هنادة الحصري:
في هذا الضجيج الفكري لم يعد لزوماً مفهوم المقدمات تتلوها النتائج، فهناك أحكام قيمة لم تعد تخضع لمعايير، تغير السلم الأخلاقي على هذا فالحقيقة قابلة للأخذ والرد ولا أحد يمتلكها، وصارت موازين العدالة نسبية بحتة، هذا على صعيد العلاقات الإنسانية عامة وإذا حاولنا رصدها سنلاحظها في كثير من الصحف.
ففي إحدى الصحف الغربية طالعتنا مقالة تتحدث عن شخصية ” كونداليزا رايس” و مساهمتها الإنسانية… الخ مع أننا لم ننس بعد منظر الدماء تغطي غزة وجولاتها المكوكية إلى الكيان الصهيوني فكيف يفسر حكم القيمة هذا؟!…..
في أسبوعية فرنسية مشهورة طالعنا رئيس تحريرها باختياره بنيامين نتنياهو رجل العام 2010 رغم تاريخه الإجرامي ورغم العداء المتنامي للصهيونية في العالم أجمع؟!…
الحال كذلك في معظم الصحف العربية التي دارت في فلك المهرولين فقد كثر الجدل حول جائزة بوكر العربية وقد أثارت النتيجة عدداً كبيراً من المفكرين الذين يرشحون المبدع الفلاني أو المبدعة الفلانية، ألا يخضع الإبداع لأحكام قيمة؟.
نقطة أخرى كثيراً ما نقرأ مقالات لأقلام تنتقد وتحلل… الكل يريد أن يكتب ويقيم الاّخر بطريقة تظهر فيها موهبته الفذة و هي مقالات لا مبرر لها سوى مشاعر عدوانية أو تصفية حسابات متناسين أنه أثناء محاولة تدمير الاّخر يموت قسم من الأنا..
و قد فسر كثير من العلماء هذه الحالة بأنها خلل في السلامة النفسية، لأن السلامة النفسية تنعكس على أداء الإنسان مهنياً واجتماعياً.. يقول لارو شفوكو: “عندما نعجز عن إيجاد الرضا داخل نفوسنا فلا جدوى من البحث عنه في مكان اّخر”.
لقد قام الغرب بوضع مناهج علمية تعلم الإنسان كيف يحترم الآخر و كيف يتعامل مع الحياة، فالنقد هو من اختصاص نقاد أكاديميين ولدينا نقاد على درجة مهمة من المستوى ولكننا نفتقر إلى ما يسمى الحركة النقدية.
صحيح أن الإنسان حر في آرائه وأحكامه ولكن ما نحتاجه للأسف هو الرؤية المتعددة للآخر، واحترام حقه في التعبير و لكن بعضنا لا بتقن إلا ثقافة الإلغاء..
يقول أحدهم: “من السهل أن ينتقد المرء ولكن من الصعب أن يدرك بأنه هو الأحمق الوحيد، فالحماقة هي أن يقرر المرء تعيين نفسه حكماً على الآخرين “فمن نحن حتى نحاكم الآخر؟ و لو افترضنا أن رأينا هو الصواب بعينه فهل كل الأحكام الأخرى خاطئة بالضرورة؟.
نحن نختلف وهذا لا ينفي حقنا في الاختلاف وحق الآخر في القبول أو الرفض لكن لنمتلك ثقافة احترام الآخر فالأحكام نسبية.
إن رفض الآخر ونقد الاختلاف هو أصل العنف المتزايد يومياً لأن النقد غير الأكاديمي يعوق تطور الفرد الضعيف وقدرته على تجاوز الهنات ولكنهم يرون أن إلغاء الآخر هو نجاحهم لأن نجاح الآخر يعني فشلهم فأين الوعي الحضاري؟.
إن الكتابة هي فعل الصداقة مع داخلنا ومع الحياة وبهذا نتصالح مع داخلنا ومع الحياة فلندع منطق الحياة يمشي و كفانا تهجماً تكفينا سحنة الحياة المتجهمة والمزيد من الخيبات لقد هرمنا و نحن لم نكبر بعد لقد بدأت فيروسات العالم الحديث تقتحمنا ونتقبلها فلماذا لا نتقبل وجه العالم الآخر الجديد.
هل ثمة مغالاة أن صوتنا سيضيع في شريط الزمن؟.
سيرياهوم نيوز 6 – سانا