“عندي بيت وأرضٌ صغيرة، فأنا الآن يَسكنني الأمان”، سكنَ الأمانُ قلبَ فيروز بامتلاكها لبيتٍ وأرضٍ صغيرة، أما المُزارعُ فلا أمانَ يسكنهُ، ولا قانون يسمحُ له ببناءِ منزلٍ ليسكُنَه.
منذُ سنينَ خلتْ وإشكاليةُ بناءِ البيتِ الزراعي مازالت تتلاقفها عبثية القرارات من جهاتٍ عِدة، فهذا يمنعُ وذاك يشترطُ وغيرهُ يُصدرُ القرارَ وزميلهُ يُلغيهِ، والبعض “يُفصّلُ على مقاسهِ” من دون إيجاد الحلول الملائمة، وحدهُ الفلاحُ متمسكٌ بأرضهِ تائهٌ بلا مأوى!
والبعض “يُفصّلُ على مقاسهِ” من دون إيجاد الحلول الملائمة
البيت الزراعي
القرار الصادر عن وزارة الإدارة المحلية والبيئة رقم ٧٨٥/ق بتاريخ ٢٩/٥/٢٠١١ والذي يتضمن الشروط الخاصة ببناء البيت الزراعي، سمح للمزارعين ببناء بيت في أرضٍ زراعية، لا تقلُّ مساحتها عن ٤ دونمات، أي أن من يملك أرضاً مساحتها ثلاثة دونمات أو أقل، لا يحقُ له البناء فوقها، وحينها احتجَّ الفلاحون بأنَّ الكثيرين منهم لا يملكون المساحةَ المنصوص عليها، وهم بحاجة ماسة لبناء منزلٍ يسكنون فيه داخلَ أراضيهم، وخاصة في المدن الساحلية التي لا تتوفر فيها هذه المساحات الزراعية.
لاحقاً، ألغت وزارة الإدارة المحلية هذا القرار، لكن الإلغاء ليس بناءً على احتجاجات هذه الفئة من الفلاحين، وإنما بسبب التجاوزات والتوسعات العمرانية والتعدّي على الأراضي الزراعية.
لغايات أخرى
مدير الأراضي والمياه في وزارة الزراعة الدكتور جلال غزالة تحدّث لـ “تشرين” عن أسباب إلغاء القرار، بأنه تم استغلال قرار البيت الزراعي لغايات أخرى، فالبيت الريفي تحول إلى فيلات وتوسعات على حساب الأراضي الزراعية، مثل منطقة الصبورة وخان الشيح وفي السويداء، وظهر الجبل -هي بالأساس مزارع تفاح- أصبحت كلها “ڤللاً” ولم يعد اسمه بيتاً ريفياً.
تشريع للمخالفة
هذه المخالفات، حسب غزالة، تمت ملاحظتها من تاريخ صدور القرار لحين إلغائه عام ٢٠٢١، إذ وجدنا أن هذا القرار بمثابة تشريع للمخالفة، وتم استغلاله لغايات السكن وبمساحات واسعة جداً على أراضٍ زراعية، فالبعض ممن يملكون أرضاً زراعية كبيرة، قاموا بتقسيم هذه المساحة إلى مقاسم من ٤ دونمات، وطالبوا بترخيص بيوت زراعية على كل قسم منها، ليتم بيعها لاحقاً على أنها مقاسم سكنية، لذلك تمت المشورة والنقاش مع الجهات المعنية لاتخاذ القرار المناسب، وطالبت وزارة الزراعة لجنة الخدمات في رئاسة مجلس الوزراء بالتشديد على موضوع المخالفات، ودراسة بناء مستودع زراعي بدلاً من البيت، حرصاً من الوزارة للحفاظ على كل شبر من الأراضي الزراعية، وعلى مستوى الإنتاج الزراعي الذي يوفر الأمن الغذائي في سورية.
