آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » أحمد غانم ناشطاً فيسبوكيًّا: تحولت صفحته الى منبر حواري مهم تبنى من خلالها مشروع التنوير والعقلانية والرأي الاخر 

أحمد غانم ناشطاً فيسبوكيًّا: تحولت صفحته الى منبر حواري مهم تبنى من خلالها مشروع التنوير والعقلانية والرأي الاخر 

 

*أحمد علي محمد

 

 

من المؤسف، بل لعله من سوء حظي أني لم أتعرّف إلى الأستاذ أحمد غانم بشكل مباشر، رغم وحدة المكان الذي انتمينا إليه، وعشنا فيه، ورغم وجود عدد لا بأس به من الأصدقاء المشتركين بيننا، فقد حالت ظروفي الخاصة وغربتي دون أن نتقابل وجهاً لوجه، ولذلك كان لقاؤنا عبر الفضاء الأزرق، الذي قرّب المسافة بيننا، وأزال الحواجز، وألغى الحدود وجعل العالم كله يتحول إلى قرية كونيّة صغيرة بكل ما للكلمة من معنى.

وفي ظنّي أنّ الفيسبوك ليس وسيلة للتواصل الاجتماعي بين البشر فحسب، بل هو مرآة تعكس ذواتنا وأفكارنا ومستوانا الثقافي مثلما تعكس أمراضنا السلوكية والاجتماعية كما تُظهر عمقنا وضحالتنا، ونزقنا ودماثتنا، واستعدادنا لتقبُّل الرأي الآخر أو رفضنا له، وهو، علاوة على ذلك، ميدان للصراع الثقافي والأيديولوجي كأحد مستويات الصراع الاجتماعي بشكل عام، إذ يتجلى من خلاله موقع كل فرد وموقفه من قضايا وطنه وأمّته بشكل خاص، والقضايا الإنسانية بشكل عام.

وتكمن معضلة الكاتب الذي ينشر على الفيسبوك في أنّه يتوجه في كتابته إلى جمهور عريض له مشارب مختلفة، ومستويات ثقافية متباينة، واتجاهات فكرية وأيديولوجية متعددة ومتناقضة، الأمر الذي يرتب عليه صياغة خطاب قادر على الوصول إلى أوسع شريحة من هذا الجمهور. انطلاقاً من ذلك يحق لنا أن نتساءل عن صورة المثقف أحمد غانم التي عكستها لنا صفحته على الفيسبوك، وطبيعة الخطاب الذي صاغه وبثّه عبر هذه الصفحة، والموقف والموقع الاجتماعي والأيديولوجي الذي تبنّاه ودافع عنه عبر مساره الفيسبوكيّ؟.

وفي معرض الإجابة عن التساؤلات السابقة ينبغي الإشارة إلى أنّ أحمد غانم، بوصفه مثقفاً وباحثاً، لم يكن حيادياً أو لامبالياً تجاه الفيسبوك، بل نظر إليه بوصفه وسيلة هامة للتفاعل الثقافي مع الآخر، وتعامل معه لتكوين رؤية موضوعية عن الذات عبر تجلّيها في مرآة الآخر، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فقد وجد في هذا المنبر المفتوح زمانياً ومكانياً نافذة لنشر أفكاره وآرائه أمام شريحة واسعة من المهتمين والمتابعين ما كان بالإمكان الوصول إليها لولاه، فانطلق بجرأة المثقف النقدي وتواضعه للنشر والتفاعل مع قرّائه منطلقاً من ركيزة فكرية وثقافة أكاديمية واسعة، وما هي إلا فترة وجيزة فإذا بصفحته تتحوّل إلى منبر للحوارات والنقاشات، وما تلبث أن تستقطب خيرة الكتاب والمثقفين السوريين، وقد شملت الموضوعات التي طرحها عبر هذه الصفحة مروحة واسعة من الأفكار والموضوعات الفلسفية والاجتماعية والسياسية والأدبية والفنية والتاريخية؛ إذ استطاع بأسلوبه الرشيق ولغته الثرة تطويع المفاهيم والمصطلحات الفلسفية وتقديمها بلغة مبسطة وقابلة للفهم من القراء غير المختصين في المجال الفلسفي، مثل مفاهيم الوجود، واللاوجود، والعدم، والصيرورة، والزمان، والمكان، والحتمية، والضرورة، وغيرها من المفاهيم الفلسفية الأخرى.

