الرئيسية » ثقافة وفن » مفهوم الهوية الوطنية والثقافية في محاضرة قدمها من يعيشها نقاء ووفاء    

مفهوم الهوية الوطنية والثقافية في محاضرة قدمها من يعيشها نقاء ووفاء    

 

 

عبد اللطيف شعبان

 

من على منبر فرع اتحاد الكتاب العرب في طرطوس، أتحفنا الأديب مالك صقور ( رئيس اتحاد الكتاب العرب سابقا ) بمحاضرة مطوَّلة عن مفهوم الهوية لمدة ساعة، أعقبها نصف ساعة من مداخلات وحوار مع الحضور المميَّز وقد ورد فيها:

جاء في القاموس أن الهوية حقيقة الشيئ المطلقة المشتملة على صفاته الجوهرية، والحديث عن الهوية الوطنية والهوية الثقافية يتطلب الحديث عن حامل الهوية الذي هو المواطن الإنسان، فإذا مات حامل الهوية ماتت هويته معه على الصعيد الفردي، والحفاظ على الهوية الجماعية الثقافية والهوية الوطنية يتطلب الرجوع إلى المجتمع والشعب المكوّن لهذا المجتمع والبحث في قضايا المجتمع جملة وتفصيلا، وحديثنا اليوم عن الهوية الوطنية والثقافية يأتي في زمن حدث فيه انقلاب في المواقف وتلوَّنت النفوس وفسدت الطباع وتغيَّرت الأخلاق واختنقت القيم ونلاشت الفضيلة، واستشرى الزيف والنفاق والحقد والكيد والخلل والتدهور والتدني والتشرذم وشراء الذمم، وانزياح مخيف في المواقف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية والفكرية جراء الحرب الظالمة على بلدنا سورية التي شنها أعداؤها عليها، فضلا عن تفشي روح اليأس والاحباط والبطر والافراط مقابل الفقر المدقع والجوع والحرمان للإغلبية الساحقة من الشعب، فالناس يتململون من أوجاعهم أمام معتمد الخبز ومعتمد الغاز ووسائط النقل، وطبعا يتحمل المواطن جزءا من المسؤولية والمثقفون مسؤولون بشكل ما مع أنهم ليسوا أصحاب قرار، ولكنهم قادرون على الأقل أن يطرحوا سؤالا: من المُلام ولماذا ومن المذنب وما السبب والأهم ما العمل .

ومن المؤكد ضرورة ألا يغيب عن البال الحرب العالمية الظالمة على سورية وشعبها، لأكثر من عشر سنين متتالية، نفذها مجرمون متوحشون بحق الوطن والمواطن، بقروا البطون وجزوا الرؤوس وأكلوا الأكباد والقلوب، لتقويض الدولة السورية بشعبها وجيشها واقتصادها، بدعم من مئات البلدان المعادية بالسلاح والمال والمرتزقة، كل ذلك لاخضاع سورية التي هي القلعة الأخيرة، كانت وما زالت ترفض كل أشكال التبعية والتطبيع مع الكيان الصهيوني، ولكن سورية القوية الأبية بجيشها الاسطوري وشعبها العظيم بكل أطيافه الدينية والمذهبية والسياسية عض على الجراح وضرب مثالا في التضحي، وأثبت للعالم أنه شعب يستحق أن تُقبَّل الأرض تحت نعال أشرافه وأخياره ومجاهديه الذين أثبتوا أن سورية الوطن منارة هذا الشرق .

فللمواطن السوري الحق بأن يفتخر بهويته السورية الحضارية، وعالم الآثار الفرنسي الشهير ” شارل فيرلو” الذي فك رموز أبجدية أوغاريت قال: لكل إنسان وطنان وطنه الأم وسورية، علما أن الاسكندر المقدوني سبقه إلى ذلك، فحين وصل إلى سورية وشرب من نبع ماء انطاكية قال : هذا النبع يذكّرني بحليب أمي، وكان ذلك عام / 333 / قبل الميلاد، فمن سورية انطلقت رسالة السيد المسح ورسالة الاسلام شرقا حتى الهند والصين، ومن سورية انطلقت أولى المسرحيات العالمية، ومسرح عمريت الأثري المنحوت في الصخر جنوب طرطوس الذي ما زال قائما حتى الآن رغم القرون الماضية وعوامل الحت والاهمال، يؤكد أنه كان عامرا في الزمن الماضي، ومن شنوا حربهم العدوانية على بلدنا لطمس كل هذا الماضي الحضاري التليد خسئوا وباؤا بالخذلان.

حقيقة الأمر أن الثقافة عند العرب مرتبطة بالوطنية، والاستعمار بكافة أشكاله عمل على ضرب ثقافتنا بفرض ثقافته على بلادنا بالتوازي مع هيمنته السياسية وسيطرته الاقتصادية، وطمس معالم ثقافتنا الوطنية التي هي مجموع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميزنا عن غيرنا من المجتمعات، بقصد فصل الشعب عن ماضيه وعن حضارته، وهذا ما هدفت له الحرب الهمجيبة العدائية على بلدنا في سنواتها الماضبة والتي لا زالت مستمرة.

ما يوجب علينا أن ندرس المجتمع دراسة شاملة تسبر واقعه الاجتماعي الاقتصادي التربوي الثقافي وتشمل كافة الأطياف، بما يمكّن من استنتاج الحلول والوصول إلى حاجات المواطن والعمل على ضرب مهددات الهوية الوطتية المتمثلة بالفقر والتظرف والفساد والظلم والرشوة والسرقة والاستغلال وضعف سيادة القانون وضعف الاستراتيجيات التنموية، وانسداد الآفاق المستقبلية واهمال مقومات تعزيز الهوية الوطنية كالتاريخ واللغة وضعف تهيئة البيئة المناسبة لاحتضان المتميزين والمبدعين، كل هذا يولد شعورا عميقا بالظلم والاحباط ويضعف الشعور بالمواطنة، ويضعف من تجليات الهوية الوطنية المتمثلة بحب الوطن والانتماء والولاء ويحبر الناس على الهجرة.

الحاجة ماسة للعمل باتجاه كل ما يعزز مقومات الانتماء الوطني، من خلال إعادة كرامة المواطن بتمتين الوعي بالحرية والوعي بالديمقراطية، والتمكين من نشر الثقافة الوطنية وإيقاف التلاعب بلقمة عيش المواطن ولجم غول الغلاء، وإعادة هيبة المعلم والغاء التعليم الخاص وتطبيق القانون على الجميع ورجم الهوة بين المواطن والمسؤول والحد من الابتزاز والرشوة، وهذا يفرض على المثقفين أن يمارسوا دورهم في نشر العلم والمعرفة، ولا خير في المثقف ولا في ثقافته مالم يوظّف ثقافته في خدمة وطنه ومجتمعه بما يدعم الخير والحق والحرية والمساواة والعدالة

(موقع سيرياهوم نيوز-٣)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وزارة الثقافة تمنح جائزة الدولة التقديرية لعام 2024 لكل من الأديبة كوليت خوري والفنان أسعد فضة والكاتب عطية مسوح

منحت وزارة الثقافة جائزة الدولة التقديرية لعام 2024 في مجال الآداب للأديبة كوليت خوري، وفي مجال الفنون للفنان أسعد فضة، وفي مجال الدراسات والنقد والترجمة للأستاذ ...