نيويورك كما هي الحال بالنسبة إلى نتنياهو، والدوحة والرياض بالنسبة إلى الرئيس السيسي.

 

استدارات الرئيس إردوغان وتراجعه عن كل مقولاته السابقة ليس فقط على الصعيد الخارجي، بل الداخلي أيضاً، يبدو أنها لا تؤثر في قناعات أنصاره وأتباعه الذين يصفقون له في كل الحالات ما دام يسيطر على الإعلام الحكومي برمّته و95% من الإعلام الخاص.

 

ويلعب هذا الإعلام بأقلامه المأجورة وأكاذيبه غير المحدودة على التأثير في الشارع التركي الذي تعيش غالبيته في حالة اللامبالاة لكل ما يجري حوله، ما دامت تعيش في حالة يرثى لها مع استمرار الأزمة الاقتصادية والمالية الخطيرة التي يبدو أن لا حل لها، بعد أن تراجعت أبو ظبي والرياض عن وعودهما لإردوغان بودائع واستثمارات بعشرات المليارات من الدولارات. كما رفضت المؤسسات المالية العالمية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسسات مالية أميركية وأوربية تقديم القروض لتركيا بسبب سياسات إردوغان الإقليمية والدولية، ومنها علاقاته مع روسيا وإيران، وأخيراً هجومه العنيف ضد نتنياهو والكيان الصهيوني وخلافاته مع واشنطن في سوريا.

 

وعودة إلى زيارة إردوغان إلى أثينا واتفاقه مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس على فتح صفحة جديدة وفعالة في العلاقات بين البلدين في جميع المجالات، فالجميع يعرف أن المشكلات القائمة بين البلدين لن يكون حلها سهلاً بالنسبة إلى الطرفين.

 

فالخلاف بينهما عميق في ما يتعلق بتقاسم المياه الإقليمية في بحر إيجة، إذ إن بعض الجزر اليونانية قريب جداً من اليابسة التركية، يضاف إلى ذلك الخلاف حول المجال الجوي فوق البحر المذكور، ولن تكون معالجة ذلك سهلة بسبب ذكريات التاريخ المشترك بين اليونان وتركيا.

 

وتختلفان أيضاً حول ترسيم حدود المناطق الاقتصادية الخالصة في البحرين، إيجة والأبيض المتوسط، خاصة بعد أن وقّعت أنقرة مع طرابلس على اتفاقية لترسيم الحدود البحرية، وردّت عليها أثينا باتفاقية مماثلة وقّعت عليها مع القاهرة وروما معاً.

 

فالجميع يتذكر كيف كانت اليونان، ولمئات السنين، جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، كما كانت طرفاً في التحالف الذي احتل الأناضول مع إيطاليا وبريطانيا وفرنسا بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.

 

ومن دون أن يمنع ذلك مصطفى كمال أتاتورك بعد انتصاره على القوات المحتلة والإعلان عن جمهوريته الحديثة عام 1923 من فتح صفحة جديدة في علاقاته مع أثينا التي شهدت علاقاتها مع أنقرة حالات من الفتور والتوتر الدائم. وكان أهمها التدخل التركي العسكري في قبرص في 20تموز/يوليو 1974 استناداً إلى الاتفاقية الموقعة بين تركيا واليونان وبريطانيا، وتعترف لهذه الدول بالتدخل في حال أي خطر يهدد مصالحها بما في ذلك حقوق الأقلية التركية الموجودة في الجزيرة وتشكل 30%؜ من سكانها.

 

وعدّت اليونان ومعها الأمم المتحدة وواشنطن وعواصم الاتحاد الأوروبي سيطرة الجيش التركي على 36%؜ من مساحة الجزيرة احتلالاً عسكرياً لها. ودفعها ذلك إلى عدم الاعتراف بجمهورية شمال قبرص التركية وتحجج الاتحاد الأوروبي بذلك ففتح أبوابه للقبارصة اليونانيين المعترف بهم دولياً وأصبحت دولتهم عضواً رسمياً في الاتحاد جنباً إلى جنب مع اليونان التي تعرقل مباحثات العضوية مع تركيا. في الوقت الذي تهدد فيه أنقرة القبارصة اليونانيين الذين ينقبون عن الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية للجزيرة وتقول تركيا إن هذا الغاز ملك القبارصة الأتراك واليونانيين معاً.

 

ومن دون أن يمنع هذا الموقف التركي الرئيس إردوغان من فتح قنوات الحوار مع “تل أبيب” ودعوة هرتسوغ إلى أنقرة في آذار/مارس العام الماضي، وبالتالي اللقاء مع نتنياهو في 20 أيلول/سبتمبر الماضي، وكل ذلك من أجل إقناعهم بنقل الغاز القبرصي والإسرائيلي ولاحقاً الفلسطيني (غزة) إلى تركيا ومنها إلى أوروبا.

