آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » أخطاء إيران في سوريا

أخطاء إيران في سوريا

 

محمد سيد رصاص

 

 

امتدّ النفوذ الإيراني إلى لبنان عبر ضوء أخضر سوري في أوائل الثمانينيات بحكم الوجود العسكري لدمشق في بلاد الأرز، ولم يكن ممكناً نمو حزب الله من دون تلك البيئة السياسية. وحتى عندما اصطدمت دمشق مع الحزب، كما في حادثة ثكنة فتح الله، أو دعمت خصومه المتحاربين معه، كما في اشتباكات أمل – حزب الله، فإنّ متانة العلاقة الإيرانية – السورية كانت تضبط إيقاع ذلك وتحدّد سقوف الصدام، أو تجد حلولاً له. وحتى عندما اقترب النظام السوري من واشنطن، بعد انضمامه إلى التحالف الثلاثيني ضد العراق عقب غزو الكويت وقبض ثمن ذلك إزاحة العماد ميشال عون من قصر بعبدا في يوم 13 تشرين الأول 1990، فإن علاقات دمشق – طهران لم تتأثّر، بل فتحت صفحة جديدة عندما تم نزع سلاح كل القوى غير النظامية في لبنان، ما عدا حزب الله، وتم اتفاق بين العاصمتين على احتكار الحزب لعملية المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي للجنوب، وتم منع قوى أخرى كانت مشاركة بالمقاومة منذ عام 1982 من الاستمرار بها، مثل الحزب الشيوعي والحزب القومي السوري.

 

وعلاقة العاصمتين هي التي كرّست استمرار سلاح حزب الله بعد تحرير الجنوب عام 2000. كما أن متانة العلاقة السورية – الإيرانية لم تنفرط رغم خلاف البلدين حول الغزو والاحتلال الأميركيين للعراق عام 2003 حيث تعاونت القوى العراقية الحليفة لطهران مع الغازي والمحتل، وشاركت في مجلس حكم الحاكم الأميركي بول بريمر، فيما دعمت دمشق قوى المقاومة العراقية للأميركان. وعندما خرجت القوات السورية من لبنان في نيسان 2005 جرت ضغوط أميركية على دمشق وإغراءات عبر تركيا وقطر وفرنسا من أجل فك علاقتها مع طهران بعد بدء الصدام الأميركي – الإيراني عقب استئناف برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني في آب 2005 وهو ما لم تستجب له العاصمة السورية. وهناك تقديرات بأن النظام السوري لو فكّ علاقته مع طهران لكانت واشنطن وتركيا والسعودية قد سارعت إلى ممارسة دور الداعم للنظام السوري بوجه الانتفاضة/ الثورة التي بدأت ضده في شهر آذار 2011، كما فعلت السعودية بدعم من واشنطن في الشهر نفسه عندما دعمت النظام البحريني ضد الانتفاضة/ الثورة هناك حيث توجد قيادة الأسطول الخامس الأميركي.

 

هناك تقديرات بأن النظام السوري لو فكّ علاقته مع طهران لكانت واشنطن وتركيا والسعودية قد سارعت إلى ممارسة دور الداعم للنظام السوري بوجه الانتفاضة

 

 

قبل شهر آذار 2011، لم تكن هناك تدخلات إيرانية في الشأن الداخلي السوري، بل كانت العلاقات محصورة مع أجهزة السلطة، والهم الرئيسي عند الإيرانيين هو الجسر السوري في طريق إيران-العراق-سوريا-لبنان ومنه كان يتفرع طريق فرعي لإمداد حركتَي حماس والجهاد في فلسطين بالسلاح والمال الإيرانيين، وهذا ماكان يتم غالباً عبر قناة حزب الله. أمّا بعد ذلك الشهر الذي بدأ فيه الحراك الاجتماعي السوري المعارض، فإنّ إيران قد تدخّلت في صيف 2011 وذلك عبر مستشارين أمنيين لهم خبرة في قمع الاحتجاجات أخذوها من عملية قمع «الثورة الخضراء» في طهران 2009، ثم عبر مستشارين عسكريين ساعدوا منذ خريف 2011 قوات النظام السوري في مواجهة الفصائل المسلحة السورية المعارضة. وتحت رعاية طهران وتوجيهها، جاء التدخل العسكري لحزب الله في سوريا ربيع عام 2013 ثم فصائل شيعية عراقية وأفغانية وباكستانية دخلوا جميعاً كحلفاء ومساندين عسكريين للنظام السوري في مواجهة انتفاضة/ ثورة كانت قاعدتها الاجتماعية الأساسية عند الأكثرية السنية العربية، وخاصة في الأرياف، وهو ما أنشأ مشهداً انزرع في رؤوس وعقول وقلوب ملايين السوريين بأن هناك قوى شيعية عالمية بزعامة إيران تخوض حرباً لمساندة نظام، يعتبره الكثير من السوريين أنه نظام طائفي يمسك فيه العلويون مفاتيح القرار السياسي-العسكري-الأمني، ضد انتفاضة/ ثورة ذات قاعدة اجتماعية سنية، وهو ما جاء لمساندتها عشرات الآلاف من «الجهاديين الإسلاميين السنة» من مختلف أنحاء العالم، وهو ما جعل الساحة السورية تبدو بين عامَي 2013 و2016 بمثابة ساحة لحرب عالمية بين الشيعة والسنة.

 

 

ارتكبت إيران وحلفاؤها، ومنهم حزب الله، أعمالاً من التنكيل والحصارات، استخدم فيها سلاح التجويع والتعطيش كما في مضايا بريف دمشق. كما تم تهجير سكان مدينة القصير ومنعوا من العودة إليها بعد أن هزمت المعارضة المسلحة هناك في حزيران 2013. كما مورست تنكيلات من قبل ميليشيات موالية لإيران، ومنها حزب الله، بحق سكان بلدات الزبداني بريف دمشق وبلدة سراقب في ريف إدلب. وكانت مناظر تفتيش المارّة عند منطقة «الست رقية» الفاصلة بين الجامع الأموي ومنطقة العمارة مستفزّة لكل دمشقي وسوري وكانت تمسّ المشاعر الوطنية عند كل سوري، عندما يتم تفتيشه من قبل عناصر غير سوريّة في القلب العميق للعاصمة. هذا من دون الحديث عن منطقة «الست زينب» التي سمّاها الدمشقيون بـ«الضاحية الجنوبية لدمشق» حيث كان يُلمس غياب سلطة النظام السوري من هناك.

 

 

بسبب كل ما سبق أعلاه، كان موقف غالبية السوريين غير متضامن مع حزب الله في حرب 2024، بخلاف موقفهم المؤيّد له في حرب 2006 عندما فتحوا بيوتهم للبنانيين وغالبيتهم من الشيعة، ومنهم سكان القصير والزبداني، ولم يشعر اللبناني بأنه لاجئ في سوريا آنذاك. وهو شيء قد حصل ما يماثله عندما أتى مئات آلاف اللبنانيين إلى الأراضي السورية في الحرب الأهلية عامَي 1975 و1976 حيث عملوا واستضافهم السوريون، وحتى السيارات الخاصة اللبنانية سُمح لها بالعمل كتكاسي وسرافيس، وهو ما عاينه كاتب هذه السطور في مدينة حلب عندما كان يدرس في قسم اللغة الإنكليزية بكلية الآداب. وحتى عندما ضُربت إيران في نيسان الماضي بقنصليّتها في دمشق، ثم بعد أسابيع ضُربت منشآت عسكرية إيرانية، وهو ما تكرر في الشهر العاشر، فإن الكثير من السوريين لم يتضامنوا معها، من دون أن يكون ذلك نافياً لعداء عميق عند هؤلاء السوريين لإسرائيل. ويبدو أن جرح إيران وحلفاءها لغالبية السوريين قد غطى وطفا على ذلك العداء للدولة العبرية.

 

 

ويبدو أن السيد حسن نصرالله، الذي رُفعت صوره في الجامع الأزهر في حرب عام 2006، وهو أمر لا سابق له سوى مع عبدالناصر في حرب 1956، لم يكن مدركاً بأن سوريا ستُفقِده قلوبَ وعقول غالبية العرب وغالبية مسلمي العالم التي كانت معه في تحرير الجنوب عام 2000 وفي حرب 2006، كما أن سوريا هي، وإلى حد أقل عراق ما بعد عام 2003، قد أفقدت إيران أي إمكانية لأن تقدّم نفسها في إطار إسلامي عام/ شامل يتجاوز وجهها الشيعي، حتى ولو كانت هي المصدر الرئيسي لسلاح حركتَي حماس والجهاد في فلسطين.

* كاتب سوري

 

 

 

 

 

أخبار سورية الوطن١_الاخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

9 كانون الثاني: اليوم الخطير

    نبيه البرجي   كيف لنا، ونحن في هذه الحال من الهلهلة السياسية، وحتى من الهلهلة الطائفية، أن نتصور وجود قيادات سياسية أو حزبية ...