قررت هولندا على لسان وزير خارجيتها محاسبة سوريا بموجب القانون الدولي على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وبخاصة التعذيب، على حد تعبيره.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو لماذا تتصدر الحكومة الهولندية وتأخذ على عاتقها ما تسميه محاسبة مسؤولي النظام السوري، بموجب القانون الدولي، عن “انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان”؟ هل لأن واشنطن انسحبت من محكمة العدل الدولية ودفعتها لاخذ هذا القرار.
بعد إعلان هولندا كان رد دمشق صادحاً قائلةً “من جديد تصر الحكومة الهولندية التي ارتضت لنفسها دور التابع الذليل للولايات المتحدة الأميركية على استخدام محكمة العدل الدولية في لاهاي لخدمة أجندات سيدها الأميركي السياسية واستعمالها منصة للقفز فوق الأمم المتحدة والقانون الدولي وذلك في انتهاك فاضح لتعهداتها والتزاماتها كدولة المقر لهذه المنظمة الدولية ونظامها”.
ما هي دلالة البيان السوري؟
أولاً، الدلالة الأهم والأبرز هي في سرعة الرد من قبل سوريا على هذا الحراك الهولندي بأن تقوم بتقديم هذه الدعوى أمام محكمة العدل الدولية، من أجل تشكيل ضغط سياسي جديد من هذا الباب على دمشق يوازي ويزيد من في الضغط الاقتصادي على سوريا.
عندما يتحدث البيان السوري بأن هولاندا ارتضت أن تكون تابعة للنظام الأميركي وبأن تتحرك وفق اجندتها، هذا يعني أن دمشق أيضاً توجه هذا الاتهام بانه ليس من المصادفة أن يأتي هذا الضغط السياسي عبر هذه المحكمة أو عبر الإدعاء بتقديم هذه الدعوة القضائية أمام المحكمة من أجل ما سمي بانتهاك حقوق الانسان.
وأيضاً الدلالة الثانية، هي عندما يتحدث البيان بأن هذا النوع من “التعمية” على ما قامت به الحكومة الهولاندية، والفضيحة التي كانت قبل عامين بتقديم مساعدات مالية إلى 22 تنظيم إرهابي موضوع على قائمة الارهاب.
وحتى ما يزيد في هذا العنصر الذي أورده البيان الحكومة السورية، أيضاً البرلمان الهولندي طالب وزير خارجيتها بتوضيح لماذا قام بذلك أن هولندا بالمقابل قدمت دعماً لمجموعات مسلحة انتهكت أيضاً حقوق الانسان.
العنصر الثالث، هو احتفاظ دمشق بحق الإدعاء على كل الدول التي تورطت في دعم الإرهاب، وهذا ربما أمراً جديداً تقوم به الخارجية السورية.
هل محكمة العدل الدولية هولندية؟
الحكومة الهولندية حالياً هي حكومة ائتلافية أو حكومة تعايش بين الحزب الديموقراطي المسيحي وحزب الحرية والديمقراطية الذي ينتمي إليه وزير الخارجية.
هذا الجو في هولندا منذ انتخابات 2017 هو جو أقصى اليمين وأقصى التطرف، فضلاً عن ذلك فإن وزير الخارجية هو نفسه من أقصى اليمين وعنصري ويجاهر بعنصريته.
صحيح أنه لا يتفق تماماً مع الحزب الآخر الذي هو نسخة طبق الأصل عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لكنه لا يبعد كثيراً عن هذا المنحى.
المسألة الاخرى بالنسبة لوزير الخارجية وحزبه هو خلافهم مع ترامب حول مسألة المنظمات الدولية، فعندما عاقبت الولايات المتحدة المحكمة الجنائية الدولية تصدى وقتها وزير الخارجية لكي يقول أن المنظمات الدولية قادرة أن تلبي مطالبكم من دون عقاب.
وهو يحاول الآن ان يثبت أن محكمة لاهاي يمكنها أن تلبي مطالب ترامب على اخر نقطة من دون ان تتعرض إلى انتقادات خارجية.
فهو في نهاية المطاف يريد أن يحتفظ بمحكمة لاهاي ويريد أن يثبت أن المحكمة يمكنها أن تكون أميركية.
إلى أي مدى يمكن اعتبار ما تعلن عنه هولندا نوع من الضغط فيما يخص الحل السياسي في سوريا؟
هذا لا ينفصل عن الضغط الذي جاهرة فيه بالاساس واشنطن بان كل فرض “قانون قيصر” هو من أجل جرّ دمشق إلى عملية سياسية بشروط واشنطن، وبتقديم تنازلات من أجل انجاز هذه العملية السياسية ولا ننسى أن محكمة العدل الدولية هي ليست بهذا البساطة التي تصورتها هولندا.
هي تحتاج إلى موافقة الاطراف المعنيين بالنزاعـ أيضاً هي تحتاج إلى قرارات دولية.
ولا ننسى أيضاً أن الموقف الأوروبي ليس موحداًباتجاه الحكومة السورية وتجاه العملية السياسية في سوريا، فهناك الكثير من الأطراف السياسية التي تدعم وتتمنى لهذه العملية، التي تجري أصلاً في مدينة أوروبية أن تحصل على تسهيلات دعم لللأطراف من أجل إنجازها في أقرب وقتٍ ممكن.
سيريا هوم نيوز /4/ الميادين