آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » دراما «المخلوطة»: «سلمى» تركية… بملامح عربية!

دراما «المخلوطة»: «سلمى» تركية… بملامح عربية!

 

المنذر الدمني

 

 

رمز الضعف… والقوّة

هذا الدور، الذي يجمع بين الأمومة وتحمّل المسؤولية الفردية الكاملة للأسرة، يضع المرأة في مواجهة سلسلة من التحديات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية. ورغم أنّ التجربة ذات طابع عالمي، إذ نجدها في مختلف الثقافات والمجتمعات، إلا أنّ خصوصية كل مجتمع تحدّد طبيعة هذا الصراع وحدّته: من النظرة الاجتماعية، إلى البنية القانونية، مروراً بفرص العمل والدعم المؤسسي.

 

من هنا، تصبح الأم العازبة رمزاً مزدوجاً للضعف والقوة، وللاستبعاد والقدرة على التحدي، ما يجعل قضيتها مساحةً غنية لطرح الأسئلة عن العدالة الاجتماعية والمساواة والقدرة على إعادة تشكيل الأدوار التقليدية.

 

نيكولا معوض في المسلسل

نيكولا معوض في المسلسل

هذه الأسئلة والصراعات يقدّمها مسلسل «سلمى» (إعداد لبنى مشوّح ومي حايك ــ إخراج اندر ايمير ــ مقتبس عن المسلسل التركي «امرأة» ـــ بطولة: مرام علي، نيقولا معوض، ستيفاني عطالله، تقلا شمعون، طوني عيسى، نقولا دانيال، سعد مينا، مجدي مشموشي، رنا كرم، نانسي خوري، وسام صباغ، نتاشا شوفاني، فرح بيطار) الذي انطلق قبل أيام على mbc1 و«شاهد».

 

يتم ذلك عبر شخصية سلمى (مرام علي) التي تفقد زوجها جلال (نيقولا معوض) بشكل مفاجئ وغامض على إثر حادثة غامضة على قارب. حادثة تبدو على صلة بأختها غير الشقيقة ميرنا (سيفاني عطاالله)، من دون أن تتكشف تفاصيلها كاملة في الحلقات المعروضة حتى الآن.

 

مستويات الصراع

تجد سلمى نفسها في مواجهة صراعات عدة بعد فقدان زوجها، تتجلّى في مستويات مختلفة، أولها صراعها مع والدتها التي تخلّت عنها في سن الثامنة، حين تركت زوجها وابنتها وسافرت إلى لبنان لتتزوج صديق الأب. هذا الغياب جعل سلمى تكبر محرومة من حنان الأم.

 

مع ذلك نراها اليوم شديدة العاطفة تجاه أطفالها. هنا يبرز سؤال جوهري حول المقولة الشائعة: «فاقد الشيء لا يعطيه». غير أنّ سلمى تتحدى هذه المقولة بقوة، إذ يتحوّل حرمانها إلى دافع مضاعف كي لا يُحرم أطفالها من أي رعاية أو حب.

 

ستيفاني عطا الله في المسلسل

ستيفاني عطا الله في المسلسل

 

في موازاة ذلك، تخوض سلمى صراعاً آخر مع أختها غير الشقيقة ميرنا، التي تعيش حالة غيرة مَرَضية من علاقتها بأمها، ويبدو أنّ لها علاقة غامضة باختفاء جلال زوج سلمى. تفعل ميرنا كل ما بوسعها لإقصاء سلمى عن حياتها وعن أمها، لتزيد بذلك من تعقيد صراعها الداخلي والعائلي.

 

أما المستوى الثاني من صراع سلمى، فيتجلى في كونها امرأة وحيدة تتحمّل مسؤولية طفلين، ما يضعها أمام سلسلة من المصاعب اليومية في العمل وتأمين لقمة العيش. هي مواجهة مزدوجة مع قسوة المجتمع والظروف الاقتصادية، حيث تُقاس معايير العيش الكريم في مجتمع رأسمالي بالسعادة الموهومة عبر الاستهلاك والشراء المستمرّ والشعور الزائف بالجمال.

