آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » كيف تسعى إلى الموت ؟ النظريّة المثلى للسعي إلى الموت

كيف تسعى إلى الموت ؟ النظريّة المثلى للسعي إلى الموت

 

محسن سلامة

ما دام الموت آخر الحياة ، فليس ما يمنع الشاعر أن يسعى إلى هذا الموت كما يسعى هذا الموت إليه :

١ _ فيعبّ من الخمرة ما يشاء ، ٢ _ و أن يكون فتى معارك القبيلة ما تشاء ، ٣ _ و أن يعشق الحسان ما يشاء

وهو القائل :

فلولا ثلاثٌ هُنَّ من عيشة الفتى و جَدٍّكَ لم أحفل متى قام عوّدي

فهل تريد أن تعرف اسم الشاعر الذي حمل رسالة موته بيديه مضمونها قطع رجليه ويديه ودفنه حيّاً

إنّه عمرو بن العبد البكريّ أوّل الشعراء الأحرار لقبه طَرَفَه ولد بالبحرين على الخليج العربيّ 543 م ، أمّه ورده أخت الشاعر المتلمّس ، مات أبوه في طفولته ، فأبى أعمامه أن يعطوه شيئاً من إرث أبيه ، فنشأ حاقداً على ذوي القربى ، فقال :

وظلمُ ذوي القُربى أشدُّ مضاصةً على النّفس من وقعِ الحسامِ المُهنّدِ

قال إنّ هذا الظلم قد يشعل نار الحرب ويلد أعظم الأخطار :

قد يبعث الأمرَ العظيمَ صغيرُهُ حتّى تظلَّ له الدماءُ تصبّبُ

اندفع عندها في طريق اللهو والشراب غير آبه بالقيم والأعراف ، فأُبعِدَ عن الأقرباء والأهل ، فقال :

وما زال تَشرابي الخمورَ ولذَّتي وبيعي وإنفاقي طريفي ومُتْلدي

إلى أن تحامتني العشيرةُ كلُّها وأُفرِدْتُ إفرادَ البعير المُعبَّدِ

وها هو في موطن آخر يرى نفسه الفتى الذي جمع كلّ خصال الفتوّة والكرم والشجاعة :

إذا القومُ قالوا : من فتىً؟ خلْتُ أنّني عُنيتُ فلم أكسلْ ولم أتبلَّدِ

وإن تبغِني في حلقة القوم تلقني وإن تلتمسني في الحوانيت تصطدِ

اشترك في حرب البسوس وكان معاصراً لملك الحيرة عمرو بن هند ، نادمه زمناً ثمّ هجاه :

فليت لنا مكان الملك عمرو رغوث حول قبّتنا تخور

. فبعث به الملك إلى عامله في البحرين مع رسالة مغلقة مضمونها سريّ ، فتحها له خاله المُتَلمّس في، وسط الطريق ، و إذا بها : إذا جاءك فاقطع يديه ورجليه واقتله حيّاً ، أبى أن يهرب مع خاله ، وسار إلى حتفه بيديه ، يُقال أنّه خُيِّرَ في الميتة التي يشاء ، فقال : إن كان ولا بدّ فافصدني و أنا أشرب الخمر ، وظلّ ينزف دماً حتّى مات ، بكته أخته الشاعرة الخرنق مرّ البكاء، قالت :

عددْنا له ستّاً وعشرين حجّة فلمّا توفّاها استوى سيّداً ضخما

كان المثل الأعلى لمذهب العرب الفتيان في الشجاعة وفي الإقبال على الملذّات في شباب وثّاب متوهّج لا يعرف الاعتدال ، شجاعة في الحرب ، ولهو في السلم ، هو صاحب نظريّة الكرم والشراب والمتعة ،

فهو صاحب فلسفة في الحياة خصال ثلاث يعيش من أجلهنّ إنّهنّ معشوقات لكلّ رجل كريم :
__ شرب الخمر صباحاً __ نجدة الخائف المذعور المُضام __ التّمتّع بجمال الحسناوات :

فلولا ثلاثٌ هنّ من عيشة الفتى وجدِّك لم أحفلْ متى قام عوَّدي

فمنهنّ سبقُ العاذلات. بشربةٍ كميتٍ متى ما تُعْلَ بالماء تُزْبِدِ

وكرّي إذا نادى المُضافُ مُحَنَّباً كَسيدِ الغضا ، نَبَّهْتَهُ ، المُتورِّدِ

وتقصيرُ يومِ الدَّجْنِ والدَّجْنُ مُعْجِبٌ بِبَهْكَنةٍ تحت الطِّرافِ المُعَمَّدِ

فكان مزاجه معتدلاً بين الجدّ واللهو ، ما دام لا يعرف أنّ بعد الموت شيئاً فهو مضطرّ إلى أن يرى الموت آخر الحياة ، فليس ما يمنعه أن يسعى إلى الموت كما يسعى الموت إليه ، فيقول :

لعَمْرُكَ إنّ الموتَ ما أخطأ الفتى لَكَالطِّوَلِ المُرْخى و ثِنياهُ باليدِ

– كانت له فلسفة في الحياة :
فالعمر كالمال ينفد في كلّ يوم يمرّ وكذا المال ينفد بالأخذ منه ، فعمر الإنسان آيل إلى النفاد لا محالة ، فيجب جمع الأمجاد قدر المستطاع قبل الموت

– أرى العيش كَنْزاً ناقصاً كلَّ ليلةٍ

– وما تَنْقُصِ الأيّامُ والعيش يَنْفَدِ

– الدّهر : المعنى أهل الدّهر ، وهذه لغة عند العرب ، قال الشاعر عنترة : هلّا سألت الخيل يا بنة مالك ، أي هلّا سألت أهل الخيل

شرح البيت : يعتقد الشاعر أنّ العمر مثل المال الذي يُدَّخر و يُكتنَز ، ينقص في كلّ لحظة تمرّ على الإنسان كالمال الذي ينقص بالأخذ منه ، فكذلك عمر الإنسان آيل إلى النفاد لا محالة
(سيرياهوم نيوز ١-صفحة الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بين مطرقة الغش وسندان «الرخص بيخوِّف».. مواد خطيرة في بيوت السوريين!

تفيض الأسواق اليوم بأنواع رديئة من المنظفات والمعقمات والصابون والشامبو ومعجون الأسنان والحلاقة والجل والمكياج وغيره حتى إنها تباع على البسطات والأرصفة بأرخص الأسعار مع ...