ياسمين الناطور
في قلب الجنوب السعودي، تربض منطقة عسير شاهدة على ذاكرة سياحية تنبض بالحياة، كما تصفها نورة مروعي عسيري، مستشارة الإعلام السياحي والمرشدة السياحية، التي تؤكد أن ما عاشته المنطقة من تحولات وتجارب يجعل منها ثروة وطنية لا تُقدّر بثمن.
من ربوع السودة التي يلفّها الضباب إلى شوارع حي ذرة العتيقة، مرورًا بـجبال الحبلة وشلالاتها التي يعزف فيها الماء لحنًا لا يُنسى، تروي عسير فصولًا من الجمال والذكريات.
تقول نورة: “الكرم في عسير ليس طارئًا ولا طيفًا عابرًا، بل هو راسخ في الجذور، تغذّيه تضاريس المنطقة وتنمّيه عاداتها.”, وتضيف أن تنقل القوافل بين السهول والسواحل شتاءً، وصعودها إلى المرتفعات صيفًا، خلق نمط حياة فريدًا ينعكس في تفاصيل الثقافة العسيرية، حيث يزدان المشهد بـ”برد عسير” كأنه تاج مرصّع بالبلّور واللؤلؤ على رأس أميرة.
وعلى جنبات الطرق، تبدأ رواية أخرى. باعة الفاكهة الموسمية يعرضون التين الشوكي – أو البرشومي – والعنب والرمان والتوت، في مشهد يوحي خصوبة الأرض وكرم السماء. وتفوح رائحة خبز التنور من أيدي الجدات، وقد خُطّت “القبضة” على الأرغفة.
قافلة السياحة… لحظة تحوّل
وتشير نورة إلى أن التحوّل الكبير في السياحة بعسير بدأ مع إطلاق قافلة السياحة، المبادرة التي أطلقها الأمير خالد الفيصل حين كان أميرًا للمنطقة، والتي دشّنت مرحلة جديدة من الوعي بالمقومات السياحية. من ساحة البحار إلى الساحة الشعبية، كانت الفرق الشعبية تؤدي رقصاتها كفرسان في ميدان الحب لا الحرب، على أنغام التراث والفولكلور.
وفي عام 2017، اختيرت أبها عاصمةً للسياحة العربية، وهو ما وصفته عسيري بأنه تتويج لسنوات من التخطيط والعمل، وانطلاقة حقيقية مع رؤية السعودية 2030، التي أعادت تعريف السياحة كقطاع استراتيجي يشهد نموًا متسارعًا وتحولًا نوعيًا. “عروس الجنوب”…
ليست مجرد لقب
وترى نورة أن لقب “عروس الجنوب” ليس وصفًا شعريًا فحسب، بل يعكس حقيقة موقعها الجغرافي ومناخها المعتدل ومرتفعاتها الخضراء التي يعانقها الضباب كل صباح. وتستشهد بأبيات الشاعر الدكتور إبراهيم أبو طالب الذي قال:
أبها الجَميلةُ جَنَّةٌ في سِحْرِهَا
وقَصيدةٌ نَشْوَى يَرِقُّ غِناها
أبها بين التاريخ والحداثة
قبل أن تكون مدينة سياحية حديثة، كانت أبها حاضرة تاريخية وثقافية. فهي العاصمة الإدارية لمنطقة عسير، ومركز غني بالتراث العمراني، وشريك أساسي في بناء الدولة السعودية الحديثة، ومنبع للهوية الثقافية التي حافظت على تفرّدها عبر الأجيال.
ومن أبرز المعالم التي تُجسّد هذه الهوية، تقول نورة إن قلاع آل أبو نقطة المتحمي وحصونهم في طبب التاريخية، تمثل رمزًا تاريخيًا مهمًا، وقد شكّل اعتمادها ضمن قائمة مواقع منظمة السياحة العالمية (UNWTO) نقطة تحول مفصلية في مسار السياحة بعسير، لما تمثله من اعتراف دولي بالتراث، وتحفيز للاستثمار، وتفعيل لدور المجتمع المحلي في الحفاظ على الموروث.
القط العسيري… حكاية مرسومة بالألوان
وتُبرز نورة فن القط العسيري كأحد أجمل أوجه الثقافة المحلية، مشيرة إلى أن هذا الفن الجداري، الذي مارسته النساء في عسير بتلقائية ومن دون تعليم رسمي، يُجسّد روح المجتمع العسيري ويُعبّر عن الذوق الشعبي والوظيفة الاجتماعية في آن واحد. وتضيف أن إدراج القط العسيري ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي في اليونسكو عام 2017 شكّل اعترافًا عالميًا بأصالته، ويمكن مشاهدته اليوم في المنازل القديمة، المتاحف، القرى التراثية وحتى الفنادق.
التحوّل السياحي… خطوات نحو العالمية
ترى نورة أن ما تغيّر أخيراً ليس في مظاهر السياحة فحسب، بل في الرؤية التي تتبناها القيادة السعودية، وما تقدّمه وزارة السياحة وهيئة تطوير عسير من برامج ومبادرات، أبرزها برنامج تنمية رأس المال البشري السياحي، الذي يساهم في بناء قطاع احترافي بمقاييس عالمية.
وتؤكد أن هذا التوجه تُوّج بالإعلان عن استضافة المملكة لكأس العالم 2034، واختيار مدينة أبها ضمن المدن الخمس المضيفة، وهو ما اعتبرته حدثًا سياحيًا بامتياز، لأنه سيجمع بين كرة القدم العالمية وطبيعة عسير الساحرة، لتكون وجهة لا تُنسى لعشّاق الساحرة المستديرة من مختلف أنحاء العالم.
“أبها ليست وجهة… إنها شعور. إنها المكان الذي تشعر فيه أنك وصلت حيث ينتمي قلبك”. بهذه العبارة تلخّص نورة تجربتها كمُرشدة، مؤكدة أن السائح قد يلفته جمال المشهد، لكن ما يأسره فعلًا هو قصة المكان، ومن مرّ من هنا، ومن عاش هناك. “فحين تقترن الصورة بالحكاية، تصبح الذكرى حيّة لا تُنسى… وهذه هي السياحة الحقيقية”.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار