علي عواد
رغم أن موسم الأعياد تحوّل في ظلّ الرأسمالية إلى موسم مبيعات كبرى، ما يزال يحمل في طيّاته ذلك الفرح الطفولي، فيظهر في لمعان الأضواء، وفي الأغاني التي تملأ الشوارع، وفي رائحة الحلوى التي تعيدنا إلى الذاكرة الأولى للبهجة. غير أنّ هذا الموسم مختلف عن سابقيه: آلاف الأشخاص حول العالم سيشترون هداياهم استناداً إلى توصيةٍ يقدّمها لهم نموذج الذكاء الاصطناعي «تشات جي بي تي».
في السابق، كانت الهدايا تُشترى بقرارٍ شخصي أو بدافع عاطفي مباشر. كنا نفكر بما قد يُسعد من نحب، أو نختار شيئاً صادف أن لفت نظرنا في واجهة متجرٍ ما، أو نقتنع بإعلانٍ لعب على عواطفنا. أمّا اليوم، فكلّ هذه الأمور ستخضع لحساباتٍ دقيقةٍ يجريها الذكاء الاصطناعي.
شراء الهدية يصبح كالآتي: وصفُ الشخص بدقّة عبر معلوماتٍ تُدخل إلى «تشات جي بي تي»: العمر التقريبي، علاقته بك، الميزانية، البلد ووقت التسليم، وأسلوب الحياة (يسافر كثيراً، يعمل من المنزل، يمارس الرياضة)، والاهتمامات الدقيقة في السفر والموسيقى (وجهات مفضّلة، آلات يعزفها، نوع السماعات التي يفضّلها)، والذوق اللوني والمواد المريحة له، والمقاسات، والحساسيّات أو المحظورات، وما يملكه مسبقاً، وما يحتاج إليه قريباً.
يُطلب من النموذج تقديم خيارات عدة مرتبة بحسب الملاءمة، مع سبب الترشيح لكلّ خيار، وتقدير سعر تقريبي، ومخاطر الشراء إن وُجدت، واقتراح بديل أرخص وآخر أكثر تميّزاً. بهذه الصياغة، يحصل المستخدم على توصيات محدّدة تُشبه الشخص المقصود، وتختصر وقت الحيرة من دون التضحية بالحميميّة.
اتجاه عالمي
يستخدم «تشات جي بي تي» أكثر من 800 مليون شخص أسبوعياً، أي حوالى 10 في المئة من سكان الكوكب. ونسبة كبيرة من هؤلاء، وخصوصاً الشباب، تستخدمه لتقديم المشورة في كلّ شيء (مهنياً، عاطفياً، حيوياً…).
وفقاً لدراسة مشتركة بين «أوبن أي آي» و«المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية» نُشرت في أيلول (سبتمبر) 2025، تبيّن أنّ موضوع «الإرشاد العملي» كان من أكثر المواضيع تداولاً بين مستخدمي «تشات جي بي تي»، إذ شكّل مع مواضيع مشابهة نحو 80 في المئة من مجمل المحادثات. وبحلول منتصف عام 2025، كانت حوالى 49 في المئة من التفاعلات مع النموذج تدور حول طلب النصائح والإرشاد والمعلومات، ما يعني أنّ الذكاء الاصطناعي تحوّل إلى أداة استشارة شخصية ومهنية يعتمد عليها الملايين يومياً.
حوالى 49 في المئة من التفاعلات مع الـAI تدور حول طلب النصائح
إضافة إلى ذلك، يشهد مجال تحسين محرّكات البحث (SEO) تحولاً جذرياً مع صعود ما يُعرف اليوم بـ«تحسين محرّكات نماذج التوليد» (GEO)، نتيجة اعتماد الناس على نماذج الذكاء الاصطناعي مثل «تشات جي بي تي» بدلاً من «غوغل» للبحث عن المنتجات والعروض. هذا التحوّل يجبر الشركات على إعادة التفكير في إستراتيجياتها التسويقية. بدلاً من التركيز على المقالات الطويلة المليئة بالكلمات المفتاحية، صار التركيز على المحتوى المهيكل والمباشر مثل القوائم والأسئلة الشائعة، لأنّ نماذج الذكاء الاصطناعي تفضّل المعلومات الدقيقة والسريعة.
يقول خبراء المجال إنّ الأسئلة الموجّهة إلى روبوتات الدردشة غالباً ما تكون محدّدة جداً، ما يدفع العلامات التجارية إلى نشر محتوى أكثر تفصيلاً عن منتجاتها لزيادة فرص ظهورها في إجابات هذه النماذج. ومع توسع هذا الاتجاه، يُتوقع أن تصل قيمة سوق GEO إلى نحو 850 مليون دولار هذا العام، ليصبح الامتداد الطبيعي لعصر الـSEO، ولكن بلغةٍ تفهمها النماذج الذكية.
التحوّل
استوعبت شركة «والمارت» (أكبر سلسلة متاجر للبيع بالتجزئة في الولايات المتحدة والعالم) التحوّل في سلوك المستهلكين بسرعة. وبعدما لاحظت أنّ الناس صاروا يبحثون عن الهدايا والعروض عبر نماذج الذكاء الاصطناعي بدلاً من محرّكات البحث التقليدية، أعلنت عن شراكة مباشرة مع «أوبن أي آي» تتيح للمستخدمين شراء المنتجات من داخل منصة «تشات جي بي تي» نفسها.
يرى الرئيس التنفيذي دوغ ماكميلون أنّ تجربة التسوّق الإلكتروني التي كانت تعتمد على محرّك البحث وقائمة طويلة من النتائج «على وشك أن تتغيّر كلياً»، واصفاً المرحلة المقبلة بأنها «أكثر شخصية وسياقية وتفاعلية، تؤمن تجربة تسوق ممتعة وسريعة».
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار
 syriahomenews أخبار سورية الوطن
syriahomenews أخبار سورية الوطن
				 
 
		 
											 
											 
											
