بعد إعلان الهدنة والاتفاق على تبادل الأسرى بين “حماس” و”إسرائيل”، برز اسم الأسيرة الفلسطينية إسراء جعابيص، التي تُعَدّ إحدى الأيقونات الفلسطينيات داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي. فمن هي إسراء المعتقلة منذ عام 2015؟
رضا زيدان
في ثاني أيام اتفاق الهدنة الموقتة، التي أُنجزت بين “إسرائيل” وحركة “حماس” بوساطةٍ قطرية ومصرية، أفرج الاحتلال الإسرائيلي عن الأسيرة الفلسطينية، إسراء جعابيص، المعتقلة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2015.
الإفراج عن الأسيرة جعابيص وعدد من الأسيرات والأسرى الأطفال يأتي بعد أنّ تحرر 39 أسيرة وأسيراً قاصراً من سجون الاحتلال، يوم أمس الجمعة، ضمن الدفعة الأولى من اتفاق الهدنة.
روت إسراء جعابيص قصّتها من خلال كتابها “موجوعة”، الذي صدر في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، إذ عبّرت من خلاله عن آلامها ومعاناتها داخل سجون الاحتلال.
وقالت في مقدمته: “هذا الكتاب هو باكورة أعمالي من داخل الأسر، لعلّ صفحاته تنقل معاناة مُنعت من النشر”. وأهدته إلى مجموعة من المقربين إلى عائلتها، وإلى الأسيرات والأسرى ممن كان لهم صلة بها داخل السجن.
من هي إسراء جعابيص؟
تقبع في سجون الاحتلال 31 أسيرة و160 طفلاً وطفلة، وفق تقريرٍ صادر عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين عام 2023، وتُعَدّ الأسيرة جعابيص بين الأسيرات العشر الأقدم في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
إسراء جعابيص أسيرة مقدسية من قرية جبل المكبر جنوبي القدس، من مواليد عام 1986. تحمل هوية القدس، وهي متزوجة ولديها طفل اسمه معتصم (14 عاماً).
يعيش ابن إسراء جعابيص الوحيد معتصم مع جدته وخالاته في مدينة القدس، بعد تعرّض زوجها لحادث سير أقعده على كرسي متحرك.
وكانت تدرس التربية في الكلية الأهلية في بلدة بيت حنينا شمالي القدس المحتلة، كما أنّها عملت في دار للمسنين، إلى جانب مشاركتها في الفعاليات الترفيهية التي تعقد للطلاب والطالبات في مدارس القدس ومؤسساتها.
اعتقال وحشي وبتر أصابع
في الـ11 من تشرين الأول/أكتوبر 2015، أثناء عودة إسراء من مدينة أريحا إلى القدس المحتلة، وقرب حاجز “الزعيم”، تعطّلت سيارتها، فأطلقت قوات الاحتلال النيران على السيارة، الأمر الذي أدّى إلى انفجار أسطوانة غاز كانت فيها، وفقاً لما أوردته عائلتها بشأن تفاصيل الحادثة.
وتعرّضت إسراء، نتيجةً لذلك، لحروقٍ تراوحت بين الدرجة الأولى والدرجة الثالثة، وأصابت نحو 60% من جسدها، وفقدت أصابع يديها كافّة، وتشوّه وجهها، والتصقت أذناها برأسها، وفقدت قدرتها على رفع يديها نتيجةً لالتصاق الجلد في مناطق متعددة.
وعلى الرغم من إصابتها، فإن شرطة الاحتلال وجنوده استنفروا ولم يسمحوا بوصول سيارة الإسعاف من أجل معالجتها. وبعد ساعات نُقلت إلى المستشفى وجرى تقييد يديها، كما لو أنها “مجرمة”، وتمّ بتر أصابعها بصورة شبه كاملة.
وبشأن هذه الحادثة، روت شقيقة إسراء أنّ الاحتلال أحضر إلى المستشفى مُجنّدة ذات أصابعٍ جميلة، وعندها سألت المجندة الأسيرة إسراء: “ما رأيك في أصابعي؟”، فأجابت إسراء بأنّها جميلة، فردّت المجندة: “أمّا أنتِ فليس لديك أصابع”. فلما أنكرت إسراء هذا الأمر، حاولت النظر إلى أصابعها وهي مُقيّدة بالسرير. وفي تلك اللحظة، قالت المجندة: “تستحقين بتر أصابعك”.
محاكمة غير عادلة
وعند محاكمتها ألصق الاحتلال بها تهمة الشروع في قتل جنود إسرائيليين، وحُكم عليها بالسجن مدّة 11 عاماً. وكانت شرطة الاحتلال أعلنت في البداية أنّه حادث سير عادي، لكن الإعلام الإسرائيلي تناول الخبر على أنه استهدافٌ لجنود الاحتلال. وعلى الرغم من اكتشاف المحققين وجود أنبوبة غاز فارغة في سيارة إسراء، الأمر الذي أكّد أنّ الانفجار سببه الوسادة الهوائية في السيارة، فإنّ الاستخبارات الإسرائيلية ادَّعَت أنّ إسراء كانت في طريقها لتنفيذ عملية ضد الجنود الإسرائيليين.
