| د. قحطان السيوفي
يعاني العالم من أزمة غذاء شديدة الوطأة، وتظهر التوقعات أن نحو 670 مليون شخص سيظلون يواجهون الجوع حتى عام 2030.
ولا تزال صدمات تغير المناخ، وأزمة المياه العالمية، وفقدان التنوع البيولوجي، وغيرها من التحديات تؤدي إلى ضعف الأمن الغذائي وتدفع المزيد من الناس إلى الجوع، وتساهم الصراعات، والصدمات المناخية، وارتفاع تكاليف المعيشة، وضعف الأمن المدني، وانخفاض إنتاج الأغذية؛ في ندرة الغذاء وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
ويعد الاستثمار في قطاع الزراعة أمراً رئيسياً للحد من الجوع والفقر، وتحسين الأمن الغذائي، وخلق فرص العمل، والصمود في مواجهة الكوارث، بما في ذلك الصراعات، والصدمات المناخية، وأوجه عدم المساواة والأزمات الاقتصادية.
هناك قرابة ثلث سكان العالم لا يحصلون حالياً على المغذيات الأساسية والدقيقة اللازمة لحياة صحية، بل، في بعض الحالات، لبقائهم على قيد الحياة، علما أن مزارعي العالم ينتجون حالياً ما يكفي من الأغذية لسكان العالم من حيث السعرات الحرارية.
احتفل العالم هذا العام بيوم الأغذية العالمي وعنوانه «الحق في الأغذية من أجل حياة ومستقبل أفضل» بما يذكرنا بحق جميع الناس في الحصول على أغذية كافية، وموضوعنا هو كيف يمكن للحكومات أن تحوّل هذا الحق إلى واقع ملموس؟
يشير الواقع إلى أن منظمة الأغذية والزراعة العالمية لا يمكنها، في كثير من الحالات، الوصول إلى مناطق الصراع؛ ما يفاقم انتشار سوء التغذية والجوع، وتتركّز جهود المنظمة في بؤر الجوع الساخنة على إعادة بناء البنية التحتية الزراعية، لضمان توافر الأغذية ﺑﺎستخدام الأدوات والوسائل المتاحة.
من جانب آخر، قد يؤدي التضخم، خصوصاً خلال فترات انعدام الاستقرار الاقتصادي، إلى إضعاف القدرة على تحمّل تكلفة الأغذية، وتشكل أزمة المناخ تهديداً كبيراً للأمن الغذائي العالمي، وغالباً تؤدي الأنماط المناخية غير المنتظمة والكوارث الطبيعية إلى القضاء على المحاصيل والثروة الحيوانية.
في مواجهة ذلك، استحدثت المنظمة في بعض دول آسيا، تقنيات الزراعة الذكية مناخياً؛ لمساعدة المزارعين على التكيّف مع الظروف المناخية المتغيرة، ما يضمن ثبات إنتاج الأغذية، وبالمقابل اتجه طموح أغلب حكومات الدول النامية لتحقيق التنمية نحو التصنيع، فأهملت التنمية الزراعية وركزت على الصناعة التي تعتبرها معبراً بالاقتصاد الوطني من حالة التخلف التي ورثها من الحقبة الاستعمارية، ونشير هنا إلى أهم الأسباب لأزمة الغذاء العالمية؛ وهي الصراعات، المناخ، النزوح، وهناك العوامل الديموغرافية والطبيعية وأثرها على استفحال الأزمة، إضافة لنقص التمويل في الدول النامية.
من ناحية أخرى، الحرب الأوكرانية أدت إلى تفاقم المشكلة، وأسفرت عن توقف الصادرات من بلدين من أهم مصدري الحبوب، وهما أوكرانيا وروسيا، اللتين يعتمد عليهما حوالى 50 بلداً في الحصول على ما لا يقل عن 30 بالمئة من وارداتها من الحبوب.
وذلك إضافة لدور روسيا باعتبارها أكبر مصدّر للنيتروجين في العالم، وثاني أكبر مصدّر للبوتاسيوم، وثالث أكبر مصدّر للسماد الفوسفوري.
فعندما تم إيقاف تصدير الأسمدة، ازدادت الأسعار، التي كانت مرتفعة في الأصل قبل اندلاع الحرب، ما تسبب في زيادة تكلفة الأسمدة بمقدار أربعة أضعاف، ومع استمرار الحرب الأوكرانية تشير التقديرات إلى إمكانية تراجع الصادرات الأوكرانية من القمح والذرة بنحو 40 بالمئة.
