وسام كنعان
من جامع «لالا باشا» في «شارع بغداد» إلى مقبرة «باب الصغير» في الحي نفسه، كانت الرحلة الأخيرة للسيناريست الفلسطيني السوري هاني السعدي (1949 ـــــ 2025) في شوارع دمشق بعدما انطفأ صباح الجمعة الماضية وووري الثرى ظهر السبت.
هكذا، ودّع السعدي مدينته التي نشأ وعاش فيها كل سنين عمره، محاطاً بعائلته وجموع رفاقه وزملائه ومحبيه. الكاتب المرموق بدأ مشوار حياته على درب التهجير من فلسطين وتحديداً من قرية «صفورية» (قضاء الناصرة)، وكان لا يزال جنيناً ينمو في رحم أمه واستقر منذ طفولته في منطقة «عين الكرش» في قلب الشام!
عمل والده مزارعاً وبائع خضر وفاكهة وورث هذه المهنة كأول اختيار لاستمزاج الشارع وقراءة أفكاره، بينما كان يجرّ عربة خضر ويدور فيها كبائع جوّال في شوارع العاصمة الراقية. لاحقاً، كتب من وحي هذه التجربة الفيلم التلفزيوني «خيال بائع جوال» وأخرجه الراحل حاتم علي.
انتقلت الأسرة في طفولته إلى حيّ جوبر، ثم إلى حيّ الميدان، قبل أن تعطيهم هيئة الأمم المتحدة أرضاً في مخيم اليرموك لبناء منزل عليها. وبينما كان الفقر عدوّهم اللدود، تمكّن الصبي من إكمال دراسته مع إخوته في مدارس «الأونروا». وبعد حصوله على الثانويّة العامّة، التحق بدار المعلمين، وعيّن أستاذاً في دمشق في مطلع السبعينيات.
هناك بدأ يمرّن خياله على صوغ الحكايات التي كان يرويها لطلابه في الدقائق الأخيرة من كلّ حصّة. ورغم عمله في التمثيل في بدايات مشواره مع الفن، إلا أنّه استكان لنصيحة صديقه القديم هيثم حقي (شيخ المخرجين السورين) وتفرّغ للكتابة التلفزيونية، لكن المفارقة بأن أوائل أعماله مثل «دائرة النار» و«حارة نسيها الزمن» و«غضب الصحراء» و«البركان» مُنعت كلّها بكلمة رقابية واحدة هي «مرفوض»!
بعدها، تمكّن من بيع مسلسله «حارة نسيها الزمن» للمنتج الأردني عبد الرحمن العقرباوي، فنُفِّذ العمل في عمّان وأخرجه سالم الكردي في عام 1991. بعد عرضه على محطات عربية عدّة، قرر السعدي تقديم الأعمال المرفوضة مرةً ثانية… فتمّت الموافقة عليها، لتبدأ رحلته مع النجاح والشهرة، انطلاقاً من مسلسل «دائرة النار» لهيثم حقي الذي كان أول عمل سوري يصوّر خارج الاستوديو، وبكاميرا واحدة.
صارت الفانتازيا التاريخية ماركةً سوريةً مسجلة باسمه، وحفرت مكانتها على خريطة الدراما العربية من «الجوارح»، إلى «الكواسر»، و«البواسل»، و «الفوارس» وصولاً إلى «الموت القادم إلى الشرق». سلسلة كان شريكه فيها المخرج نجدت أنزور، وصنعت شهرتهما عربياً معاً.
غزارته في الكتابة (كتب قرابة 50 مسلسلاً) لم تفقده مكانه كأحد أشهر كتّاب التلفزيون في سوريا، والأعلى أجراً بينهم خلال مدة طويلة! رُزق بخمس بنات اشتغل بعضهن في التمثيل وحققت ابنته روعة شهرة طائلةً وصارت من بين الممثلات المكرّسات في بلادها. ومن تجربته الحيوية نسج حكاية مسلسله الشهير «أبو البنات» (7 حلقات ـــ إخراج نذير عواد ـــ 1995) لعب بطولتها أسعد فضة وحققت حضوراً لافتاً كونها تعاين قضية مجتمعية حساسة. رفض كلّياً النتائج التي ظهرت عليها بعض مسلسلاته، وخصوصاً مسلسل «سفر الحجارة» (إخراج يوسف رزق») ومسلسل «آخر أيام الحب» (إخراج وائل رمضان).
أثناء تشييعه، حضر نجوم الدراما السورية وحرص بعضهم على حضور مجلس عزائه من بينهم المخرج هيثم حقي والسيناريست سامر رضوان، والممثلون تيسير إدريس، وقاسم ملحو، وأحمد مللي، وفراس إبراهيم وتحدث غالبيتهم لنا عن قيمة الرجل ومناقبه، فيما برّر بعضهم انقطاع الوسط الفني عنه في آخر سنوات عمره بسبب «إصابته بالزهايمر إلى درجة لم يعد يعرف أحداً من أصدقائه وزملائه».
أخبار سوريا الوطن١ الميادين