تساءلت العديد من وسائل الإعلام التركية والعالمية عن سبب تراجع رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان عن مواقفه تجاه ما يجري في فلسطين المحتلة، وخاصة أنه اعتاد على ما أسمته “صوتاً عالياً” بانتقاد “إسرائيل” وادعاء الحرص على حياة الفلسطينيين.
مصادر تركية معارضة قرأت التحولات والتبدلات في مواقف وخطابات أردوغان بالنظر إلى تاريخه المعروف في المتاجرة بقضية فلسطين ومعاناة شعبها والسعي وراء تحقيق مصالح شخصية، وأشارت إلى أن أردوغان خلع عنه اليوم قناع “الوطنية والبطولة” وطوى صفحة الاستعراضات الإعلامية التي اعتاد اللجوء إليها واتجه نحو لهجة مختلفة توازي بين الجلاد والضحية وتضع “إسرائيل” وما ترتكبه من جرائم مروعة في كفة متوازية وواحدة مع الفلسطينيين الذين يئنون تحت وطأة القصف الإسرائيلي الهمجي المتواصل منذ 18 يوماً.
كما بزرت مؤخراً تقارير إخبارية وإعلامية متواترة تحدثت عن قيام النظام التركي بطرد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” من تركيا، وأخرى كشفت عن توجه باخرة تحمل أطناناً من الخضراوات لدعم “إسرائيل”، وكل هذا استدعى طرح أسئلة كبيرة داخل تركيا وخارجها حول بدائل أردوغان الجديدة وما هي الفائدة التي ستحملها إليه ودفعته إلى مثل هذه النقلة غير المفاجأة لمن يعرفه جيداً كتاجر بكل شيء.
التحول الذي ناقشه محللون سياسيون ووسائل إعلام مختلفة اتضح مؤخراً في لهجة النظام التركي ورموزه بمن فيهم أردوغان إزاء “إسرائيل” وجرائمها بحق الفلسطينيين اذ جاءت تصريحات رئيس النظام التركي بشأن عملية طوفان الأقصى وكأنها تساوي بين قوات الاحتلال الإسرائيلي وما ترتكبه من جرائم وبين المقاومة التي ترد وتتصدى لهذه الجرائم، كما أن تركيا استخدمت منذ تاريخ العملية في السابع من تشرين الأول الجاري لهجة وصفها محللون بأنها “محايدة”، واكتفت بإدانة الخسائر في أرواح المدنيين.
الحفاظ على العلاقات مع “إسرائيل” كان وفقاً لموقع المونيتور الإخباري أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت أردوغان إلى “تبريد” العلاقات مع “حماس” لتضيف أسباباً أخرى مثل الضغوط الأمريكية المتزايدة والمصالح والاعتبارات الجيوسياسية إلى النقلة في الموقف التركي، ولاسيما بعد لقاء أردوغان برئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي ودعوة الأخير لزيارة أنقرة.
وبالنظر إلى كونه المستثمر الأفضل والمتاجر الأكبر في القضية الفلسطينية وغيرها من الأزمات السياسة والعسكرية فإن تحول موقف أردوغان الواضح وردود أفعال نظامه الباردة إزاء جرائم “إسرائيل” الجديدة في غزة بما يختلف عن ردوده السابقة يطرح تساؤلات كبيرة عن الثمن الذي سيحصل عليه أردوغان على حساب دماء الأطفال والأبرياء في غزة، وعن المقابل الذي وعد به ليتخلى عن الاستثمار بمآسي الفلسطينيين وخلع ثوب المدافع عنهم.
ورغم الدور الذي حرص أردوغان على تمثيله على مدى سنوات من إطلاق التهديدات والوعود بالتصدي لجرائم “إسرائيل” والتجييش الإعلامي المرافق لتصريحاته الطنانة في محاولة لتصوير مواقفه على أنها “بطولية نادرة” إلا أن العلاقات التي تجمع بين أنقرة و”إسرائيل” أوضح من محاولات إخفائها أو تمويهها بمواقف وأقوال استعراضية فقط.
أردوغان الذي اعتاد المتاجرة بالقضية الفلسطينية قال في عام 2016 “علينا القبول بحقيقة أننا بحاجة لـ”إسرائيل” وزار عام 2005 قبر مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هيرتزل ووضع إكليلاً من الزهور عليه، كما أن تركيا تعتبر ثاني أكبر حاضنة لمصانع أسلحة جيش الاحتلال بعد الولايات المتحدة، وتعد “إسرائيل” واحدة من بين أهم الأسواق الخمسة للبضائع التركية، فلا يمكن لأردوغان مهما بالغ في استعراضه اللفظي ومهما حاول اللعب على أوتار القومية والوطنية والإنسانية أن يخفي ما يجمعه من علاقات متينة مع كيان الاحتلال الإسرائيلي.
سيرياهوم نيوز 2_سانا