آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » تيك توك… «صيّاد المواهب» الجديد

تيك توك… «صيّاد المواهب» الجديد

نادين كنعان

 

في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى الولايات المتحدة الساعية إلى حظرها، تثبت المنصّة المملوكة من مجموعة «بايت دانس» الصينية تأثيرها الآخد في التنامي على أصعدة مختلفة، خصوصاً في صناعة الموسيقى والصورة

 

ad

أصبح لدى تيك توك 150 مليون مستخدم نشط شهرياً في الولايات المتحدّة وحدها، صعوداً من 100 مليون في عام 2020. هذا ما أعلنته، يوم الإثنين الماضي، المنصّة المملوكة من مجموعة «بايت دانس» الصينية. والأرقام الجديدة هي علامة على شعبية التطبيق الواسعة خصوصاً بين الشبّان الأميركيين.

 

أكّد تطبيق المقاطع المصوّرة هذا الرقم قبل شهادة من المقرّر أن يدلي بها رئيسه التنفيذي، شو زي تشيو، اليوم الخميس أمام لجنة الطاقة والتجارة في مجلس النوّاب.

يأتي ذلك في وقت أيّد فيه أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي، يوم الجمعة الماضي، تشريعاً مدعوماً من الحزبين الجمهوري والديموقراطي لمنح الرئيس جو بايدن سلطات جديدة لحظر تيك توك لـ «أسباب تتعلق بالأمن القومي». وسبق للبيت الأبيض أن أمر الوكالات الفيدرالية بحظر تيك توك على هواتف موظفيها وأجهزتهم في غضون 30 يوماً.

ad

 

 

 

 

(تلغراف)

 

في هذا الإطار، قال تيك توك الأسبوع الماضي إنّ إدارة بايدن «طالبت ملّاك التطبيق الصينيين بالتخلّي عن حصتهم فيه، وإلّا فقد يواجهون حظراً أميركياً».

ومن المعلوم أنّ تيك توك يواجه ضغوطاً متزايدة من الإدارة الأميركية الحالية والمشرّعين، تضمنت دعوات إلى حظره من قبل كثيرين في الكونغرس يخشون احتمال «وقوع بيانات المستخدمين الأميركيين في يد الحكومة الصينية». في المقابل، أوضح التطبيق الذي أعلن في 2021 أنّ لديه أكثر من مليار مستخدم شهرياً حول العالم، إنفاقه أكثر من 1.5 مليار دولار على جهود أمن البيانات الصارمة، رافضاً مزاعم التجسّس: «إذا كانت حماية الأمن القومي هي الهدف، فإنّ سحب الاستثمارات لا يحلّ المشكلة. التغيير في الملكية لن يفرض أي قيود جديدة على تدفق البيانات أو إمكانية الوصول إليها».

ad

 

تعليقاً على هذا الموضوع، قالت وزيرة التجارة الأميركية، جينا ريموندو، لـ «بلومبيرغ نيوز» إنّه قد تكون هناك تداعيات سياسية لحظر تيك توك. وأضافت: «السياسي بداخلي يرى أنّنا سنخسر حرفياً كلّ الناخبين دون سن 35 عاماً إلى الأبد».

وفي انتظار ما ستؤول إليه الحملة الشرسة التي يواجهها تيك توك في الولايات المتحدة فيما هو يبثّ الرعب في نفوس الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي المنافسة، لا يزال مدى وحجم تأثير التطبيق الظاهرة مادّة للبحث والتحليلات، خصوصاً في عالم الترفيه.

