الرئيسية » يومياً ... 100% » قرار الجنائية الدولية مسمار عالمي في نعش الأحادية القطبية

قرار الجنائية الدولية مسمار عالمي في نعش الأحادية القطبية

 

 

بقلم د. حسن أحمد حسن

 

وأخيراً تنفس الصعداء عشاق العدالة الدولية والتوَّاقون لاستعادة هيبة القانون وتطبيقه على الجميع بعيداً عن الانتقائية الأمريكية التي عصفت على امتداد عقود بكل ما له علاقة بأعراف المجتمع البشري وقيمه الإنسانية المرعية، وكأن العالم كان على موعد مع الحادي والعشرين من تشرين الثاني 2024م. يوم أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارها بتعميم مذكرات توقيف بحق مجرمي الحرب والإبادة الجماعية: بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت بعد مخاض عسير وطويل ومعقد كشرت فيه إدارة بايدن عن أنيابها الزرقاء السامَّة، وأطلقت وعيدها وتهديداتها بالويل والثبور وعظائم الأمور إن تجرأت محكمة الجنايات الدولية على إصدار قرار بملاحقة مجرمي الحرب والإبادة والتهجير القسري والتجويع وتعميم الدمار والخراب والموت والكوارث على كل من يرفض الإذعان للمشيئة الصهيو أمريكية، ومن المهم هنا التذكير ببعض العناوين الرئيسة والأفكار المتعلقة بالموضوع، والتي قد تساعد في توضيح الصورة، ومنها:

• لم يكن أكثر المتفائلين بإمكانية صدور قرار واضح على يقين بأن المحكمة قادرة على مواجهة السيل الجارف من التهديدات والبلطجة التي اعتاد الموساد الإسرائيلي على ممارستها في مثل هذه المواضيع الحساسة، ولم يقتصر الأمر على الضغوط التي مارسها “الموساد” وبقية الأذرع الصهيونية القذرة، بل ترافق ذلك مع حملة أمريكية مسعورة لتشويه السمعة والإساءة الشخصية للمدعي العام للمحكمة القاضي كريم خان ومحاولة إلصاق التهم الباطلة النكراء والمتعددة به وبأسرته، كما شملت التهديدات الأمريكية كل أعضاء المحكمة، والتلويح بإمكانية فرض عقوبات عليهم.

• بعد صدور مذكرات التوقيف تتالت المواقف الأمريكية الداعمة لمجرمي الحرب الصهاينة، وسارع بايدن لوصف قرار المحكمة بأنه “شائن”، في حين رفع بعض المسؤولين الأميركيين حد التهديد حتى لحلفاء واشنطن بـسحق اقتصاديات الدول التي تتعاون لتنفيذ القرار، والتلويح حتى بإمكانية غزو الدول إن تطلب الأمر لـ: “فك أسر المسؤولين الإسرائيليين الذين قد يتمّ احتجازهم”.

• افتضاح الغرب المنافق على حقيقته النتنة، واتضاح الهوة الكبيرة بين الشعارات المرفوعة التي يتغنى بها أدعياء الحضارة والعصرنة، وبين السياسات القمعية القهرية المتوحشة والمتناقضة مع كل ماله علاقة بإنسانية الإنسان، وهذا ما ظهر جلياً بالمواقف التي أعلنتها بعض دول الاتحاد الأوربي ـــ بغض النظر عن تصريحات جوزيب بوريل مفوض السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوربي التي أكد فيها إن قرارات المحكمة الجنائية الدولية ليست سياسيّة، بل اتّخذت بموجب القانون الدولي، ويجب أن تنطبق على الجميع، في حين هاجمت المجر وتشيكيا والنمسا قرار المحكمة الجنائية، في الوقت الذي أعلنت فيها دول أوربية أخرى مثل: إيرلندا وإسبانيا وفرنسا وهولندا وغيرها أنها ستحترم قرار المحكمة الجنائية الدولية وستنفّذ أوامر الاعتقال “إذا لزم الأمر”، والسؤال المشروع هنا: ماذا يعني إذا لزم الأمر؟

