عندما تلملم البيوت الدمشقية ياسمينها وتفترشه لتغفو في أحضان الليل العابق بعطر النارنج والفل، حينما تتسابق العرائش لتتسلق الجدران العتيقة وتحتضن عناقيدها لتدفئها في عتمة الدجى، عندها تُغلق أبواب وبوابات الحارات والأزقّة التي هدهدتها الورود الجورية لتنام مع ساكنيها بأمان وسلام، ويجلس الحُرّاس تسامرهم المواقد شتاء، وأباريق التوت الشامي والعرقسوس صيفاً حتى انبلاج الفجر ليفتحوا بواباتهم ويعلنوا بدء صباح دمشقي جديد..
كانت أحياء دمشق في عصورها السابقة مقسمة إلى وحدات ومجموعات سكنية موزعة على أساس النسب أو المهنة.. وكانت الحارات والأزقّة والدخلات ضمن كل حيّ تشكل وحدة متكاملة لها حماماتها وسويقاتها وأماكن العبادة فيها، ومن الطبيعي أن يكون لكل من هذه الأماكن نظام يحميها من غارات اللصوص والأشقياء والمعتدين، فكان أن جُعل لكل منها “بوابة” أو “باب” يفتح أثناء النهار ويغلق في المساء أو عند توقع الخطر.. وهكذا يسكن الناس متجاورين ومتعاونين ومتضامنين في كتل صغيرة من الدور تنفتح أبوابها على بوابات خارجية، تفصلها عن الأزقة الأخرى أبواب عامة متقدمة أو متأخرة على أزقة ضيقة ملتوية تنفذ إليها أبواب البيوت القديمة التي كانت تصنع على شكل مصغر من أبواب الحارات التي تعتبر جزءاً من تاريخ فنّ العمارة العربية القديمة.. فقد كانت تُصنع من الخشب قطعة أو درفة واحدة ومنها ما يغلف بالزنك تدق فيه المسامير على شكل تربيعات هندسية، وآخر خشبي من النوع المقوى بالمسامير الفولاذية، وقد يكون الباب بسيطاً له درفة واحدة أو كبيراً ضخماً مؤلفاً من باب مرتفع يتوسطه آخر صغير، ونختار بعض النماذج من أبواب وبوابات دمشق والتي رصدها الدكتور الباحث قتيبة الشهابي في مؤلفاته عن دمشق.
باب المصلّى
يقع في محلة عند حي الميدان التحتاني، والاحتمال الأكبر بإطلاق اسمه أن يكون من قبيل المجاز نسبة لجامع (مصلّى العيدين) القائم في تلك المحلة والذي كان الحكام والعلماء والأعيان يؤدون فيه صلاة عيدي الفطر والأضحى، والذي يعتقد بإنشائه في العهد السلجوقي بدلالة حاجز خشبي ثمين عثر عليه فيه وهو مؤرّخ سنة (497هـ)، ولكنه قد يكون منقولاً إليه من مكان آخر. كذلك قد يكون إطلاق الاسم نتيجة وجود باب أو بوابة حارة كانت معبراً للقوافل في هذا الموضع، أو احتمال كونها نقطة علام.
باب السريجة
هو حي يقع إلى الغرب من ساحة باب الجابية بين القنوات وقصر حجاج، وقد ورد أول ذكر له في مؤلفات العهد المملوكي ما يؤكد على نشوئه في ذلك العهد, وتعود تسميته إلى وجود احتمالين: الأول أن تكون اللفظة من العامية الدمشقية بعد قلب السين شيناً، والثاني: أن تكون محرّفة عن السريانية. أما إطلاق اسم “باب” على هذه المحلة فقد يكون بمعنى نهاية أو طرف أو آخر المحلة وليس من الضروري وجود باب، أو يكون بسبب وجود بوابة فعلية في ذلك الموضع عندما كانت الحارات الدمشقية تزود بالأبواب أو البوابات.
هذا ونذكر من أبواب الحارات: باب الآغا، الخواصين، الهوى، لننتقل الى بواباتها.. منها: بوابة الآس، زقاق البرغل، الشويكة، الصالحية، عين الكرش.. ونختار من هذه البوابات: بوابة زقاق البرغل.
تقع في سوق النسوان داخل باب الجابية بين سوق القطن وجادة البدوي، ولا تزال قائمة إلى يومنا هذا في مدخل الزقاق، وتعتبر نموذجاً لبوابات الحارات والأزقّة في دمشق في العهد العثماني، وتتألف من باب كبير خشبي مصفح بصفائح ومسامير معدنية وبداخله باب صغير منخفض يعرف باسم “باب خوخة”، وهو الذي يفتح لمرور الراجلة من الناس عند إغلاق الباب الأكبر في الليل، وتعود تسميته لصلته بتجارة البرغل آنذاك أو أن سوقاً لبيعه كانت هناك أو أن مطحنة لجرشه كانت قائمة.
بوابة الصالحية
تقع غربي سوق ساروجه وتنسب إلى قرية الصالحية في سفوح جبل قاسيون الجنوبية، أما اسم البوابة فيعود إلى احتمال وجود بوابة لحماية محلة سوق ساروجه التي نشأت في العهد المملوكي شأنها في ذلك شأن بقية البوابات..
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية