عبد الفتاح العوض
مباشر: لماذا لا يجد علماء الدين والدعاة أمثلة من السلوك الأخلاقي إلا من الصحابة والتابعين؟!
في تشعبات هذا السؤال عدة أفكار متشابكة، لعل أهمها أن الأمثلة النموذجية للأخلاق الإسلامية تقتصر على فترة زمنية تكاد تتكرر دوماً ويكون الصحابة والتابعون هم النماذج المثالية لهذه السلوكيات. فلماذا لا نجد أمثلة معاصرة عن السلوك الأخلاقي.
أقف أولاً عند مفهوم الأخلاق الإسلامية وأن هناك من يعتقد أن الأخلاق مفهوم عام وإنساني، وبالتالي ليس مرتبطاً بدين محدد. ويبدو لي أن هذا الرأي يجانب الحقيقة، إذ إن مفهوم الأخلاق الإسلامية يعني في جزء مما يعنيه الأخلاق التي دعا إليها الإسلام وحضّ عليها ومارسها بعض أتباعه، سواء تقاطعت هذه الأخلاق مع مفاهيم عامة لدى أديان أو شعوب بغض النظر عن معتقداتهم. ومن الملاحظ أن مفكري الإسلام حاولوا أسلمة آداب الأمم الأخرى، فهذا المفكر محمد عابد الجابري يقول من إغراءات الأسلمة: أسلمة آداب الفرس (الماوردي)، وأسلمة أخلاق اليونان (الراغب الأصفهاني)، وأسلمة آداب السلوك، (الغزالي).
وقد لاحظ الجابري أن المروءة هي خلق يختص به المسلمون كما جاء في كتابه الغني العقل الأخلاقي .
النقطة الثانية التي تستوجب التوقف عندها لها علاقة بمنبع الأخلاق عند الإنسان فهناك من قال: هي طبع وسجية كما اشتق «الخلق» منها إذ يعني الخلق في اللغة العربية السجية، وفي هذا يقول أحد الشعراء:
وما هذه الأخلاق إلا غرائز
فمنهن محمود ومنهن مذموم
ولن يستطيع الدهر تغيير خلقه
بنصح ولا يستطيعه متكرم
وفحوى كل ذلك أن الأخلاق غريزة وطبع ولا يستطيع أحد أن يغير فيه أو يعدله. وهذا يتناقض مع ما أصبح معروفاً لنا في الوقت الحالي بأن الإنسان يتغير ويستطيع أن يعدل سلوكه وأن طباعه قابلة للتنقية وهو ما تم التعبير عنه في الحديث النبوي الشريف: «العلم بالتعلم والحلم بالتحلم» فمن يرد أن يكون حليماً يستطع أن يعود نفسه شيئاً فشيئاً.
بعد هذه الأفكار الجانبية لموضوعنا الأساس نعود للسؤال المباشر حيث لا نجد في كلام الدعاة أمثلة من الوقت الحالي لأحداث وأشخاص يمثلون نماذج للأخلاق.
نحتاج إلى أمثلة من حولنا نراهم ونعرفهم ونلمس سمو أخلاقهم.. وليس إلى نماذج وأمثلة مستوردة من الماضي على أهمية وقدسية هذه النماذج.
لم أستطع إيجاد تفسير لذلك، وربما من المهم أن نتحدث عن ضرورة أن يكون الخطاب المعاصر معنياً بأمثلة ونماذج معاصرة وأمثلة طازجة، فلا يعقل ألا يكون لدينا أمثلة قريبة قابلة للتعميم. وخاصة أن السياق التاريخي لديه سطوة على السلوك العام، وهذا لا يعني أن تتغير الأخلاق، بل الذي يتغير إمكانية التمسك بها.. فهذا زمن القابض فيه على الأخلاق كالقابض على الجمر.
أقوال:
• إن الفعل الأخلاقي هو الذي تحسّ بعده بالراحة، وغير الأخلاقيّ هو ما تحس بعده بعدم الراحة.
• ربَّ أخلاقٍ صانَها من فسادٍ
خوفُ أصحابِها من النقادِ
وإِذا لم يكنْ هنالكَ نقدٌ
عمَّ سوءُ الأخلاقِ أهلَ البلادِ.
• حسن الخلق بسط الوجه وبذل النّدى وكفّ الأذى.
(سيرياهوم نيوز ٤-الوطن)