• إضافة إلى ما ذكر فقد تم تناقل تهديدات أطلقتها شخصيات بارزة في إدارة دونالد ترامب المقبلة بفرض عقوبات على المحكمة وعلى الدول التي ستنفّذ أوامر الاعتقال، وكل ذلك لا يقلل من أهمية صدور القرار، ولا من أهمية إعلان العديد من الدول عزمها على تنفيذ المضمون، وهذا يعني الكثير، ومن المهم الإشارة هنا إلى بعض الأفكار الفرعية المتعلقة بصدور القرار، ومنها:

ــــ للمرة الأولى منذ إنشاء الكيان يصدر قرار دولي بشكل واضح وصريح يجرم قادة الكيان بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويطالب بإلقاء القبض عليهم وتقديمهم للمحكمة، وهذا تحول جوهري في المزاج العالمي.

ـــ القرار يشكل صفعة مؤلمة لإدارة بايدن نفسها لأنها الداعم الأهم للكيان وقادته المجرمين، وحتى الجرائم المرتكبة قد تم ارتكابها بأسلحة أمريكية ودعم أمريكي، وتحييد لإرادة المجتمع الدولي بمصادرة أي مشروع قرار في مجلس الأمن باستخدام حق النقض الفيتو.

ــــ مضمون القرار وتوقيت صدوره يوضح أن لائحة اتهام الكيان لا تستند إلى أية خلفية سياسية، بل هي مدعمة بالعديد من البيّنات والفيديوهات والشهادات المقدمة من منظمات دولية، ومن أفراد ومنظمات الإغاثة الدولية والصليب الأحمر الدولي، وهذا تحرك جريء للعدالة الدولية وسابقة قانونية في تاريخ العدالة الدولية، وبعض الأدلة مأخوذة من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم، وما أعلنوا عنه أمام عدسات الكاميرات، وبالتالي لا يمكن التشكيك بالأدلة.

ـــ الحكم الصادر لا يسقط بالتقادم، ولا يمكن استئنافه إلا بعد مثول المتهمين أمام المحكمة، أو تقديمهم بعد إلقاء القبض عليهم إلى عدالة المحكمة، وهذا يضع جميع الدول الموقعة على الانضمام للمحكمة أمام مسؤوليتها بشكل مباشر، وقد أشارت المحكمة بوضوح إلى: إن قبول “إسرائيل” باختصاص المحكمة غير ضروري، بسبب وجود أسباب منطقية للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت ارتكبا جرائم حرب”، وأوضحت المحكمة، أن جرائم الحرب ضدهما تشمل استخدام التجويع كسلاح حرب والقتل والاضطهاد وغيرها من الأفعال غير الإنسانية.

• أهم ما في صدور القرار أنه أنهى صلاحية استخدام مقولة: “معاداة السامية” والاتجار بها كغطاء للجرائم التي ترتكب على مدار الساعة ويندى لها جبين الإنسانية، كما أن القرار يجسد نجاحاً كبيراً في تحدي الهيمنة الأمريكية، وشق عصا الطاعة المرفوعة فوق رؤوس الجميع، وإذا كان بعض المحبطين يروجون لتسخيف القرار وعدم جدواه لأن واشنطن لن تسمح بتنفيذه، فعلى أولئك أن يتيقنوا أن القرار يشكل صفعة لواشنطن أشد من صفعة تل أبيب، وأن تحمل المسؤولية في إصداره يشكل مسماراً كبير يدق بشكل علني في نعش الأحادية القطبية، والتداعيات اللاحقة قد تأتي بشكل متسارع وبوتائر قد لا تخطر على الذهن، فالخوف من غضب واشنطن أصبح وراء الظهر، وهذا كفيل بدفع العديد من الدول للانتقال من التفكير إلى العمل الجدي للخروج من تحت العباءة الأمريكية القذرة.

(موقع اخبار سورية الوطن-١)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

شعب سورية العظيم..والمرحلة الجديدة

  الياس مراد ما حصل في سوريه قبل ايام. من اسقاط لحكم مريض. بعد اقتتال دام ١٣ عاما سببت عشرات الالاف من الضحايا.والتدمير.. يدعو الى ...