آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » أرض الجبابرة

أرض الجبابرة

 

نبيه البرجي

 

يحق لايتامار بن غفير القول “لولانا لما كان هناك موطئ قدم للولايات المتحدة في الشرق الأوسط”. كاد يقول… “وفي العالم”. ها أن جو بايدن يقرر اعادة بناء الترسانة الاسرائيلية في وجه حملة السكاكين، أو حملة الحجارة، دون أن يكترث باعادة بناء الترسانات الأوروبية التي فرغت بسبب الحرب في أوكرانيا، وبعدما كان الرئيس الأميركي اياه قد حذر هذه الدول من غزو روسيا، كقوة نووية هائلة، لها .

 

غداة قنبلة هيروشيما، قال الجنرال دوغلاس ماك آرثر “تلك كانت اللحظة الضرورية لاعادة تأهيل التاريخ ليكون تاريخ البشرية لا تاريخ أي مخلوقات أخرى”. مثلما بدأ تاريخ البشرية بحجر قايين، بدأ التاريخ الأميركي بقنبلة ترومان، ليعقّب روبرت ماكنمارا في وقت لاحق “اذا كانت صناعة التاريخ تحتاج الى جثث كثيرة، كيف يكون الحال في اعاة تأهيل التاريخ؟” .

 

هذا يعدما سمعنا أكاديمياً عربياً بارزاً يعتبر أن ما حدث في غزة يفضي، جدلياً، الى اعادة تأهيل التاريخ العربي، كما لو أنه لم يقرأ ما كتبه دانتي، في الكوميديا الالهية” خلال جولته في الجحيم”… رأيت أناساً لا يعيشون ولا يموتون ونحن هكذا، ألا يفترض بنا الخوف على غزة، وما بعد، ما بعد، غزة؟

 

فلسطينيون عاتبون عليّ لأنني لم أكتب عن وائل الدحدوح الذي أبكتني مأساته، كما أبكتني بطولته كزميل وكانسان. الفينيق الفلسطيني الذي كان يتنشق الحياة وهو يحمل، في لحظة ميثولوجية، جثث أبنائه وأحفاده، لألتقي مع صديق قديم هو الفنان التشكيلي مصطفى الحلاج (أعتقد أن أمه من غزة) في وصف أهل القطاع بـ”قوم من الجبابرة”!

هل من شعب بعظمة هؤلاء الناس، وبعيداً عن أية ايديولوجيا، أو أي فصيل؟ صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني قال ان الاسرائيليين صنعوا، في غزة، جيلاً من الأيتام (وكفى الله المؤمنين شر القتال). لم يهتز حرف واحد من وادي عربة، ولا من اتفاقية كمب ديفيد، كي لا تهتز العروش وتقع…

هناك، على أرض غزة، لم يتوقف التاريخ، يوماً، عن الدوي. المؤرخ المقدسي عارف العارف وصف هذا التاريخ بـ “المجيد”، لأنها “صمدت في وجه النوائب بجميع أنواعها، وطوارئ الحدثان بجميع ألوانها، حتى لم يبق فاتح من الفاتحين، أو غاز من الغزاة، المتقدمين والمتأخرين، الذين كانت لهم صلة بالشرق الا ونازلته، فاما أن يكون قد صرعها أو تكون هي قد صرعته” .

 

يوسابيوس القيصري الذي يعرف بـ “أبو التاريخ الكنسي” وقد عاش في القرن الرابع بعد الميلاد، قال “ان غزة تعني العزة، والمنعة، والقوة”. وبحسب “قاموس العهد القديم” الذي وضعه السير وليم سميث، عام 1863، ثمة حروب كثيرة دارت رحاها في المدينة وحولها، “وقد صمدت خلالها” .

قدامى المصريين حكموها لأكثر من 350 عاماً قبل أن ينتزعها الفلسطينيون القدامى من أيديهم، ويحولوها في مدة قياسية الى احدى أهم المدن العالمية المؤثرة في القرن الثاني عشر قبل الميلاد (سليم المبيّض )في كتابه “غزة وقطاعها”.

أما المؤرخ مصطفى الدباغ فقد أوضح أن “جميع مدن، وقرى، ومضارب البدو في غزة، شاركت في القتال ضد البريطانيين واليهود”. وفي ثورة 1929 غادرها اليهود بحراسة الجند (الانكليز)، دون أن يبقى أحد منهم بعد ذلك ليضيف أنه “قبل انسحاب البريطانيين عام 1948، وقعت معارك عدة بين أهل غزة والقوافل الاسرائيلية التي كانت تزوّد المستوطنات المنتشرة في جنوب البلاد بالمؤن والعتاد”.

 

غزة التي ظهرت الى الوجود ما بين عامي 3000 و 3300 قبل الميلاد، أرغمت الاسرائيليين على الانسحاب منها عام 2005، وهي التي تستذكر كيف أن كاهن اسرائيل الأكبر جوناثان أبوس حاصرها عام 1600 قبل الميلاد دون أن يتمكن من الدخول اليها.

 

الآن يحاول الأميركيون، مع بعض أشقائهم العرب، سوقها الى المذبحة الديبلوماسية لنبقى نتأرجح، الى مالا نهاية، بين القبور الصدئة والأزمنة الصدئة …

(سيرياهوم نيوز ١-الديار)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل اقتربت العملية الروسية الخاصة في اوكرانيا من تحقيق غاياتها؟ وماذا كسبت روسيا من حربها؟

  ميخائيل عوض بعيدا عن المواقف العقائدية واللغة الخشبية لتي ميزت ردود الفعل على العملية الخاصة الروسية قبل سنتين وسيل التشكيك والتحليلات التي جزمت بخسارة ...