نارام سرجون
عندما تغادر المنطق ستصل الى اللامنطق اي الاسطورة .. وتصل الى تفسير اسطوري لما يحيط بك .. ولاتختلف في طريقة تفسيرك للأشياء عن طريقة اولئك الذين عاشوا في القرون الوسطى .. قرون الجهل .. حيث الارض مسطحة .. والارواح الشريرة تسكن الابدان .. والزلازل تحدث عندما تنتقل الارض بين قرون الثور الأسطوري الذي يحمل الارض ..
وهذا الميل للتفكير القروسطي في الاشهر الماضية هو ماكان يتجول في عقول الناس .. وهم يرون تغيرات السياسة التركية والسعودية .. وكان قرنا الثور التركي ينقل الوضع السوري من قرن الى قرن .. من صفر مشاكل الى مشاكل بلانهاية ثم الى صفر مشاكل … فيما كان بن سلمان وفق التفسيرات الاسطورية لحركته البهلوانية الرشيقة يخرج الارواح الشريرة من العقل السعودي بعد ان استوطنته منذ لحظة ميلاده على يد الانكليز .. وكأن العقل السعودي كان سليما وسكنته الارواح الشريرة في زمن عبد الناصر فقط .. وليس عقلا صممه الانكليز على مقاس اسرائيل ..
اذ ابدع المبدعون القروسطيون في قراءة التحركات السعودية والتركية ورأوا فيها نقلة ثورية واعادة تموضع وفق التغيرات الدولية التي زعموا فيها ان السعوديين والاتراك قرؤوا فيها فرصة للانعتاق من قيد اميريكا .. وصار محمد بن سلمان يبدو وكأنه يعاقب اميريكا وينضم الى حلف روسيا والصين .. فكيف انعتقت البقرة فيما ان اروبا كلها لم تقدر ان تنعتق .. وفيما باكستان الدولة النووية أطيح بزعيمها عمران خان لأنه تجرأ على التريث في اوامر امريكية تخص روسيا .. رغم ان بن سلمان كان قبل أشهر ذليلا في البيت الابيض يشتري البضاعة الفاسدة من السلاح والتي لايريدها رغما عنه بمليارات الدولارات .. ورغم ان محمد بن سلمان كاد يساق الى محكمة الجنايات الدولية بقصة الخاشقجي التي رسمها له أردوغان والاسرائيليون في تنسيق واضح حيث كان المطلوب تنصيب ملك على السعودية مطلوب دوليا للاعدام .. ولكنه من أجل النجاة سيقدم ثمنا باهظا وهو ختم مكة على التنازل عن المسجد الاقصى .. لأن محمد بن سلمان يملك وحده ختم مكة لآخر توقيع على التنازل عن الاقصى والقدس بعد ان ختم السادات وعرفات بالختم العربي على التنازل عن فلسطين الارض .. فالسادات صاحب اكبر دولة عربية وبيدع الختم العربي وعرفات صاحب الختم الفلسطيني .. ولم يعد ينقص الا الختم الاسلامي من مكة تحديدا وليس من استانبول لان استانبول لم تكن يوما جزءا من حالة اسلامية داخلية بل اسلام خارجي وارد ..
تعالوا نعيد تركيب الصور التي خلطها التفكير القروسطي ونركب الحقيقة التي تحطمت تحت أسنان الدعاية .. ونفهم التشابه بين بن سلمان واردوغان في سجع اميهما وفي حكاية صناعتهما ..
بن سلمان تم تقديمه كما تم تقديم صاحب قطر قبل الربيع العربي .. فالثائر الاممي حمد بن خليفة آل ثاني تجرأ على اميريكا واسرائيل من قطر التي صدق الناس انها راعية للديمقراطية والحرية وهي حاضنة القاعدة .. وأقنع حمد الناس ان قطره تجرؤ على اميريكا وتنتقدها وتحرض ضدها عبر الجزيرة ولايخشى في ذلك لومة لائم .. الى ان تبين للناس ان قطر هي ثكنة عسكرية وان اميرها لايملك من بلاده شيئا بل هو موظف معه ختم يختم به على فواتير المخابرات الامريكية التي مولت كل حربها على العرب والمسلمين من مال قطر والخليج ولم تنفق سنتا واحدا من اموال اميركا على اي حرب .. فالعرب هم من مول والعرب هم من قاتل العرب .. والعرب هم من دفع الدم .. مشروع لم يخطر ببال الشيطان ان يفكر به في ان يشن حروبا لم يخسر فيها قطرة دم ولا سنتا واحدا .. منذ افغانستان الى عاصفة الصحراء الى غزو العراق والربيع العربي .. كلها اموال عربية وشباب عربي يموت في سبيل اميريكا وهو يظن انه يموت في سبيل الله ..