 

تظهر تفاصيل هذا الصراع في عجزها المتكرر عن تلبية رغبات أطفالها البسيطة، مثل رغبتهم بالذهاب إلى الملاهي، التي تتحول إلى وجبة «مجدّرة» هناك بدلاً من الألعاب، أو في تضحيتها بفستانها المفضل لتحوّله إلى فستان لابنتها بعدما عجزت عن شراء الفستان الذي أعجب الطفلة.

 

يطرح العمل وضع المرأة الأم وما تواجهه من صراعات يومية مع الوحدة والفقر وضغوط المجتمع

 

عبر هذه المواقف اليومية، نرى صراعاً أعمق وأشمل، إذ تكشف شخصية سلمى عن الوجه القبيح لنظرة المجتمع: قسوة ودونية ولا أخلاقية تجاه المرأة الوحيدة، في الوقت الذي تجسّد فيه هذه المرأة أقصى درجات النبل الإنساني عبر التضحية والكفاح المستمرّ من أجل البقاء والنجاة.

 

يتجلى المستوى الثالث من صراع سلمى في بيئتها المعيشية داخل حي فقير تحكمه منظومة خاصة من السلطة والعنف. تجد نفسها، من دون قصد، متورطةً مع جارتها هيفاء (نانسي خوري) التي تخون حبيبها حليم (طارق مرعشلي)، وهو رجل غيور إلى حد الجنون، وميّال إلى العنف واستعراض القوة.

 

هذا الواقع يضع سلمى في مواجهة مواقف متكرّرة من العنف النفسي المباشر، لا تستطيع مواجهتها أو صدّها، بل تحاول إخفاءها عن أطفالها بكل الطرق الممكنة لحمايتهم. وهكذا تصبح رغبتها البسيطة في النجاة اليومية أكثر تعقيداً وصعوبة، إذ يتضاعف عبء الخوف إلى جانب أعباء الحياة والمعيشة.

 

تحديات المسؤوليات العائلية والمهنية

يتجلّى المستوى الأخير من صراع سلمى في علاقتها مع أطفالها. رغم أنّ حمايتهم وتأمين حياة كريمة لهم هما هدفاها الأولين، إلا أنّ هذين الهدفين يتحوّلا إلى صراع يومي بين واجباتها كأم وبين متطلبات عملها المتعددة التي تضطر إليها كي توفّر لهم الأمان.

 

وهكذا تصبح سلمى الأم والأب معاً، المسؤولة عن الداخل والخارج، عن البيت وعن لقمة العيش. وفي سعيها إلى السيطرة على هذا الوضع تُضحّي بصحتها الشخصية، وتُجبر على إخفاء آلامها عن أطفالها حتى لا تثقل عالمهم الصغير. لذلك تعيش حالةً مستمرة من الكبت والصمت، محاولة أن تصنع لهم عالماً موازياً سعيداً، يخفي خلفه كل ما تعانيه من مصاعب.

 

تقلا شمعون في المسلسل

تقلا شمعون في المسلسل

تتكامل هذه المستويات الأربعة من الصراع لتشكّل لنا شخصية مركبة، متعددة الأبعاد، تنفرد بخصوصيتها لكنها في الوقت ذاته تمثل نموذجاً عاماً لتجربة «الأم العازبة».

 

قُدّمت هذه الحكاية حتى الآن بإيقاع متوازن ينجح في الجمع بين عناصر التشويق الدرامي والتعبير عن قضايا جوهرية، أبرزها وضع المرأة الأم وما تواجهه من صراعات يومية مع الوحدة والفقر وضغوط المجتمع.

 

هكذا تصبح شخصية سلمى مساحةً درامية مفتوحة لطرح أسئلة أعمق حول معنى التضحية، وحدود القوة، وإمكان النجاة في واقع قاسٍ.

 

أداء اكتمل مع الحكاية

اكتمل تقديم شخصية سلمى بكل تعقيداتها وصراعاتها عبر أداء مرام علي، الذي اتسم بالواقعية والدقة، إذ اختارت الممثلة اللعب على الخط الفاصل بين الانهيار كاستجابة طبيعية لكل ما تتعرض له، وبين التماسك الضروري لمحاولة خلق عالم سعيد لأطفالها.

 

هذا التوازن انعكس بوضوح في تعابير وجهها ولغة جسدها، إذ تداخلت الحالات العاطفية المتناقضة لتُظهر محاولتها الصادقة للاستمرار رغم الانهيار النفسي والاجتماعي والجسدي المحيط بها.