أما فيما يتعلق بموقعه وموقفه من الصراع الاجتماعي المحتدم محلياً وعالمياً فإن كل من تابع صفحته سيكتشف أنه كان منحازاً إلى قضايا شعبه وأمته وقضايا الإنسان بشكل عام، وتجلى ذلك من خلال تبنّيه لمشروع التنوير والعقلانية ونقده الثابت للمشاريع السلفية والدينية التي تعمل على تغييب العقل وتعطيله كأداة في فهم الواقع والتاريخ، كما يظهر ذلك من خلال نقده الدائم للنظام الرأسمالي ومرحلته العولميّة وتحميل قادة هذا النظام مسؤولية الكوارث والخراب الذي شمل معظم بقاع العالم الثالث، بل وصلت آثاره وعقابيله إلى أوروبا ذاتها والغرب بشكل عام، ومع رؤيته للعامل الخارجي وتأثيره الكبير في تطوير مجتمعاتنا إلا أنه لم يغفل دور العوامل الداخلية، بل أعطى هذه العوامل الأولوية في هذا التطور، وذلك بالتضافر مع العوامل الخارجية، ورغم تبنيه للخيار الاشتراكي كحلّ وخيار استراتيجي لتحرر الإنسان وانعتاقه إلا أنه لم يقع في مطب الدوغمائية التي سادت بين أنصار هذا الخيار، بل ظل واعيا للطريق الوعر والصعوبات الهائلة التي قد تعترض البشرية للوصول إلى هذا الهدف، لذلك نجد أنه بقي متوازنا بعد الانهيارات الكبيرة التي أصابت هذا المشروع، ولم ينتقل إلى الضفة الأخرى مثلما فعل الكثير من المثقفين، وكم فوجئ الكثيرون من القراء والمتابعين به وهو ينفض الغبار عن شخصية هامة ومؤثرة في مدينة طرطوس وتاريخها هي شخصية المرحوم رياض عبد الرزاق؛ فيكشف لنا عن الوجه الآخر لهذا المثقف المتنور الذي كان يملك أهم وأكبر المكتبات في المحافظة، ويصحح الصورة النمطية التي سادت وانتشرت له خلال عقود من الزمن، وهذا إنْ دل على شيء فإنّه يدل على موضوعية الباحث وعلميته وابتعاده عن الكليشيهات الجاهزة والأفكار المسبقة.

أما في الجانب الأخلاقي والاجتماعي فقد عكست لنا صفحته الفيسبوكية صورة المثقف المتواضع والإنسان الدمث الرقيق المحب، ولعله يكون من القلائل المتقبلين للرأي الآخر المخالف لهم، والمحتفين بهذا الرأي؛ فالرأي المخالف يفتح أفقا للنقاش، ويضيء جوانب من الموضوع لم تكن واضحة في رؤية الكاتب، كما لم يكن محبا أو باحثا عن الإعجابات المجانية كغيره من فرسان الفيسبوك، بل كان محتفيا بالرأي الرصين والتعليق اللمّاح الذي يعبر عن التفاعل الحقيقي بين القارئ والنص المنشور، ولهذه الأسباب مجتمعةً فقد استقطبت صفحته عدداً لا بأس به من المثقفين والمهتمين، وتحولت إلى منبر مهمّ لتبادل الآراء وتفاعل الأفكار كما أسلفنا.

وها نحن بعد مضيّ عام على رحيله نكتشف مقدار الخسارة وحجم الفقد اللذين مُنينا بهما في هذا الفضاء الأزرق.

الرحمة والسلام لروحك أبا إياس، والمجد لذكراك العطرة

*(كاتب سوريّ)

 

(موقع سيرياهوم نيوز١)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وإنّما أولادُنا بيننا.. أكبادُنا تمشي على الأرضِ … في يوم الطفل العالمي.. شعراء تغنوا بالطفولة

  قد تجف أقلام الأدباء وتنضب أبيات الشعراء ولا ينتهي الحديث عن جمال الأطفال وذكريات الطفولة في عمر الإنسان؛ فالطفولة عالم مملوء بالحب والضحك والسعادة، ...