بالنسبة للعالم العربي؛ استقطبت مسألة التنمية الزراعية والغذاء اهتماماً كبيراً في الآونة الأخيرة، ويقودنا تشخيص أزمة الغذاء في الوطن العربي إلى الحديث عن جملة من العوامل المؤثرة فيها، يمكن تلخيصها في: العوامل الديمغرافية، العوامل الطبيعية، الخيارات التنموية الكلية، وتأثير هذه العوامل في مشكلة الفجوة الغذائية.
عملياً وصلت أزمة الغذاء في الوطن العربي إلى حد حرج تجلت في تنامي الاعتماد على المصادر الخارجية لإطعام السكان وتدهور نصيب الفرد من الناتج الزراعي، وتراجع مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي، ويعوق تخلف القطاع الزراعي مسيرة التنمية في القطاعات الأخرى، ويعزى قصور الإنتاج الزراعي العربي إلى:
1- انخفاض نسبة الأراضي الصالحة للزراعة مقارنة مع المساحة الكلية، وتدني نسبة ما هو مزروع فعلاً منها لتصل حوالي 35 بالمئة من مجموع الأراضي القابلة للزراعة.
2- اعتماد أغلب الزراعات العربية على العوامل المناخية.
3- ندرة المياه وسوء استغلالها وهدرها، ويعد الوطن العربي من أقل مناطق العالم وفرة للمياه.
4- الانفجار السكاني ودوره السلبي في عرض الإنتاج الزراعي غير القادر على تلبية الطلب.
وإضافة للتصحر والجفاف.
لم تكن الدول العربية أكثر حظاً من باقي دول العالم الثالث، فقد اتجهت الإستراتيجيات التنموية نحو التصنيع، ويعد إهمال القطاع الزراعي في التوجهات التنموية العامة سبباً لتعميق العجز الغذائي للدول النامية وهنا نعرض أفكاراً حول دور حكومات الدول النامية في مواجهة أزمة الغذاء العالمية.
1- أهمية التعاون العالمي وجهود الحكومات والمؤسسات المالية والقطاع الخاص والشركاء هي السبيل الأمثل لمواجهة أزمة الغذاء العالمية.
وﺑﺈمكان المزارعين اتباع ممارسات زراعية مستدامة تحسّن التنوع البيولوجي وتدير الموارد الطبيعية بشكل مسؤول.
2- إن تحقيق خطة التنمية المستدامة 2030 تمثّل تعهداً جماعياً ﺑﺎلعمل من أجل الإنسان وكوكب الأرض والازدهار، ويتحقق هذا الهدف من خلال تحويل نظم الأغذية الزراعية بما يُحقق الأفضليات الأربع: إنتاج أفضل، وتغذية أفضل، وبيئة أفضل، وحياة أفضل.
3- على الدول النامية اعتماد العلم والابتكار، وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي، والزراعة الرقمية كقوة حاسمة في تحويل نظم الأغذية الزراعية، ويمكن للأفراد كمستهلكين أن يؤدوا دوراً في الحد من «البصمة الغذائية»، باتباع أنماط حياة صحية، والحد من هدر الأغذية، وتعزيز تنوعها.
4- ضرورة توفير تسهيل تمويلي لاستيراد الغذاء، ونلاحظ في بلدان الصراع أنها، أولاً، لا تستورد احتياجاتها، وثانياً، يستورد بعضها أغذية ذات محتوى منخفض من السعرات الحرارية، وهو ما قد يؤدي إلى مشكلات كبيرة، وثالثاً، تنقصها الموارد، في هذا السياق فإن حكومات الدول النامية بحاجة إلى حلول سياسية ودبلوماسية لتعزيز جهود بناء السلام وضمان الوصول الآمن وغير المقيد عبر الحدود وخطوط الصراع، لإنقاذ الأرواح والحد من انتشار كارثة الجوع.
على الحكومات توفير الموارد اللازمة لإنهاء أزمة الغذاء، وعلى الحكومات أيضاً زيادة الشفافية بشأن المعلومات، وهنا يأتي دور «نظم معلومات الأسواق الزراعية»، وضرورة زيادة كفاءة استخدام الأسمدة.
ختاماً، الدول النامية تنتج أقل مما تستهلك، وإن الارتفاع المستمر في معدلات الجوع وانعدام الأمن الغذائي، الذي يغذيه تفاعل معقد بين العوامل، يتطلب من حكومات الدول النامية اهتماماً فورياً وجهوداً عالمية منسقة للتخفيف من هذا التحدي الإنساني الخطير.
وعلى الحكومات أن تفهم أن الحق في الأغذية وحده لن يسد الجوع، لكنه يساعد على تأطير الطموحات الجماعية ﺑﺎلعالم العادل والمنصف، ما يؤكد دور حكومات الدول النامية في مواجهة أزمة الغذاء.
وزير وسفير سوري سابق
سيرياهوم نيوز١_الوطن