آخر الأخبار
الرئيسية » إدارة وأبحاث ومبادرات » تعليق على خطاب أحمد الشرع: عملية إنتقالية متأخرة وضرورية لسوريا والشعب السوري

تعليق على خطاب أحمد الشرع: عملية إنتقالية متأخرة وضرورية لسوريا والشعب السوري

 

محمد العبد الله

حسناً فعل أحمد الشرع بالظهور في فيديو موجه للشعب السوري، يقدم فيه عبر كلمة واضحة ومقتضبة خطته للمرحلة الإنتقالية ويخبر السوريين بما ستتؤول إليه أحوال بلادهم في هذه المرحلة الحساسة. غياب الرجل في المرحلة السابقة عن الشعب، وترك السوريين يتصيدون الأخبار القليلة والإشاعات الكثيرة عبر تطبيق تلغرام عكس جواً سلبياً بخصوص الكثير من الأحداث.

خطاب الشرع كان أفضل بكثير من مجموعة التصريحات التي نسبت لقيادة إدارة العمليات في اليوم الذي سبق الخطاب، والتي نشرت على شكل تصريحات قصيرة عبر معرفات هيئة تحرير الشام وإدارة العمليات العسكرية خلال مؤتمر النصر الذي عقدته الفصائل العسكرية.

حمل النصف الأول من خطاب الشرع كلمات طيبة لشعب جريح ومكلوم، ينتظر من يقدم له الأمان، الأمان بمعناه الواسع (الإنساني والاجتماعي والاقتصادي وحتى الأمني). حمل كلام الشرع إشارات إيجابية، انتظرناها جميعاً على مدى الأسابيع الماضية. مثلاً، خاطب الشرع كل السوريين والسوريات على اختلاف فئاتهم، وأماكن تواجدهم اليوم (في الداخل أو الخارج)، وعلى اختلاف مستوى تضحياتهم، وأقر وضوحاً بدور ومشاركة كل إنسان ناضل من أجل تحرير سوريا من نظام الأسد. ولهذا، حاز كلام الشرع الطيب على قبول شعبي معقول، كون الشعب السوري لم يعتد خطاباً بسيطاً طيباً، أو مختصراً.

التعليق والأسئلة أدناه حول النصف الثاني من الخطاب، بخصوص المرحلة الانتقالية تحديداً.

الفصل الجديد: “أقف هنا لنفتح معاً فصلاً جديداً في تاريخ بلدنا الحبيب”.

– “تسلمت بالامس مسؤليه البلاد وذلك بعد مشاورات مكثفة مع الخبراء القانونيين لضمان سير العمليه السياسيه ضمن الاعراف القانونية، وبما يمنحها الشرعية اللازمة”.

حقيقة، لم أحصل بعد بحث على مدى يومين على أي معلومة صغيرة واحدة تفيد بوقوع مثل هذه المشاورات القانونية. ولو أن عدداً ليس بقليل من السوريين قد يتطوع ويزعم أن المشاورات حصلت بالفعل وأنه كان جزءاً منها، فقط كنوع من شرعنة الخطوة التي حصلت. (في مقابلة على قناة المشهد من دبي، تحدث الباحث عباس شريفة أن من بين الخبراء القانونيين الذين استشارهم الشرع الدكتور عزيز شكري، الحقوقي الخبير والمستشار القانوني السوري، رئيس قسم القانون الدَّولي في جامعة دمشق. رحمه الله الدكتور عزيز شكري توفي عام 2012، كان من أهم الأساتذة القانونيين في سوريا).

– النقطة الثانية المهمة هنا أن الشرع يقر بأنه تسلم مسؤولية البلاد بالأمس بعد مؤتمر النصر العسكري. الأمر الذي يثير تساؤل محق عن أن التسلم حصل من قيادات الفصائل العسكرية وحدها، دون إشراك أطرف ثورية أخرى أكد الشرع ذاته في النصف الأول من خطابه دورها وتضحياتها ومشاركتها وحديثه عن تمثيل الجميع دون إقصاء. ربما كان من المجدي دعوة بعض الشخصيات الوطنية، مع وفد صغير من أهالي المفقودين والمعتقلين وضحايا التعذيب أو الكيماوي، وبعض ممثلي منظمات المجتمع المدني لمؤتمر النصر وإخراج “التسليم” بطريقة أفضل.