غزالة: تم استغلال قرار البيت الزراعي فالمخالفات حولت البيت الريفي لفيلات وتوسعات
عشرة دونمات .. ومستودع
وبعد الأخذ والرد وتشكيل اللجان لدراسة مقترح وزارة الزراعة، أصدرت وزارة الأشغال العامة والإسكان قرار المستودع الزراعي بتاريخ ٢٥/٤/٢٠٢٢، بناءً على كتاب من وزارة الزراعة، وتوصية لجنة الخدمات، وتضمنت شروط بنائه أن يكون الحد الأدنى للمساحة المسموح ببناء المستودع الزراعي عليها هي /١٠/ دونمات للأراضي المروية و/٢٥/ دونماً للأراضي البعلية، وتحدد مساحة المستودع بـ/٢٥/ متراً مربعاً فقط، مع السماح ببناء غرفة على سطحه لإقامة المُزارع، وقبو خدمات، وكلها لا يتعدى ارتفاعها ٦ أمتار ونصف المتر.
قرار المستودع الزراعي شملَ كل الأرضي الزراعية في سورية، مع اختلاف طبيعتها وخصوصيتها، والبدهي أن لكل منطقة في سورية خصوصية مختلفة عن سواها، فكيف يطبق القرار نفسه على مدينة ذاتِ مساحات زراعية شاسعة كدير الزور وعلى مدينة اللاذقية التي تفتقر لهذه المساحات في آن واحد؟ وكيف نساوي بين مدينة القنيطرة والحسكة بفرض الشروط نفسها عليهما؟!
أصوات منفردة
معاون مدير الأراضي عبد الله فرود يجيب عن هذا التساؤل، بأن تخصيص قرار البيت الريفي بحسب كل محافظة بحاجة إلى دراسة كاملة وجادّة، ويجب تبيان الاحتياجات من قبل كل محافظة، ولكن للأسف لا يوجد مثل هذه الدراسات، وإنما هي أصوات منفردة، كما أنه لم تتبنّ أية جهة تقديم دراسة منطقية للبيت الريفي، إذ غالباً ما تُقدم فروع الحزب أو النقابات مقترحاً من سطر أو سطرين، ولكن لم يتم تقديم مقترح مدروس بهذا الشأن، ويجب تقديم توصيف للمشكلة و وضع الحل المقترح لها من قبل كل محافظة على حدة”
لا خيارات متاحة
بدورنا، إذا ما أخذنا محافظة طرطوس على سبيل المثال، فلا أرض للاستثمار العقاري متوفرة فيها، وهذا كان السبب الأساسي لتأخر تسليم مشروع السكن الشبابي لمكتتبيه في المحافظة لحوالي ١٢ سنة تقريباً، إذ إن وزارة الأشغال العامة والإسكان لم تجد أراضي لتبني فوقها وتكمل المشروع.
فرود: تخصيص قرار البيت الريفي بحسب كل محافظة بحاجة إلى دراسة كاملة وجادّة ويجب تبيان الاحتياجات لكن للأسف لا يوجد مثل هذه الدراسات
سابقاً كان توسع المخططات على حساب الأراضي الزراعية، ويتم بتغيير صفتها العمرانية إلى أبنية طابقية وأبراج، أما حالياً وبسبب روائز وزارة الزراعة واشتراطاتها، فلا يمكن لأي فلاح أن يبني منزلاً في أرضه، وهو بحاجة ملحّة لهذا المنزل، وفي هذه الحالة لا خيار أمامه للبناء في أرضٍ زراعية أو حتى عقارية، ما دفع الكثيرين للذهاب باتجاه المخالفات، وتحولت القرى أيضاً لعشوائيات كما هو الحال حول المدن، والسبب الرئيس للمشكلة هو القصور في إدارة هذه الملفات، فإن كان لوزارة الزراعة ولجنة الخدمات وجهة نظر في الحفاظ على الأراضي الزراعية من التوسع العمراني، فأين وزارة الإدارة المحلية والبيئة – مديرية مجالس المدن من تقديم المقترحات والدراسات المُفصلة وإيجاد الحلول المناسبة؟.
اختتمت فيروز أُغنيتها بالتمسكِ بالأرض “لا أبيعُ أرضي بذهبِ الأرضِ”، بينما من الممكنِ أن يختتمَ الفلاحُ مطالِبهُ ببيعِ أرضهِ، لعلّ ذلك يمكّنهُ مستقبلاً من شراءِ منزلٍ في تنظيمٍ أو مخالفةٍ أو أي بقعةٍ صخريةٍ نائية.
سيرياهوم نيوز 2_تشرين