علي عبود
اعتدنا على التصريحات الإعلامية المتناقضة لدول الإتحاد الأوروبي سابقا أو مثلما تفعل هذه الأيام، فمن جهة يُعلن زعماء الإتحاد الأوروبي في قمتهم الأخيرة أنهم اتفقوا على أن (أيّ عودة للاجئين السوريين المقيمين في مختلف أرجاء الإتحاد الأوروبي يجب أن تكون آمنة وطوعية وكريمة)، ومن جهة أخرى تؤكد دول أوروبية عديدة، وخاصة ألمانيا في تصريحات قادتها شبه اليومية أنها ستعيد قسرا آلاف اللاجئين السوريين إلى بلادهم!
وبمنأى عن تناقض التصريحات، فقد كشفت دراسات وتقارير عديدة صدرت خلال الأيام الأخيرة الآثار السلبية التي ستلحق بالإقتصاد الألماني وهوالأقوى في أوروبا في حال ترحيل عدد كبير من اللاجئين إلى بلادهم سورية رغما عن إرادتهم أيّ قسراً !
ولا تخفي التصريحات التي يُطلقها الألمان على مختلف مستوياتهم الأنانية المفرطة ومقدار استغلالهم للخبرات والمهارات السورية التي كان لها الدور الكبير في نمو اقتصاد ألمانيا على مدى الأعوام الماضية، وبعضهم يُحذر دون أيّ مواربة أن الأزمة الاقتصادية التي بدأت تعصف بألمانيا ستتفاقم أكثر فأكثر في حال إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، لأن هذه الإعادة القسرية ستؤدي إلى (توسيع فجوة المهارات وتُشكّل مشكلة بالنسبة للقطاعات التي تعاني نقص العمالة).
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن ألمانيا لم تستقبل اللاجئين السوريين لأسباب إنسانية أو سياسية، بل اختارت منهم الكفاءات العالية والمهنية التي يحتاجها أقتصادها كالأطباء، والعمال المهرة
وقد أظهرت دراسة أجراها المعهد الاقتصادي الألماني في كولونيا أن هناك نحو 80 ألف سوري (يعملون في ماتُسمّى المهن التي تعاني نقصا في العمالة مثل فنيي هندسة السيارات والأطباء وأطباء الأسنان ، وفي الوظائف ذات الصلة بالمناخ مثل قطاع التدفئة وتكييف الهواء).
ليس خافيا على أحد أن السوريين الذين ساهموا بتنمية وازدهار الاقتصاد الألماني، سيتسببون بتفجير أزمة كبيرة وحادة في هذا الاقتصاد في حال نفذت الحكومة الألمانية تهديدها بترحيلهم قسرا إلى سورية، وقد بدأنا نسمع تحذيرات لهذه الحكومة من الفعاليات الاقتصادية والتجارية والمهنية تطالب بالتراجع عن قرارها بإعادة أعداد كبيرة من اللاجئين قسرا إلى سورية.
وكمثال على ماقد يسببه قرار إعادة اللاجئين بخلق أزمة في الاقتصاد الألماني فقد كشف المعهد أن هناك أكثر من 4 آلاف فني يعملون في قطاع هندسة السيارات لايمكن شغل مايقرب من 70 % من وظائفها بمهنيين مؤهلين من العمالة الألمانية،.
وأكدت دراسة المعهد أن عودة نحو 5300 طبيب سوري يعملون في المنشآت والمشافي والمراكز الصحية ستشكل (ضربة قاسية لقطاع الرعاية بكبار السن، ووفقا للإحصائيات هناك 2470 موظفا في طب الأسنان، و2260 في مجال رعاية الأطفال والتعليم و2160 في مجال الرعاية الصحية والتمريض، و2100 من السوريين يعملون في مجال التدفئة والتكييف..الخ!
ومن اللافت جدا ماأكده (فابيان سمسارها) الخبير الاقتصادي في المعهد الدولي بأن (العمال السوريين مهمون لسوق العمل الألمانية وإنهم يُسهمون بشكل كبير في التخفيف من نقص المهارات في ألمانيا).
كما يعمل نحو 43 ألف سوريي في قطاع التصنيع الذي يُشكل منذ فترة طويلة محركا رئيسيا للنمو حتى التباطؤ الأخير.
وإذا كانت أصوات من اليمين وأقصى اليمين تطالب بإعادة اللاجئين إلى سورية في ظل اقتراب الانتخابات التشريعية في 23/2/2025 فالسؤال: هل ستلبي الحكومة الألمانية مطالب اليمين وتتسبب بأزمة حادة في الاقتصاد الألماني كي لاتخسر الانتخابات القادمة؟
الخلاصة: يعيش في ألمانيا حوالي 973 ألف سوري الكثير منهم حصل على تصاريح إقامة دائمة وبعضهم لاتزال إقامتهم مؤقتة، وقد نشب قبل أسابيع من الانتخابات التشريعية جدل بين من يطالب بعودتهم إلى بلادهم وبين من يرى أن اقتصاد ألمانيا بحاجة لهم، وذلك على الرغم من أن كثيرا من السوريين أسسوا حياة جديدة في ألمانيا ولا يريدون العودة، والمهم أن كل الدراسات والتقارير تؤكد بأن ألمانيا بحاجة إلى لاجئي سورية وبأن إعادة أعداد كبيرة منهم قسرا إلى بلادهم سيتسسب بأزمة إقتصادية لايمكن معالجتها في الأمدين القريب والبعيد، مع التأكيد أن سورية بحاجة ماسة إلى غالبية الخبرات والكوادر والمهارات السورية المهاجرة في مرحلة إعادة البناء.
(موقع اخبار سورية الوطن-2)