قبل إقامة الدورة الـ 65 من احتفال توزيع جوائز «غرامي» الموسيقية في شباط (فبراير) الماضي، كانت التوقعات تشير إلى منافسة شرسة على لقب أفضل فنان جديد مثلاً، إذ أكّدت مصادر عدّة أنّه أياً كان الفائز، سيكون بروزه مرتبطاً على الأرجح بتيك توك، إذ بات للشبكة دور أساسي في اكتشاف المواهب الموسيقية الجديدة. وهو ما أثبته فوز مغنية الجاز الأميركية سمارا جوي التي أدّت هذه المنصة دوراً أساسياً في صعودها وشهرتها. وبعد الإعلان عن النتائج، أصدر تيك توك بياناً اعتبر فيه أنّ احتفال «غرامي» الأخير كان «ليلة كبيرة بالنسبة إلينا، إذ انضم العديد من الفنانين المفضلين في مجتمعنا إلى صفوف الفائزين».

ad

 

وفي الفترة التي سبقت إقامة هذا الحدث، كان تيك توك الذي يتمتّع بشعبية كبيرة في صفوف المراهقين يثبت موقعه شيئاً فشيئاً كوسيلة لبروز عدد كبير من المغنين والموسيقيين. علماً أنّ فوز المغنية أوليفيا رودريغو ومغنية الراب ميغان ذا ستاليون بآخر جائزتي «غرامي» عن فئة أفضل فنان جديد، شكّل مؤشراً لا لبس فيه على ما لتيك توك من أهمية، إذ شقّتا طريقهما من خلال نجاحهما عبره.

أمام هذا الواقع، لاحظت المحلّلة في شركة «ميديا» للأبحاث، تاتيانا سيريسانو، أنّ «الشبكات الاجتماعية جعلت الصناعة الموسيقية أكثر استجابةً لذوق الجمهور، بدلاً من السعي إلى فرض نجوم المرحلة».

صحيح أنّ هذه الظاهرة ليست جديدة، إذ إنّ النجم الكندي جاستين بيبر برز أوّلاً من خلال يوتيوب، في حين اشتهر شون مينديز بفضل تطبيق «فاين» الذي لم يعد موجوداً. غير أنّ سيريسانو رأت أنّ تيك توك «شهد ازدهاراً كبيراً» في السنوات الأخيرة، ما حوّله إلى «جزء لا يتجزأ من إستراتيجية كل فنان تقريباً».

ad

 

أما مؤسِّسة شركة التسويق الرقمي «كراود سورف»، كاسي بيتري، فوصفت تيك توك بـ «MTV الجديدة»، في إشارة إلى المحطة التلفزيونية الأميركية المتخصّصة في الموسيقى التي كانت الأغنيات المصوّرة للمتنافسين على لقب أفضل فنان جديد تُعرض عبر شاشاتها خلال العقد الأوّل من القرن الـ 21. ولفتت بيرتي في الوقت نفسه إلى أنّ التطبيق الصيني بمثابة «إحدى المنصات الإعلامية الجماهيرية في هذا العصر».

إلى ذلك، من الواضح أنّ تيك توك فرض تغييراً في الطريقة التي ترصد من خلالها شركات الإنتاج الموسيقي الفنانين الذين يمكنها المراهنة عليهم. عوضاً عن الاستعانة بـ «صيّادي المواهب» إلى القاعات الصغيرة والفضاءات الفنية المغمورة، باتت هذه الشركات تتوقّع أن يكون لدى الفنانين «جمهور أصلاً» وأن يكونوا «تمكّنوا من تحقيق بعض الشهرة بمفردهم». الأمر الذي أسهم في جعل الصناعة الموسيقية متاحة أمام الجميع وفرص البروز في المتناول، خلافاً لما كان عليه الوضع سابقاً.

ad

 

لكن على الضفة الأخرى، يشكو بعض الفنانين من تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على صحتهم النفسية، مبدين خشيتهم من أن يخصّصوا لها وقتاً أطول من ذلك الذي يخصصونه لفنّهم الفعلي. وهناك من يتخوّف من توجّه جديد في عالم صناعة الأغاني، قائم على تفصيل الأعمال على قياس متطلّبات عالم تيك توك القائم على الخوارزميات ومقاطع الفيديو التي لا تتعدى مدّتها بضع ثوانِ.