 

مجدي مشموشي في المسلسل

مجدي مشموشي في المسلسل

ليس أداء مرام علي وحده المضبوط، بل حافظ معظم الممثلين على المستوى نفسه، وخصوصاً ستيفاني عطالله في تجسيدها لشخصية الأخت «السايكو» الطفولية. إذ لم تقدّمها عطالله كبُعد واحد يقتصر على الشرّ، بل حمّلتها بتفاصيل خفية في نظراتها وتعابيرها جعلت الشخصية أكثر التباساً، تثير شعوراً مربكاً بين النفور منها والتعاطف الجزئي معها، أو حتى محاولة فهمها.

 

مستقبل صناعة الدراما العربية

قُدّمت الحكاية المشوّقة والمعبرة، بما تحمله من شخصيات متماسكة وصراعات واقعية، ضمن إخراج تركي الطابع، تجلّى في التفاصيل الجمالية والإيقاعية: عبر لحظات الـSlow motion المطوّلة، ومشاهد اللقاءات الطويلة، وصولاً إلى بنية الحلقة التي استُنسخت تقريباً كما هي من الدراما التركية من حيث الإيقاع والمونتاج وحتى ضبط الأداء.

 

وبما أنّ المخرج نفسه تركي، فإن هذا الخيار يفتح الباب أمام أسئلة جوهرية تتعلق من جهة بمدى ارتباط الطرح بالبيئة والمجتمع المحلي، ومن جهة أخرى بطبيعة صناعة الدراما العربية حين تنقل تجربة أجنبية وتعيد إنتاجها كما هي تقريباً.

 

نانسي خوري في المسلسل

نانسي خوري في المسلسل

مع أننا نتفق على أن الحكاية تعبّر عن المرأة وصراعاتها بشكل عام، إلا أنّ تقديمها بكل مستويات التعقيد بدا مجرداً من السياق السوري ــ اللبناني الذي يفترض أن تقع داخله الأحداث. فالخصوصية المحلية لا تُختزل بذكر أسماء الأماكن على ألسنة الشخصيات، بل تتجسّد في الأسئلة الدراماتورجية المرتبطة بالتعقيدات السياسية والاجتماعية للواقع السوري واللبناني، وهي تعقيدات غابت كلياً في الحلقات المعروضة حتى الآن.

 

هكذا نجد أنفسنا أمام حكاية تركية بملامح ظاهرية لبنانية وسورية، إذ يُذكر فقط أنّ الأحداث تجري في بيروت وأن الأبطال من البلدين، لكن من دون أن يحملوا أي أثر حقيقي من واقع هذه المجتمعات. ومن هنا يطرح نفسه سؤال جوهري: ما الفارق فعلياً بين الدراما التركية المعرّبة والدراما التركية المدبلجة؟

 

وسام صباغ في المسلسل

وسام صباغ في المسلسل

وهذا يقودنا مباشرة إلى سؤال صناعة الدراما. فقد أصبحت صياغة المسلسلات التركية المعربة، السائدة في السنوات الأخيرة، تعتمد على وصفة نجحت في السابق ضمن الدراما المشتركة: ممثلون سوريون ولبنانيون، أحداث تقع في بيروت، مع إضافة حكاية وإخراج تركيين. هنا يطرح السؤال: هل انتهت الحكاية السورية واللبنانية؟ وهل النص الدرامي العربي لم يعد قادراً على تلبية حاجيات سوق الإنتاج؟

 

يبدو أن هذا النوع من الإنتاج أصبح يستثمر الممثلين وكتاب السيناريو لإعداد مسلسلات عالية الجودة على مستوى الصناعة، مع رصيد جماهيري كبير، لكنها تظل بعيدة عن السياق الاجتماعي والسياسي المحلي، هجينة في الإخراج وسرد الحكاية، وتترك صنّاع الدراما العربية في حالة بحث دائم عن الفرص المناسبة لتقديم مشاريعهم الخاصة.

 

* «سلمى» على MBC1 و«شاهد

 

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

خالد الأسعد: «حارس تدمر» حتى الشهادة

  رماح إسماعيل       رغم مرور عشرة أعوام على رحيله، ما يزال اسم عالم الآثار السوري، خالد الأسعد (1934 ـــ 2015)، يجعلنا نقف ...