هدى قدور:
هل يعدّ التراث الموسيقي خطاً أحمر، أم بالإمكان تقديمه وفق رؤية حديثة وتوزيع مختلف؟ سؤال تسبب بالكثير من الجدل وخاصة بعدما قدمت بعض الفرق الشبابية أغنيات شعبية وفق أسلوب مختلف وبآلات غربية، وهو ما عدّه المهتمون بالموسيقا تخريباً للتراث والذائقة.
يختلف بعض الآباء مع أبنائهم وهم يستمعون إلى موسيقا “الراب” ويصرّون عليهم أن يستمعوا إلى أغنيات فيروز وأم كلثوم وفريد الأطرش.. لكن الشباب يرون تلك الأغنيات “دقة قديمة” فهي لا تحاكي الزمن الحاضر في المشاعر وطبيعة الحياة ولا تعبّر عن تطلعات الشباب وهمومهم، حيث راحت الفرق الشبابية رغم بساطتها وارتجالها، تتبنى تلك القضايا وتحاول أن تستقطب الجمهور الشاب نظراً لتعبيرها عن مشاكله الكثيرة.
اتهم البعض فرقة “تكات” بتغيير المقامات والإساءة إلى التراث نتيجة تغيير بعض الأغنيات الشعبية المعروفة، لكن الموسيقيين برروا ذلك بإعادة بعض الأغنيات إلى الحياة بشكل معاصر بعدما طواها النسيان، وبالتالي فإن الإساءة غير موجودة بالمعنى الدقيق للكلمة إلّا إذا كان المس بهذا التراث يعدّ جريمة! في المقابل قال النقاد إن إعادة توزيع بعض الأغنيات لا مشكلة فيه شريطة أن يضيف التوزيع الجديد جماليات لا تتوافر في النسخة الأصلية القديمة. فنحن اليوم لسنا أمام مشكلة تتعلق بتغيير المقامات، بل بتغيير الذائقة من جذورها عبر اكتساح الفنون والآلات الغربية للذائقة العربية وهذا أمر يبدو في عشرات الفرق الشبابية الموسيقية والغنائية العربية التي تستحوذ على متابعات كبيرة من الشباب العربي. هل يمكن إجبار الجيل الشاب على الاستماع إلى المطربين الكلاسيكيين والامتناع عن الاستماع إلى “الراب” مثلاً؟ بالطبع لا. ومن دون شك فإن انتشار هذه الألوان الغربية يستند في الأغلب إلى ظروف وينتج عن أسباب لابدّ من النظر إليها بشكل منطقي وتحليلها بالشكل الذي يمكن أن يؤدي إلى حلول. فالبكاء على الذائقة العربية لن يكفي لأن الأبناء يعتقدون أنهم الأكثر مجاراة للعصر الحديث ولا مجال لإحداث أثر في ذائقتهم إلّا عبر الجماليات التي تفرض نفسها.
المشكلة أن الأغنية العربية طوال السنوات الطويلة السابقة، مالت في الأغلب إلى الأغنية الهابطة “الطقطوقة” إلى درجة أن المغنين الذين قدموا فناً مختلفاً على صعيد اللحن والكلمات، يعدّون نادرين جداً. وهذا أمر يستعين به الشباب لتبرير بحثهم عن ألوان غنائية مغايرة كالأغنيات التي تقدمها الفرق المتأثرة بالفن الأوروبي والأميركي على نحو خاص.
تعاني الأغنية العربية من عدم القوننة، وسيطرة رؤوس الأموال التجارية التي لا تمتلك مشاريع ثقافية عريضة تضعها في سدة المسؤولية عن التراث والذائقة والجماليات في الاستماع، وبالتالي رزحت الأغنية العربية تحت سطوات كثيرة لم تمكنها طوال هذه الفترة من إنتاج موسيقا وأغنيات تشد الجيل الشاب وتجعله يغرم بها بالشكل الكافي. بل إن بعض النقاد يحذر من أن تبدل الذائقة قد يصبح أكثر تفاقماً خلال السنوات القادمة بحيث يتعرض التراث الموسيقي والغنائي للغياب والنسيان إذا ما استمر الأمر على هذا المنوال.
لم تقع جميع الفرق الشبابية العربية في مطب تشويه التراث وتقليد الفن الغربي، لكن وجود المؤسسات الثقافية الراعية لأداء هذه الفرق يعدّ ضرورة ملحة لأن الكثير من الشباب يمارس الغناء والعزف بلا دراسات أكاديمية أو ثقافة موسيقية تشعره بمسؤولية ما يفعله في ذائقة الجمهور. الأغنية العربية بحاجة إلى إعادة ترتيب ومأسسة حتى تعود للسير على الطريق الصحيح.
سيرياهوم نيوز 6 – تشرين