– لو حصلت الاستشارات القانونية المذكورة مثلاً لكان بعض القانونيين والخبراء الدستوريين قد نصحوا الشرع بخطوات أفضل، عبر البدء بتشكيل مجلس تشريعي مصغر (ربما عبر ترشيح شخصيات شعبية تغطي شرائح السوريين المختلفة، شخصين أو ثلاثة عن كل محافظة كحد أقصى يضم ممثلين عن مختلف القوى المذكورة أعلاه ومن مختلف الخلفيات السورية)، ثم إنتاج إعلان دستوري مؤقت (أو تفعيل دستور سوريا 1950)، ثم اختيار المجلس التشريعي المصغر، وفقاً لبنود الإعلان الدستوري المؤقت، للشرع رئيساً لسوريا.

أتت الخطوات معكوسة: تعيين الرئيس، الذي سيعين بدوره لجنة تحضيرية لاختيار المجلس التشريعي المصغر الذي سيقوم بإعداد الإعلان الدستوري للمرحلة الإنتقالية. مع أن القانون يفترض العكس تماماً (الأمر الذي يثبت حقيقة أن لا شخصيات قانونية ضالعة بالخطوة).

– نقطة أخرى هامة، أن هذه الخطوات وفق الترتيب المقلوب، تؤسس لمركزة شديدة للسلطة بيد شخص الشرع. لذلك، ستتركز الأنظار اليوم على الذين سيعينهم الشرع لتنفيذ هذه الخطوات، لا سيما أن التعيينات لا تزال تنحصر حتى اليوم بشخصيات هيئة تحرير الشام.

– في ليبيا مثلاً، صدر الإعلان الدستوري في 3 آب/2011، كخطوة أولى، وأعلن في المادة 17 منه أن “المجلس الوطني الانتقالي المؤقت هو أعلي سلطة في الدولة الليبية، ويباشر أعمال السيادة العليا، بما في ذلك التشريع ووضع السياسة العامة للدولة، وهو الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي… إلخ…” وبالتالي، سارت الأمور وفق نهج قانوني لا من فراغ ولا من تعيين عسكري للرئيس.

مؤتمر الحوار الوطني:

– خلال زيارته للأردن، تحدث وزير الخارجية الشيباني عن أن مؤتمر الحوار ونتائجه “ستحدد شكل سوريا في المستقبل”. وهذا الكلام صحيح ودقيق للغاية. لكن خطاب الشرع يقدم تصوراً مختلفاً عن رؤيته للحوار الوطني:

“وسنعلن في الايام القادمه عن اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني والذي سيكون منصه مباشره للمداولات والمشاورات واستماع مختلف وجهات النظر حول برنامجنا السياسي القادم”.

– من غير الواضح ما المقصودبـ “برنامجنا السياسي القادم”. هل هو برنامج سوريا والشعب السوري أم برنامج هيئة تحرير الشام والشرع؟ وهل سيتم اختزال مؤتمر الحوار الوطني الذي كان من المفترض أن يكون المنصة التي ستعزز التشاركية السياسية وإشراك جميع الأطراف وشكل نظام الحكم القادم، إلى منصة لسماع مختلف وجهات النظر حول برنامج الشرع السياسي؟

– مؤتمر الحوار الوطني من أهم الخطوات القادمة في المرحلة الإنتقالية، لا يجب التفريط به أو تقزيمه ليصبح مؤتمر حوار سياسي لمناقشة برنامج سياسي موجود. الهدف من المؤتمر بوضوح هو وضع وتحديد البرنامج السياسي.

أولويات المرحلة القادمة:

تحقيق السلم الأهلي وملاحقة المجرمين عبر عدالة إنتقالية وإتمام وحدة الأراضي السورية وبناء مؤسسات قوية وإرساء دعائم اقتصاد قوي وفرص عمل حقيقة.

الحقيقة أن هذه الأولويات هامة لسوريا وللسوريين، وصعبة للغاية، لكنها تمس السوريين في معظم احتياجاتهم، يشكر الشرع على طرحها.