من هذا الفهم يمكن ان نعيد المنطق الى المنطق .. والبدهية للبدهية .. فالسعودية هي جوهرة التاج الامريكي ولايمكن ان يسمح لها ان تتحرك الا في مصلحة هذا التاج ولو اقتضي الامر احراقها .. واقترابها من ايران كان امر عمليات امريكيا وليس قرارا سعوديا .. واقترابها من سورية كان ايضا امر عمليات اميريكي .. فالرجل بن سلمان ليس ربما بالرجل الشرير ولكنه اعادة انتاج لاردوغان في السعودية ويشبه صعوده صعود اردوغان .. واقترابه منا كان مثل اقتراب اردوغان منا ..
فاردوغان صعد اميريكيا تحت عيون وأنف الجيش التركي الذي لجمه الناتو عن ايقاف صعود اردوغان .. وكان يجب تقديم انجاز يمس عصب الشعب التركي وهو الوضع الاقتصادي الصعب .. فتم تقديم اردوغان على انه معجزة اقتصادية عبر ضخ مليارات الدولارات والاستثمارات في البورصة التركية فظهر وكأنه عقل جبار ينقذ الاقتصاد التركي .. ومن نافذة الاقتصاد تم اخراجه للجمهور الاسلامي .. ولاعطائه صفة البطولة كانت بعد ذلك مسرحية مرمرة ودايفوس حتى ان من سمع بمرمرة ودايفوس كان يظن ان اردوغان البطل سيعلن الجهاد المقدس لاسترداد القدس فاذا به يسترد اياصوفيا ويريد الصلاة في الجامع الاموي ..
صعود بن سلمان كان شبيها جدا .. فقد تم تقديمه على انه يحارب فساد اسرته ويصادر أموال الفاسدين الكبار والامراء الذين هم امراء اميريكيو الهوى والعلاقات .. ثم انه يتمرد على اقوى مؤسسة ديينة وهابية مشهورة بقسوتها وعنفها وشراستها وحكمت المجتمع بعنف الفتاوي بلاحدود .. فيأتي بن سلمان ويذيب هذه المؤسسه وتنهار بين يديه بعد ان كان شبحها يخيم على الناس حتى في داخل بيوتهم .. ويدفع الشعب السعودي للانفتاح ويحول المملكة الى دبي كبيرة ويطلق المشاريع الترفيهية الاوروبية الطابع .. فيبدو كأنه مجدد وثائر في نظر شعبه ونظر الشعوب العربية ..
وكيلا يظن الامير الشاب انه فعلا عبقري .. تم استدراجه بالاتفاق مع اردوغان الى فخ الخاشقجي الذي يجب ان يتساءل الانسان عن سبب اختياره للقنصلية التركية وليس غيرها .. وعن سبب هذا التجسس الرهيب ضد كل البروتوكولات داخل السفارة من قبل المخابرات التركية الا لأنه فخ محكم تركي .. فصارت عنق بن سلمان بين يدي اميريكا .. وهي التي سلمها لهم اردوغان بنفسه عندما سلم كل التسجيلات التي حصلت عليها المخابرات التركية .. وكانت الغاية هي تنصيب ملك سعودي مطلوب للاعدام .. وضعيف .. وامامه قضية جنائية دولية .. ستبقى تلاحقه الى ان يقوم بتقديم ختم مكة على التنازل عن الاقصى .. فالختم الاسلامي الأكبر هو الختم المكي الذي بيد بن سلمان ..
الاسرائيليون حصلوا على الختم العربي للتنازل عن فلسطين عبر ختم مصر اكبر دولة عربية وأختام الزعماء العرب .. وطبعا الختم الفلسطيني في اوسلو .. ولكن الختم الاسلامي ليس بيد استانبول لأن استانبول ليست لها سلطة معترف بها لأن الاتراك مسلمون من خارج النطاق الاسلامي التقليدي مهما حكموا الشرق لأنهم ليسوا من داخل البيت الاسلامي التقليدي الذي تأسس على يد اسر عربية .. ومن يملك مفتاح المسجد الاقصى هو مكة قلب الاسلام .. ولاتستطيع قوة اسلامية في الدنيا تسليمه .. لا الاخوان المسلمون ولا قم .. بل ان المسجد الاقصى مرتبط بمكة والمدينة .. ويجب ان تتخلى عنه مكة .. بختم عليه اسم مكة .. يختم به ملكها ..
