الرئيسية » كلمة حرة » “ثقافة اللامعنى”..الجديدة!!

“ثقافة اللامعنى”..الجديدة!!

 

 

مالك صقور

 

قالوا قديماً :

قل لي من تصاحب ؟ أقول لك من أنت .

ثم قالوا :

قلْ لي ماذا تأكل ؟ وكيف تأكل ؟ أقول لك من أنت.

ثم َ:

قل لي ماذا تقرأ ؟ أقول لك من أنت .

وقالوا :

قل لي ماذا تشاهد ؟ أقول لك من أنت .

ثمّ :

قل لي ماذا تسمع ؟ أقول لك من أنت .

والآن :

قل لي ماذا تعمل ؟ وكيف تقضي وقتك ؟ وكيف تدبّر رأسك ، من غير عمل إضافي ، وبراتب تقاعدي محدود ؟؟!!

مرة ثانية ، وثالثة، ورابعة، وعاشرة ، ومئة بعد الألف ، وألف بعد المليون أطرح الأسئلة من غير كلل أو ملل ، وأعيد : طرحها من جديد ليس من باب التكرار ، بل من باب التأكيد والتوكيد ، ولكن ما من مجيب . والجواب عندي :

حين أُعلن عن نشاط ثقافي ( ندوة)، وكنت مشاركاً في هذه الندوة .. وجهتُ الدعوة لقلة نادرة ممن أعرف أنهم يحبون الثقافة ،ولا يفوتهم نشاط ثقافي ،ويحبون حضور الأنشطة الثقافية في كل الأوقات ، بغض النظر عن حالة الطقس ، وارتفاع أجور النقل ، وقلّة كمية الوقود .. وكان جواب أعز الأصدقاء ممن اتصلت بهم ، مفاجئاً وصادماً لي في آن ، إذ صرخ قائلاً: مالك !!! هل فقدت عقلك تماما؟ مَنْ سيذهب الآن إلى المركز الثقافي للاستماع إلى كلام بكلام ، لايغني ولا يشبع من جوع . وأنا لا أستطيع تأمين أسطوانة غاز ، ولا تأمين ثمن ليتر زيت زيتون .. حتى البرغل طعام الفقراء أصبح غاليا ماعدا الأشياء الأخرى …وختم حديثه قائلا : إذهب وفتش عن باب رزق يؤمن لك لقمة العيش عوضا عن لقمة الزقوم ..ابحث عن دار نشر تعطي ثمن التعب ، أو مجلة تقدر جهدك .. كفى مكابرة ، والتفت إلى نفسك .ثم قال كلاما ً لن أذكره هنا ..

بصراحة ، لقد أُسقط بيدي ، وصدمني صديقي غير مكترث بمشاعري . فكظمت غيظي وسكتت .. وما أن صحوت من وقع الصدمة ، حتى تساءلت : حقاً ، هل أصبحت وغدت وأمست الثقافة بضاعة كاسدة ؟؟!! وإذا كان صديقي المثقف يقول مثل هذا الكلام ، فما العتب على ألآخرين الذين لا تعنيهم الثقافة ؟

وما أن مضت دقائق قليلة حتى وصلتني رسالة منه ، يقول فيها : أعرف أنك زعلت ، وزعلك غال عليّ َ، ولكن يجب أن أكون صريحا جدا معك : كل ثقافة الدنيا ماذا تنفعني وأنا ( مريض وعريان وجوعان وطفران وحفيان ) مريض : لا أجد ثمن الدواء الذي تقفز أسعاره وتطير وليس بوسعي تأمين جرعة صارت بالملايين . عريان : وحتى الألبسة المستعملة البالية التي تسمى (بالة) المستوردة من نفايات أوروبية ، لكنها كانت تستر الحال ،صارت تضاهي الألبسة الجديدة ، ولا أجد ثمن الكساء . جوعان : إذ صارت البيضة حلما وكيلو البطاطا بعشرة آلاف .والله لقد نسينا السمك والفروج واللحمة .. و

طفران : أبحث عن عمل إضافي ، يسند الراتب التقاعدي ، ولا أجد .. وحفيان : أهترأت كل أحذيتي ..لا تصدق كم صار سعر الحذاء ؟؟!! هل عرفت الآن لماذا كنت قاسياً وجافاً معك ..اخجل أن أقول لك ليس معي أجرة النقل ..وتقول لي ثقافة ..ماذا تفيد هذه الثقافة !! وفي هذه الأيام الغني يزداد غنىً ، والفقير يزداد فقراً . والبطالة تتفشى وغول رأس المال المتوحش يفتك بالناس .وذوو النفوس الضعيفة والمريضة والميتة أرخو العنان لجشعهم فصاروا يتبارون بالاستثمار والاحتكار ورفع الأسعار ..وخنق الناس وقهرهم ، متلاعبين بلقمة عيشهم …وبعد هذا تقولون لي ثقافة ..

والآن صار بإمكاني أن اتحدث عن ثقافة جديدة ثقافة اللامعنى التي احتلت العقول وغسلت الأدمغة . وإلى اللقاء .

 

(موقع سيرياهوم نيوز-3)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“زهايمر” أبو عبود

“سليمان” استدان بالثمانينات ثلاثة ملايين من بعض أصدقائه، ووعد برد المبلغ خلال سنة رغم أنه لا يعمل أي شيء، وكان غريباً كيف أعطوه هذا المبلغ! ...