وأمضت إسراء ثلاثة أشهر وعشرة أيام في المستشفى، وتمّ بعد ذلك نقلها إلى مستشفى سجن الرملة، الملقّب بـ”المسلخ”. وعُقدت لإسراء جلسات محاكمة من داخل المستشفى، بسبب صعوبة نقلها إلى المحكمة نتيجة حالتها الصحية الحرجة، إذ وُجّهت إليها لائحة اتهام بمحاولة تنفيذ عملية لقتل جنود إسرائيليين. واستندت نيابة الاحتلال عند تلفيق هذه التهمة إلى بعض العبارات المنشورة في صفحتها في “فيسبوك”.
وبعد مُداولات ونقاشات داخل المحاكم الإسرائيلية استمرّت عاماً كاملاً، حُكم على إسراء بالسجن 11 عاماً، وبدفع غرامة مالية مقدارها 50 ألف شيكل. وصدر الحكم في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2016. وبعد إصدار الحكم جرى نقلها إلى سجن هشارون للأسيرات، ومنع الاحتلال زيارة عائلتها لها عدّة مرّات، ومنع طفلها معتصم من زيارتها، والذي كان ابن 6 أعوام عند اعتقال والدته.
وفي شهر كانون الثاني/يناير 2018، كانت إسراء في جلسة للمحكمة العليا الإسرائيلية للنظر في استئناف على رفض المحكمة المركزية طلباً للإفراج المبكر عنها بسبب وضعها الصحي، حينها سألتها مراسلة قناة الميادين، هناء محاميد، عن حالتها، فأجابت إسراء جعابيص: “في أكثر من هيك وجع! وجعي مرئي. شغلتي طوّلت.. ولا علاج”. وكشفت عن كفّها وأصابعها المبتورة للكاميرا. وفي النهاية، رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية الاستئناف، وقررت مواصلة اعتقالها.
الاحتلال يتعمّد الإهمال الطبي
سحبت السلطات الإسرائيلية بطاقة التأمين الصحي من الأسيرة إسراء جعابيص، في اللحظة التي جرى إصدار قرار الحكم عليها. كما أنّ الاحتلال منعها من تلقي العلاج الذي تحتاج إليه، وتعمّدت إهمالها على الرغم من حاجتها إلى ثماني عمليات جراحية، كما منعت عنها إدارة السجن المسكنات والأدوية التي تحتاج إليها، واكتفت بتوفير مرهم لتبريد الحروق لا تزيد سعته على 20 ملم، يصرف لها كل 3 أيام، وهي كمية قليلة لا تكفي لعلاج حالتها.
وبشأن أوجاع إسراء تقول الأسيرة المحررة حلوة حمامرة إنّ “النساء المعتقلات كنّ يستيقظن ليجدن إسراء واقفةً تحت الماء البارد من شدّة ألم الحروق الذي تشعر به، وأحياناً يستيقظنَ على صوت أنينها من شدّة الوجع”.
وعلى مدار أعوام الاعتقال، أطلقت عدّة مؤسسات معنية بالقضية الفلسطينية وبقضايا الأسرى حملاتٍ تضامنية لمواجهة سياسات الاحتلال القمعية، واستنكاراً لسياسة الإهمال الطبي الذي يمارسه الاحتلال بحق إسراء.
وفي عام 2018، أطلقت عائلة إسراء جعابيص حملة “أنقذوا_إسراء”، للتذكير بمعاناة ابنتها، ومن أجل الضغط على إدارة سجون الاحتلال لإدخال أدوات شخصية لإسراء في سجنها.
آنذاك، قالت شقيقة إسراء جعابيص إنها لا تستطيع غسل أسنانها وارتداء ملابسها، أو الأكل من دون مساعدة زميلاتها في الأسر، وإن إدارة سجون الاحتلال رفضت إدخال كأس زجاجية، ووافقت على إدخال كأس بلاستيكية، ورفضت استبداله طوال عامين ونصف عام.
وحصلت الأسيرة إسراء جعابيص على شهادة الثانوية العامة داخل المعتقل، ثم انتسبت إلى جامعة القدس المفتوحة، ونالت درجة البكالوريوس بتخصص الخدمة الاجتماعية عام 2020، داخل سجن الدامون.
وبعد كل هذا الألم، تأمل عائلة إسراء جعابيص أن تستطيع معانقة ابنتها مرّةً أخرى، بعد الإفراج عنها في إطار صفقة التبادل، لتكون الحرية مدخلاً لبدء رحلة علاج قد تطول، على أمل أن تستطيع إسراء مواصلة حياتها رفقة أسرتها.
سيرياهوم نيوز1-الميادين