 

في الوقت الذي كانت فيه أنقرة تراقب اتفاقيات التعاون العسكري والاقتصادي الشامل والمكثف بين “تل أبيب” وكل من نيقوسيا وأثينا اللتين تحالفتا مع واشنطن ضد روسيا في الحرب الأوكرانية، علماً أن اليونانيين والقبارصة اليونانيين هم أرثوذكس حالهم حال الشعب الروسي.

 

كما هدد وتوعد الرئيس إردوغان وإعلامه الموالي أكثر من مرة واشنطن لأنها تبني قواعد عسكرية شرق اليونان على بعد 30 كم من الحدود اليونانية مع تركيا، بالإضافة إلى دعمها ومعها الحلف الأطلسي لمساعي اليونان لتسليح الجزر اليونانية القريبة من الشواطئ التركية، وهو ما تمنعه العديد من الاتفاقيات الدولية التي اعترفت بموجبها تركيا بملكية اليونان لها.

 

وتبقى العلاقات الاجتماعية والإنسانية العامل الوحيد الذي يمنع أي مواجهة ساخنة بين تركيا واليونان، وهو مستبعد دائماً بسبب التفوق العسكري التركي مقابل اليونان التي قررت خلال زيارة الرئيس إردوغان السماح للمواطنين الأتراك بزيارة الجزر اليونانية القريبة من تركيا من دون تأشيرة دخول.

 

في الوقت الذي تتحدث فيه المعلومات عن شراء الآلاف من الأتراك منازل مقابل مئتين وخمسين ألف يورو في العديد من المدن اليونانية للحصول على بطاقة إقامة دائمة يتجولون بموجبها في دول الاتحاد الأوروبي من دون تأشيرة، بعد أن خاب أملهم في مستقبل تركيا السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

 

في الوقت الذي لم يشتر فيه أي مواطن يوناني أي عقار في تركيا، علماً أن ما لا يقل عن 500 ألف من مواطني روسيا وأوكرانيا وبعض الدول العربية والأفريقية بل وحتى الصين واليابان اشتروا المساكن في تركيا وحصلوا على جنسيتها. وهو ما تعترض عليه أحزاب وقوى المعارضة التي تتهم إردوغان ببيع تركيا، وبالتالي الجنسية التركية “للحابل والنابل” من دون أي رقابة وتحرٍ، وبدليل ملاحقة الإنتربول الدولي للعديد من زعماء المافيا في تركيا حيث سكنوا وحصلوا على الجنسية التركية بعد أن اشتروا فيها البيوت والفنادق والأراضي.

 

وعودة إلى زيارة إردوغان إلى أثينا وتجاهل ميتسوتاكيس كل ما قاله إردوغان عنه، فالجميع يعرف أن حالات المد والجزر في العلاقات التركية -اليونانية كانت وستبقى دائماً العنصر الأكثر تأثيراً في مستقبل هذه العلاقات بذكرياتها السيئة بالنسبة إلى الطرفين، ولا سيما اليونانيين الذين اضطروا إلى مغادرة تركيا بعد قيام الجمهورية التركية عام 1923.

 

فهم يرون في إسطنبول عاصمتهم التاريخية والروحانية عندما كانت القسطنطينية عاصمة للإمبراطورية البيزنطية وإلى أن جاء محمد الفاتح وجعل منها عاصمة لدولته العثمانية. وذكرياتها سيئة ليس فقط مع اليونانيين بل معظم شعوب ودول أوروبا التي كانت تحت سيطرة الدولة المذكورة، حالها حال الجغرافيا العربية.

 

وتشهد علاقات إردوغان مع هذه الدول العربية، كما هي الحال مع اليونان، حالات مماثلة من الشد والمد، والجميع يتابع المسلسلات التركية التي تتحدث عن التاريخ العثماني الذي يتغنى بأمجاده الرئيس إردوغان، وبشكل خاص بعد ما يسمى بـ “الربيع العربي” الذي حقق له الكثير من المكاسب التكتيكية والاستراتيجية، كما يمثل الجميع في مسرحيات المضحك المبكي وتفرض عليهم معاً أن ينسوا كل ما قالوه بحق بعضهم البعض، فالسياسة أصبحت بلا مبادئ وقواعد والأهم من كل ذلك، بلا إنسانية أو أخلاق، وإلا كيف لنا أن نفسر تجاهل العالم برمّته الإجرام الصهيوني في فلسطين!

 

سيرياهوم نيوز1-الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هكذا تكلم زينون….(1)

  بقلم:باسل علي الخطيب   هل سبق وشاهدتم سلسلة افلام رامبو بطولة سيلفستر ستالوني؟… تلك كانت أحد المحاولات الأمريكية عبر هوليود للخروج من عقدة الهزيمة ...