صعدت أزمة النزوح السوري في لبنان إلى واجهة الأحداث، مع شن الجيش اللبناني عدّة حملات في عدد من المناطق أوقف فيها عدد من النازحين وتم رحيلهم ووضعهم على الحدود بين لبنان وسورية، وبعدها بدأت القوى السياسية اللبنانية والجهات الحكومية تطلق مواقف تعلن فيها ان لبنان لم يعد يحتمل بقاء النازحين في البلاد وأن هذا الملف آن الأوان لحله بعودة كافة النازحين السورين الى بلادهم. وبدت القضية محل اجماع لبناني من حيث مبدأ ضرورة عودة النازحين بين تيارات لبنانية منقسمة في السياسة، وبقيت كيفية معالجة هذا الملف هي محل تباينات بين من يرى ان من الاجدى التحدث الى الحكومة السورية وتنسيق العودة الطوعية معها، كما تفعل تركية الان رغم حالة العداء بين انقرة ودمشق. وبين من ينادي باستمرار الإجراءات الأحادية في المناطق اللبنانية للتضييق على النازحين.
وتجدر الإشارة إلى أن ملف النزوح السوري بالنسبة لقوى لبنانية مناوئة لدمشق كان بالأساس ملفا سياسيا منذ بداية الحرب في سورية، واصرت هذه القوى على فتح الحدود اللبنانية لاستقبال النازحين، وخاضعت معركة بقائهم وتثبيتهم في لبنان كجزء من مشروع اسقاط النظام في سورية، رغم التحذيرات التي صاحبت ذلك ومطالبات ضبط الحدود وتنظيم دخول النازحين بدلا من ترك الحدود مفتوحة على الغارب. واليوم هذه القوى وعلى رأسها حزب القوات اللبنانية تتصدر المطالبات بإعادة النازحين بعد ان انتهى الاستثمار السياسي من وجودهم. وهذا ما دفع أوساط لبنانية الى اتهام هذه القوى بان موقفها من النزوح لم يكن إنسانيا منذ البداية، انما استخدمت الغطاء الإنساني لتصفية الحسابات مع سورية، وكانت جزء من مشروع دولي إقليمي لاسقاط النظام عبر تأجيج الفوضى في سورية. وترد هذه القوى السياسية بالقول انها استقبلت النازحين في فترة كانت فيها سورية تشهد معارك، اما الان فلم يعد هناك موانع لعودتهم. هذا الجدل لا يحجب ان ثمة اجماع لبناني على ضرورة حل مشكلة النازحين السوريين في لبنان. نظرا للازمة الاقتصادية والمعيشية التي تشهدها البلاد، بالإضافة الى طروحات تتعلق بهوية النسيج الاجتماعي اللبناني والخطر الذي يشكله النازحون على التركيبة السكانية، والخوف المشترك من مسألة توطين النازحين، والتي ترى اغلب القوى السياسية ان الدول الغربية تسعى لفرضها على لبنان من خلال تنظيم طويل الاجل لحياة النازحين في البلاد. وفي هذا السياق اشار وزير الدفاع في حكومة تصريف الاعمال اللبنانية موريس سليم الى ان المجتمع الدولي يضغط لبقاء النازحين السوريين، وهو مصر على دمجهم في المجتمع اللبناني، ولا اعلم مقاصد المجتمع الدولي، وهو يدفع للنازحين اموال بالعملة الصعبة”.
ولفت سليم في حديث تلفزيوني، إلى “ضرورة ان يتم دفع المساعدات للنازحين في بلدهم، بدل دفعها في لبنان”. وأكد بأنه لا ربط في موضوع النازحين والطروحات السياسية الأخرى، والضغط الاساسي اليوم هو بسبب ما يرتكب بعض النازحين من تجاوزات”.
ولفت إلى أن “المعالجة عبر العلاقات والتواصل بين الحكومتين اللبنانية والسورية”، واوضح بان “الجيش يضبط المتسللين عبر الحدود، وهو يسلم المتسللين للجيش السوري”.
ومن ناحيتها قرّرت اللجنة الوزارية، التي اجتمعت برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، الطلب من المفوّضية العليا لشؤون النازحين، وضمن مهلة أقصاها أسبوع، تزويد وزارة الداخلية والبلديات بالداتا الخاصة بالنازحين السوريين على أنواعها، على أن تسقط صفة النازح عن كلّ شخص يغادر الأراضي اللبنانية. كما قرّرت الطلب من الأجهزة الأمنية التشدّد في ملاحقة المخالفين ومنع دخول السوريين بالطرق غير الشرعية، ومن وزارتي الداخلية والبلديات والشؤون الاجتماعية إجراء المقتضى القانوني لناحية تسجيل ولادات السوريين على الأراضي اللبنانية بالتنسيق مع المفوضية العليا لشؤون النازحين.
كذلك، قرّرت اللجنة الطلب من الدول الأجنبية المشاركة في تحمّل أعباء النزوح السوري خاصة مع تزايد أعداد النازحين في ضوء تفاقم الأزمة الاقتصادية. ومن وزارة العمل، وبالتنسيق مع المديرية العامة للأمن العام، التشدّد في مراقبة العمالة ضمن القطاعات المسموح بها. والطلب من وزير العدل البحث في إمكانية تسليم الموقوفين والمحكومين للدولة السورية بشكل فوري مع مراعاة القوانين والاتفاقيات ذات الصلة وبعد التنسيق بهذا الخصوص مع الدولة السورية. إضافة إلى تكليف وزيري الشؤون الاجتماعية والعمل وأمين عام المجلس الأعلى للدفاع ومدير عام الأمن العام بالإنابة متابعة تنفيذ مقرّرات اللجنة والتنسيق بشأنها مع الجانب السوري.
وظهرت دعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لإقامة تظاهرة للنازحين السوري امام مقر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لمطالبة المفوضية بحماية النازحين من عمليات التحريض والترحيل، بمقابل دعوات لتظاهرات معاكسة تندد بالنازحين وتطالب بترحيلهم، وهو استدعى تحركا من وزير الداخلية اللبناني “بسام المولوي” الذي اصدر امرا بمنع التظاهرتين تجنبا للتصعيد.
هذه التطوّرات خلقت نوعا من الاحتقان بين فئات واسعة من اللبنانيين وبين النازحين السوريين، وللأسف تسهم جهات مجهولة ومواقع التواصل في تأجيجها وتصعيدها، وتتحول لغة الحاجة اللبنانية إلى التخلّص من أعباء اللجوء السوري، والمخاوف من التوطين الى لغة التحريض والكراهية ضد السوري في لبنان، وهذا ينذر بسيناريوهات ومأالات سيئة للغاية. وتقع على القوى السياسية وعلى الحكومة اللبنانية مسؤولية المعالجة السليمة لهذا الملف من خلال التواصل الجدي مع الحكومة السورية، وإيجاد نوع من التعاون، خاصة ان الحكومة السورية أبدت استعدادا وترحيبا بعودة النازحين. وبذات الوقت عدم الانصياع للتحذيرات الغربية والأمريكية التي تمنع الحكومة اللبنانية من الانفتاح على سورية، وتعرقل مسار الجهود الرامية لإعادة النازحين إلى بلادهم.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم