وصل الجدال العلنيّ داخل المجتمع الصهيونيّ إلى ذروته يوم أوّل من أمس الجمعة، عندما استضافت القناة الـ الـ 13 بالتلفزيون العبريّ أحد الضُبّاط المُتقاعدين من شرطة الاحتلال، والذي تعود جذوره إلى دولةٍ أوروبيّةٍ، فيما كان في الأستوديو أحد الصحافيين وهو مُستجلب من المغرب، ويعتمر الطاقية التي تُشير إلى أنّه من اليهود المتزمتين. وعلى الفور طفت على السطح الخلافات التي دأب الإسرائيليون على التستّر عليها، وهي التي تؤكِّد أنّ الكره والحقد من قبل اليهود الأوروبيين “للأشقاء” من المغرب العربيّ ما زالا يُسيطِران على مجتمع المُستوطنين في الدولة العبريّة، بعد مرور 75 عامًا من زرع إسرائيل على أراضي فلسطين العربيّة.
الشتائم التي أُسمِعت خلال اللقاء حولّت الأستوديو إلى ساحة مصارعةٍ حرّةٍ، شتائم لا يُمكِن للورق أنْ يحتملها، حيثُ أكّد الضابط للصحافيّ أنْ يذهب للجحيم مع القبّعة، فيما ردّ الآخر بإرسال الضابط إلى إحدى مزابل التاريخ، ولم يتمكّن مُقدِّم البرنامج من إسكات الضيفيْن اللذيْن واصلا السباب، ليؤكِّدا مرّةً أخرى أنّ العدائيّة بين “الأوروبيين” و”الشرقيين” هي عميقة ومتجذرة، ولن يشفع لإسرائيل بعد اليوم أنْ تلجأ للاعتداء على العرب لكي تلتئم جراحها جرّاء الخلافات الداخليّة، لذا فإنّ لجوء رئيس الوزراء لشنّ عدوانٍ ضدّ الفلسطينيين أوْ العرب، قد يُساهِم لفترةٍ زمنيّةٍ قصيرةٍ جدًا في رأب الصدع، ولكنّ التباينات تحولّت إلى خلافاتٍ من الصعب، إنْ لم يكُنْ مستحيلاً جسرها.
بالإضافة إلى ذلك، يُواجِه رئيس الوزراء الإسرائيليّ اتهامات وإيماءات من الخبراء والمحللين وحتى من صفوف حزبه (ليكود) بأنّه بات منفصلاً عن الواقع، وأنّ ما يُشغِل باله ويُثير قلقه اليوم فقط هو كيفية المضي قدمًا في سنّ القوانين بهدف التملّص من المحكمة وعدم الذهاب للسجن لعدّة سنواتٍ بسبب التهم المنسوبة إليه وهي تلقّي الرشاوى، النصب والاحتيال وخيانة الأمانة.
ومع أنّ الحرب الأهلية الداخليّة في إسرائيل باتت مسألة وقت ليس إلّا، بيد أنّ هناك العديد من التحدّيات التي يتحتّم على تل أبيب حلّها قبل تفاقهما أكثر. وفي هذه العُجالة، رأى المُستشرق د. تسفي بارئيل، أنّ السعوديّة فاجأت إسرائيل بقرارها استئناف العلاقات الدبلوماسية مع طهران، وبذلك تحطيم أسس التحالف العربيّ ضدّ إيران، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّه “في الأسبوع الماضي دعا سلمان، ملك السعودية، الرئيس الإيرانيّ لزيارة المملكة، وتابع: “يتوقع فتح السفارات بعد بضعة أسابيع، ويتوقع استئناف الصفقات التجارية والتعاون التي جمدت في 2016. للإمارات الآن سفارة في طهران، أمّا البحرين، الدولة الأكثر قطيعة مع إيران، فتجري هي الأخرى مفاوضات بمساعدة سلطنة عمان لاستئناف العلاقات، وتستثمر إيران الجهود لإقامة العلاقات مع مصر التي قطعت عقب اتفاق كامب ديفيد”، على حدّ تعبيره.
ونقل المُستشرق، وهو محلل الشؤون العربيّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة، نقل عن مصدرٍ عسكريٍّ رفيعٍ مقرب من المحادثات مع مصر قوله إنّ “مجال تأثير مصر على التنظيمات الفلسطينيّة يرتبط بدرجة سيطرة نتنياهو على هؤلاء الوزراء”.
وأضاف المصدر عينه “يكفي أنْ يزور وزير أوْ عضو كنيست منطقة المسجد الأقصى في شهر رمضان كي يتّم إطلاق صاروخٍ من غزة، وبعد ذلك يفتح باب جهنم، وليس للجيش الإسرائيليّ سيطرة على الحرم، والشرطة وحرس الحدود يخضعان الآن مباشرة لوزير الأمن الداخليّ، إيتمار بن غفير”.
وتابع المصدر حديثه لصحيفة (هآرتس) العبريّة، قائلاً إنّه “لا أحد يثق بأنّ نتنياهو يمكنه منعهم من التطاول. المصالح الاستراتيجيّة المشتركة بين إسرائيل ومصر، مثل تسويق الغاز وحماية الحدود بين سيناء وغزة والاعتماد المشترك على الولايات المتحدة، كلّ ذلك يأتي ضمن الأوقات العادية بتنسيق العمل الأمنيّ، ولكن المصريين مثلنا، يشعرون بأنّنا نقِف أمام واقعٍ جديدٍ”، على حدّ تعبيره.
ووفقًا للمستشرق الإسرائيليّ فإنّ “الدولة العبريّة لن تفقد السيطرة فقط على توجيه مسار الأمور، بل لا يوجد مَنْ يعنى ويحلل ويتخذ القرارات في تل أبيب، والبرودة التي تأتي من البيت الأبيض تشير إلى أنّ إسرائيل ستظل متفرجةً من بعيد على الحفل الذي لم تدعَ إليه عندما تفتقر إلى القوة السياسيّة من أجل التأثير والتدخل، وبشكلٍ خاصٍّ عندما تكون بحاجةٍ إلى أيّ رافعةٍ تضمن أمنها”، على حدّ قوله.
وخلُص المُستشرِق إلى القول إنّ “العلاقات بين إسرائيل والأردن، والإمارات ومصر هي الدعامة الأساسيّة لاتفاقات إبراهيم ولقبول إسرائيل في الشرق الأوسط، وثمة دول عربية أخرى وقعت على الاتفاقات مع إسرائيل، المغرب والبحرين والسودان، تعدّ هي أيضًا في مكانة التوابع، وأهميتها بالأساس اقتصاديّة، ولكنّها تعمل حسب سياسة الدول الثلاث المهمة التي تقيم مع إسرائيل تعاونًا عسكريًا واستخباريًا وسياسيًا”، كما أكّد المُستشرِق.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم