بينما تتكثف الدعوات الرسمية من “حزب العدالة والتنمية” لتعديل الدستور التركي، تتصاعد في الأوساط السياسية المعارضة تحليلات تشير إلى نيّة الرئيس رجب طيب أردوغان التمهيد لولاية رئاسية رابعة، رغم أن الدستور الحالي لا يسمح له بذلك. ومع ذلك، توحي مؤشرات عدّة بأن الرجل، الذي هيمن على الحياة السياسية في تركيا لأكثر من عقدين، قد يكون في طور التحضير لمرحلة “ما بعد أردوغان”، وسط ترجيحات بوجود صراع خفيّ داخل دوائر الحكم بشأن خلافته.
معركة الدستور: بين الإصلاح والتمديد
فيما تروّج الحكومة التركية لمشروع تعديل الدستور باعتباره ضرورة وطنية لتكريس الحريات وتوسيع الحقوق، تتهم المعارضة أردوغان بالسعي لتأمين ولاية رئاسية جديدة. وقال الرئيس التركي خلال زيارة رسمية للمجر: “التعديلات الدستورية ليست من أجل ترشحي، فأنا لا أهتم بترشحي، بل أريد أن تصبح تركيا أفضل”.
إلا أن هذا التصريح، الذي فُهم منه تخلٍّ ضمني عن الترشح، قوبل برفض غير مباشر من حليفه في السلطة، زعيم “حزب الحركة القومية” دولت باهجلي، ما عزّز الشكوك بخصوص وجود خلافات داخلية بشأن المرحلة المقبلة.
لماذا يخشى أردوغان مغادرة السلطة؟
ترى أوساط سياسية ومراكز دراسات تركية أن مغادرة أردوغان للمشهد قد تؤدّي إلى “انهيار المنظومة التي أنشأها”، بدءاً من توازنات المؤسسة الأمنية والعسكرية، مروراً بالشبكات الاقتصادية، وصولاً إلى تماسك “حزب العدالة والتنمية” نفسه.
كما يخشى المحيط الرئاسي من موجة محاسبات قضائية قد تطال مقرّبين من النظام، ومن عمليات انتقام سياسي قد تقودها قوى المعارضة إذا عادت إلى السلطة.
أبناء العائلة في السباق: بلال، بيرقدار، والبيرق
وإنْ قرر أردوغان عدم الترشح، فمن سيحمل إرثه السياسي؟ ثمة من يرى أن دائرة العائلة هي الأجدر بثقته:
بلال أردوغان، نجله، يُعدّ من المرشحين المحتملين، ويحظى بدعم والده. ينشط في المشهد السياسي من خلال خطاباته المؤيدة لفلسطين، ويدير جمعيته الثقافية والدينية “تقوى”. ويترأس نادي “إيدنسبور” الرياضي. لكنه، على عكس والده، يفتقر إلى الكاريزما والخطابة.
سلجوق بيرقدار، زوج ابنته سميّة، مهندس ورجل أعمال، اشتهر بفضل طائرات “بيرقدار” المسيّرة التي أسهمت في تعزيز الصناعات الدفاعية التركية. يحظى بشعبية لدى الشباب، ويُنظر إليه كشخصية قادرة على جذب أصوات من خارج القاعدة الإسلامية، لكنه يفتقر إلى الخبرة السياسية والقدرة الخطابية.
برات البيرق، زوج ابنته إسراء، شغل سابقاً منصب وزير الخزانة والمالية، لكنه أثار جدلاً واسعاً عقب استقالته المفاجئة عبر “إنستغرام”. يتمتع بنفوذ إعلامي كبير بفضل شبكة إعلامية يديرها والده، لكنه يواجه معارضة قوية داخل الحزب، وتُحمّل سياساته الاقتصادية مسؤولية تفاقم الأزمة المالية في البلاد.

من خارج العائلة: هاكان فيدان ونعمان كورتولموش
هاكان فيدان، وزير الخارجية الحالي ورئيس الاستخبارات السابق، يتمتع بخبرة أمنية وديبلوماسية واسعة، ويميل إلى الخطاب الهادئ. لكنه يواجه انتقادات داخل الحزب الحاكم، خصوصاً بعد ادعاءات تورّط ابنه في فضيحة أخلاقية أثّرت على صورته العامة.
نعمان كورتولموش، سياسي مخضرم يشغل منصب نائب رئيس “حزب العدالة والتنمية”، ويُنظر إليه كخيار توافقي لتجنب الصراعات داخل العائلة الحاكمة. يتميز بخطابه المتزن ومواقفه المحافظة، لكنه يفتقر إلى قاعدة جماهيرية مؤثرة.
مفترق 2028: ترشح أم انتقال منظّم للسلطة؟
من غير الواضح حتى الآن إمكان ترشّح أردوغان في انتخابات 2028. مصادر مقربة من الحزب تقول إن القرار سيتحدد وفق نتائج استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات؛ فإن أظهرت تقدّماً للمعارضة، فقد يفضّل أردوغان الخروج المشرّف بدلاً من المخاطرة بالخسارة. أما إذا شعر بأن غيابه سيؤدّي إلى تفكّك الحزب، فقد يترشح مجدداً، بشرط تعديل الدستور.
ويعوّل أردوغان على الحوار مع حزب “ديم” الكردي لتمرير تعديل دستوري يتيح له الترشح دون اللجوء إلى استفتاء شعبي، في إطار صفقة أوسع تشمل إصلاحات تتعلق بالحقوق الكردية، وسط حديث متزايد عن مسار سلام جديد مع الأكراد.
تركيا تدخل مرحلة ما بعد أردوغان
سواء قرر أردوغان الترشح مجدداً أو لا، فإن تركيا بدأت فعلياً دخول مرحلة “ما بعد أردوغان”، حيث تتقاطع الحسابات السياسية والعائلية والحزبية في صراع محتدم على خلافة الرجل الذي غيّر وجه البلاد لعقود. ويُطرح السؤال الأكبر: من سيرث السلطة، وكيف ستتشكّل توازنات الداخل التركي بعده؟
اخبار سورية الوطن 2ـوكالات _النهار اللبنانية