هنا، نقلت وكالة «فرانس برس» عن سيريسانو تأكيدها أنّه «ثمّة مبالغة في هذه المخاوف»، مذكّرةً بأنّ الابتكارات التكنولوجية الأخرى كاستخدام الضبط التلقائي المعروف بالـ Auto-Tune الخاص بمعالجة الصوت وتغييره، أو نغمات الهاتف المحمول، أثارت انتقادات مماثلة. كما طمأنت في الوقت نفسه إلى أنّ الموسيقى الجيدة «ستتمكّن في نهاية المطاف من النجاح».

لكن كيف يشجّع تيك توك الجماهير على التفاعل مع الموسيقى بطرق لا تفعلها المنصات الأخرى؟ الأمر متعلّق بأدوات تسهّل مثلاً إنجاز دويتو أو تعاون فنّي، بالإضافة إلى الربط بمنصات أخرى حيث ينشر الفنانون أغنياتهم المنفردة وألبوماتهم. على مستوى أعمق، يبدو أنّ مستخدمي تيك توك يتبنّون الأصالة، أي أنّ أناساً حقيقيين ينشئون محتوى بغرض الترفيه عن بعضهم. سيسمح العديد من الموسيقيين للمعجبين بالاطلاع على كواليس أعمالهم وعمليّاتهم الإبداعية وما إلى ذلك. كانت الأصالة بمثابة روح أساسية في العديد من أشكال الموسيقى الشعبية منذ عهد موسيقى الروك أند رول المبكرة على الأقل، ويبدو أنّ محبّي التطبيق الصيني يرتبطون بذلك بطريقة تتعارض مع المنصات الاجتماعية الأخرى، حيث يميل المستخدمون إلى طرح صور زائفة.

ad

 

إلى جانب الموسيقى، تأثير تيك توك ملحوظ على صعيد صناعة المسلسلات والأفلام أيضاً. فقد انشغل المراقبون أخيراً بخبر يؤكّد أنّ الشبكة باتت تنافس نتفليكس من حيث الوقت الذي يخصّصه البالغون الأميركيون لمتابعتها، بعدما سبق أن تفوّقت في هذا المجال على يوتيوب وتويتر وإنستغرام وفايسبوك، وفقاً لدراسة صادرة عن شركة «إنسايدر إنتيليجنس».

وأوضح تقرير أنّه بعد استقطاب المراهقين، باتت تيك توك أيضاً موضع اهتمام واسع من البالغين الذين أقبلوا على متابعتها وخصوصاً خلال جائحة كورونا: «مستخدمو تيك توك الذين تراوح أعمارهم بين 25 و54 عاماً و«جيل الألفية» و«الجيل X»، سيقضون (هذه السنة) أكثر من 45 دقيقة يومياً في متابعة التطبيق، أي أكثر بكثير من الوقت الذي يقضيه المستخدمون من الفئة العمرية إياها في متابعة شبكات التواصل الاجتماعي الأخرى».

وتوقّعت «إنسايدر إنتيليجنس» أن يمضي مستخدمو تيك توك الذين تزيد أعمارهم على 18 عاماً أكثر من 58 دقيقة يومياً في المتوسط في متابعة التطبيق عام 2024، أي أقل من نتفليكس (62 دقيقة) وأكثر من يوتيوب (48.7 دقيقة).

ad

 

ولاحظت الدراسة أنّ جهود الشبكات الاجتماعية الأميركية لمنافسة خدمة مقاطع الفيديو القصيرة من تيك توك لم تحقق النتائج المرجوّة منها بالكامل. مقاطع الفيديو القصيرة (شورتس) على يوتيوب «لم تؤدّ إلى تحريك الأمور». أما مقاطع «ريلز» من «ميتا» (فايسبوك وإنستغرام)، فحصدت شيئاً من النجاح، لكن الوقت الذي يخصّصه المستخدمون لمشاهدتها يقلّص الوقت الذي يكرّسونه لخدمات أخرى على الشبكتين، أي النشرة الرئيسية والـ«ستوريز» التي تتضمن عدداً أكبر من الإعلانات وتحقّق بالتالي إيرادات كثيرة للمجموعة.