وكي يتم هذا الامر بشكل أسهل سمح للأمير ان يقترب من ايران ومن سورية بحدود دقيقة لايتجاوزها .. فتصالح مع ايران وفتح ابواب الجامعة العربية لسورية .. لكن اقترابه كان رمزيا لأن لاشيء تغير في هذه العلاقات .. فالسوريون لم يدخل خزينتهم دولار واحد من السعودية .. ولبنان لم ينتخب رئيسه بل هناك تحركات سعودية مريبة بدأت تكشر عن انيابها .. واليمن لم تتزحزح الحرب فيها .. ومن الواضح ان هذه الحركة من التقارب مع سورية وايران يقصد بها توفير غطاء من الاحراج والصمت على ختم مكة بالتنازل عن الاقصى .. لأن اي تطبيع رسمي قادم بين السعودية واسرائيل سيكون وضع بن سلمان وهو صديق لايران وسورية مثل وضع بن زايد ومن قبله امير قطر عندما استمر الهدوء الايراني والسوري على السلوك الشاذ للعلاقة مع الاسرائيليين .. بسبب طابع العلاقات اللاعدائي ..
لذلك كل من يعتقد ان بن سلمان قادر على ان يغير اي شيء او انه يملك صوتا للاحتجاج فانه يحتاج الى جرعة من المنطق وثلاث حبات من الحكمة بعد الطعام الى جانب حقنة يومية من التاريخ في وريده .. واما من يظن ان بن سلمان لم يوافق الامريكيين على تعديل انتاج النفط للضغط على روسيا فعليه ان يعالج نفسه بحقنة شرجية وينظر في وفرة النفط وتراجع اسعاره في الغرب بعد قرار السعودية برفض الطلب الامريكي والذي تبين انه قام سرا بالاستجابة لطلب السوق فاتخمت اوروبة بالنفط الرخيص ..
استطيع القول ان المنطقة كلها تدار من اميريكا وتل ابيب .. من استانبول الى الرباط والى دبي وكراتشي مرورا بالكعبة .. وكل مايقال عن زعامات استثانئية وقبضايات عرب ومسلمين فهو واهم او انه يحتاج ان يدخل مشفى المجانين .. ولم يبق من الاستقلال العربي الصريح الا تلك المساحة الباقية من سورية التي تشبه مثلث برمودا لكل قرار امريكي .. وهي آخر بقعة عربية مستقلة وحرة في هذا الكوكب ..
لذلك استطيع ان اقول انني لم أصدق ان اردوغان سينسحب انشا واحدا الا بالعنف .. ولن أصدق الا انه عميل اميريكا الذي ينفذ مهامها .. وأنه وصل الى الحكم برضائها وسيغادر عندما تنتهي مهمته وتجد اميريكا بديلا افضل لمرحلة اخرى .. أما الان فانه الافضل للدور المرسوم له وهو يراوغ روسيا وايران ويمسك سوريا بمخالبه الارهابية .. ولن أصدق الا ان السعودية ليست الا جوهرة تاج اميريكا بنفطها وبيت مالها الذي تشرف عليه اميريكا وامساكها بكل المسلمين من مكة .. فالكعبة نفسها صارت ملكا لأميريكا ..
عندما نفهم القضايا لانقع في الفخاخ .. ولاتصطادنا الاوهام .. ولاتمر بنا المصائب .. وعندما نقبل اللامنطق نصبح من اتباع الاساطير .. اساطير الاغريق والفراعنة واساطير الف ليلة وليلة .. حيث الحكايات العربية هذه الايام تشبه ألف ليلة وليلة .. عفاريت وجن وشياطين وأحداث لايصدقها عقل .. ولكنها الليالي العربية اللعينة .. بكل شياطينها وعفاريتها الاميريكيين .. ومجانينها وأبطالها
لذلك قد يأتي زمن لانذكر فيه الفتوحات المكية للشيخ الصوفي محي الدين بن عربي لأننا سندرس الفتوحات المكية للاسرائيليين .. الذين يتسللون الى الجزيرة العربية ويطوفون حول خيبر .. والمدينة ..
هذه ليست اسطورة تلمودية بل هدفا تلموديا للتلموديين الجدد ..
(سيرياهوم نيوز ٣-مدونة سرجون)