– التعليق الأول على هذه الأولويات أنها أولويات طويلة الأمد، أكثر بكثير من مرحلة إنتقالية. هذه المطالب محقة وضرورية ويوافق عليها أي سوري بدون شك، لكنها تتطلب وقتاً طويلاً لتحقيق قسم كبير منها، وقسم آخر منها خارج أولويات وربما صلاحيات رئيس المرحلة الإنتقالية. فهمي البسيط للأولويات بالمرحلة الإنتقالية هي تقديم الخدمات الرئيسية: الأمن، الغذاء، الخدمات الأساسية للمواطنين مثل القضاء والصحة والتعليم.

– التعليق الثاني والأهم أن الشرع قد اتخذ قراراً مسبقاً حول شكل الدولة في سوريا وطبيعة نظام الحكم فيها، دولة مركزية، بنظام حكم رئاسي.

– الاتفاق على شكل الدولة في سوريا (مركزية، فدرالية أو بينهما مثل اللا مركزية الإدارية)، ممكن التوصل له عبر مؤتمر الحوار الوطني مع مكونات سوريا المختلفة، وممكن شرعنته عبر استفتاء شعبي لاحقاً مثلاً، وتبني الصيغة الناتجة في الدستور القادم. (يعترف الدستور العراقي الصادر عام 2005 صراحة بإقليم كردستان العراق كإقليم مستقل في العراق الاتحادي).

– طبيعة نظام الحكم في سوريا أيضاً سؤال وطني هام. فبعد 54 عاماً من نظام رئاسي دموي تعرف السوريين خلالها إلى سلبيات هذا النظام، الأمر الذي قد يدفعهم مثلاً لاختيار النظام البرلماني بديلاً مقبولاً لنظام الحكم في سوريا. أيضاً يتم حسم مثل هذه الخيارات لاحقاً، وليس من قبل السلطة الانتقالية ولا من قبل شخص واحد.

سوريا اليوم:

– هل ما قام به الشرع ضرورياً؟

نعم، كان يجب إطلاق المرحلة الإنتقالية خلال أيام من سقوط نظام الأسد. أفضل للبلاد والشعب، وتكريس للاستقرار وإبعاد شبح الفراغ والتناحر السياسي والعسكري.

حقيقة، غير مبرر أو مفهوم التأخر بمخاطبة الشارع السوري وإطلاق المرحلة الإنتقالية. فجميع الخطوات التي أعلن عنها الشرع كانت حاصلة بالفعل (العمل بالدستور معلق، مجلس الشعب محلول وأعضاءه مختفين، الجيش والمخابرات اختفت فعلياً وانحلت.) والأهم أن أحمد الشرع هو الحاكم الفعلي لسوريا. لذلك، لم يكن ينقص المرحلة الإنتقالية سوى الإعلان عنها وإطلاقها.

المعلومات من مقربين من هيئة تحرير الشام أن زيارة الأمير تميم كانت العامل الرئيسي للضغط على الشرع، وإلا لن تتم الزيارة، إذ لن يقابل الأمير تميم أقل من رئيس دولة. تشكر قطر حقيقة إن كانت وراء الدفع الحثيث لإطلاق المرحلة الإنتقالية، مع أمل أن تلعب باقي الدول العربية والإقليمية دورها بدعم وتوجيه المرحلة الإنتقالية في سوريا.

– هل نحن أمام سلطة دكتاتورية مطلقة؟

الجواب برأيي المتواضع ليس بالضرورة ولو أن إطلاق المرحلة الإنتقالية حصل بطريقة غريبة وبعيدة عن القانون وكان من الممكن أن يتم بصيغة مطمأنة أكثر.

النظر اليوم يجب أن يتركز على التعيينات التي سيقوم بها الشرع في اللجان التحضيرية للمجلس التشريعي المصغر وللحوار الوطني. في حال حصلت تعيينات تقنية مقبولة، من شخصيات وطنية من تيارات سياسية متنوعة، فنحن في وضع معقول جداً ضمن هذه المرحلة. وفي حال بقيت التعيينات والقرارات تتخذ من قبل فريق هيئة تحرير الشام وحده، فنحن أمام “من يحرر يقرر” بصيغة دستورية.

(اخبار سوريا الوطن ٢-صفحة الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مباحثات سورية تركية لتعزيز التعاون في مجال النقل

‏   بحث وزير النقل في حكومة تسيير الأعمال بهاء الدين شرم مع وفد من ‏وزارة النقل التركية برئاسة مدير العلاقات الدولية بالوزارة، آفاق تعزيز ...