وتطرّق التقرير أيضاً إلى ظاهرة «الشاشة الثانية»، مشيراً إلى أنّ «مشاهدي نتفليكس غالباً ما يتابعون تيك توك أثناء مشاهدتهم نتفليكس»، لافتةً إلى أنّ المعلنين الذين يفكّرون في شراء إعلانات على نتفليكس يدركون أنّ «انتباه بعض المشاهدين قد يتشتت إلى درجة التوقف عن مشاهدة البرنامج» على منصة الستريمينغ».

ad

تخوّف من تفصيل الأعمال على قياس متطلّبات عالم قائم على الخوارزميات ومقاطع الفيديو

 

لتيك توك قبضة محكمة على الثقافة في الوقت الحالي، وصناعة الصورة ليست بعيدة عن ذلك. الطريقة التي يستجيب بها المبدعون على المنصة لمحتوى الأفلام، الجديدة أو القديمة، توجّه الناس إلى شبابيك التذاكر وخدمات البثّ، من «فيلم توك» مروراً بالنقاد أمثال ديفيد ما وهانتر كلارك، وصولاً إلى كون تيك توك شريكاً رسمياً لـ «مهرجان كان السينمائي الدولي». هناك طرق لا حصر لها تربط صناعة السينما بهذه الوسائط الجديدة.

ووفقاً لدراسة GoodQues في عام 2021، شارك 69 في المئة من المستخدمين في إنشاء محتوى متعلق بعرض أو فيلم. أدى ذلك إلى إعلان مدير الترفيه في المنصة، نيكاو يانغ، في مقابلة مع «ديدلاين» أنّه «منذ عام أو عام ونصف، كنا منصة لا بد من تجربتها. الآن نحن حقاً لا غنى عنّا. سابقاً، كنا جزءاً من النقاش العام. الآن، نحن نقود النقاش».

ad

 

لنلق نظرة على مسلسل «بريدجرتون» ورجع الصدى الذي تُرجم من خلال regencycore#، أو الجزء الرابع من Stranger Things الذي أعاد أغنية Running Up That Hill إلى قوائم الاستماع (أعاد تيك توك إطلاقها وكسبت المغنية كيت بوش 2.3 مليون دولار منذ ذلك الحين). وهناك طبعاً فيلم الرسوم المتحركة «إنكانتو» الذي كان إصداراً سينمائياً متواضعاً قبل أن تنفجر شعبيته عندما أصبحت موسيقاه التصويرية مفضّلة على تيك توك.

وهنا، لا بد من الإشارة إلى ترند Gentleminions#، وهم مجموعة من «جيل Z» يصوّرون أنفسهم وهم يحضرون عروض الأفلام وعطلة نهاية الأسبوع الافتتاحية مرتدين بدلات، الأمر الذي تُرجم في إيرادات الأشرطة على صعيد العالم.

تحليلات عدّة يمكن أن تُدرج في هذا الإطار، لكن الأكيد أنّ القاسم المشترك اليوم للشهرة الفورية للأغاني والأشخاص والأفلام، هو تيك توك الذي يتميّز عن غيره من تطبيقات الوسائط الاجتماعية بخوارزميّته الخاصة التي تبحث باستمرار عن مقاطع جديدة ومنشئي المحتوى بدلاً من الترويج للمحتوى نفسه مراراً وتكراراً، بعض النظر عن طبيعة المادّة المقدّمة وسويّتها (هذا بحث آخر). ويبدو تيك توك مختلفاً كلّ يوم، ما يدفع المستخدمين إلى قضاء المزيد من الوقت عليه للتأكّد من أنّهم لن يفوّتوا اتجاهاً جديداً أو تحدٍّ جديد. وعلى الأقل في الوقت الحالي، فإنّ هذه المنصّة موجودة لتبقى!

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الثقافة هي الحل

  غسان كامل ونوس قلت، وأقول: الثقافة هي الحلّ؛ الحلّ الأكثر احترامًا، وتمثّلًا، وديمومة، والجميع فيه رابحون؛ راهنًا ومستقبلًا… وقلت، وأقول: الانتماء الوطنيّ المعزّز ثقافيًّا ...