مع الإعلان عن وقف لإطلاق النار في إقليم ناغورنو كاراباخ، يطرح السؤال عن النتائج العسكرية والسياسية، فمن الخاسر ومن الرابح وفي ظل إنجازات ميدانية غير واضحة، هل ينجح التفاهم الحالي في تأسيس حل جذري للأزمة بين أذربيجان وأرمينيا؟
بعد أسبوعين من انطلاق شرارة المعارك بين أرمينيا وأذربيجان في إقليم ناغورنو كاراباخ، يوافق المتحاربون على وقف مؤقت لإطلاق النار.
تطور جوهري في مسار الأزمة لا تلغيه الخروقات من كلا الطرفين، لكن المفارقة أنه ليس واضحاً ما تحقق بالفعل في الميدان.
أي اتفاق على وقف لإطلاق النار يقتضي موافقة الطرفين، إما لرغبة بالخروج من مأزق الحرب، أو لالتقاط الأنفاس تحضيراً لجولة جديدة، لكن يأتي إعلان وقف إطلاق النار في إقليم ناغورنو كاراباخ، أشبه بمحطة لتقييم الجوانب العسكرية والسياسية لنتائج المعركة الأخيرة، ويبدو أن لا تغييرات ميدانية كبيرة واستراتيجية تحققت خلال جولة القتال، وعليه ليس واضحاً ما أنجز من الأهداف المعلنة لأذربيجان.
باكو التي لم تخف منذ بدء المعارك هدفها في استعادة إقليم ناغورنو كاراباخ ورفضها التفاوض مع يريفان قبل أن تقبل الأخيرة بوضع جدول زمني للانسحاب من أراضي أذربيجان، ظاهر الأمر لا يشير إلى أن هذه الأهداف تحققت على الأرض، على الرغم من إعلان أنقرة السريع عن دعمها باكو والاستعداد للمشاركة العسكرية المباشرة في الحرب إلى جانب أذربيجان.
وظاهر الأمر أيضاً، أن الدعم الإسرائيلي لأذربيجان كان بلا جدوى والدخول السريع على خط الأزمة بصفقات سلاح تجاوزت الـ5 مليارات دولار، لم تمكن أذربيجان من حسم الصراع، فيما لم تتأخر أرمينيا أيضاً في الاستجابة ووقف إطلاق النار ربما لرغبتها في الحفاظ على حالة الاستقرار التي كانت قائمة هناك أو ربما بسبب مكاسب ميدانية حققتها باكو دفعت بيريفان للقبول بالتفاوض.
أما في الجانب السياسي لجهة تحديد الرابحين والخاسرين من الدول الكبيرة في الإقليم، فإذا كانت موسكو وطهران حققتا ما تصران عليه منذ بدء الحرب، وهو وقف إطلاق النار والتفاوض، فإن السؤال يبقى ما الذي حققته أنقرة في هذه الجولة من الصراع؟
رئيس تحرير صحيفة “إيران ديبلوماتيك” عماد ابشناس، قال إن أذربيجان لم تحصل على الدعم الذي تتمناه من الأذريين الإيرانيين بسبب علاقتها بـ”إسرائيل”.
وأضاف ابشناس في حديث مع الميادين، أنه يمكن اعتبار أن إيران وروسيا ربحتا من خلال إفهام أذربيجان بعدم إدخال “إسرائيل” و”الناتو” للمنطقة، مشيراً إلى أن الروس أرادوا إفهام الأذاريين أنه لن يعجبهم تواجد الناتو و”إسرائيل” في حديقتهم الخلفية.
أبشناس كشف أنه “تم ابلاغ أذربيجان من إيران وروسيا أن بقاء الدواعش على أراضيها قد يعالج بتدخل عسكري إذا اضطر الأمر”، مؤكداً أن إيران لديها معلومات دقيقة عن مشاركة مقاتلين من “مجاهدي خلق” بالمعارك مع الأذريين.
ولفت إلى أن إيران وروسيا “يضغطان على جورجيا لأنها سمحت لتركيا نقل المسلحين عبر أجوائها”، مشدداً على أن “الأتراك نقلوا بعض المقاتلين الإيغور إلى أذربيجان”.
وقال أبشناس إنه “في هذه الحرب لم يتطوع أي من الإيرانيين الأذريين للقتال مع أذربيجان بسبب وجود الإرهابيين هناك”، منوهاً إلى أن “الروس فرضوا وقف إطلاق النار على أذربيجان وأرمينيا”.
من جهته، مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية، رياض الصيداوي، قال إنه “من المفروض أن مشاكل الحدود تحل سياسياً”.
وأضاف الصيداوي في حديث مع الميادين، أنه لا يعتقد أنه تحقق أي شيء كبير على المستوى العسكري، مشيراً إلى أن “العامل الجديد في حرب كاراباخ ادخال تركيا للدواعش في المعركة”.
الصيداوي اعتبر أن “العلاقة الروسية التركية في ظاهرها صداقة وفي جوهرها صراع كبير”، لافتاً إلى أن “روسيا منعت تقسيم سوريا من خلال تدخلها الإيجابي في المنطقة”.
وأكد الصيداوي أن العلاقات الروسية الإيرانية “مبنية على الثقة والتعاون”، مضيفاً أن العلاقة بين روسيا وتركيا “علاقة صداقة تخفي حقيقة الصراع”.
المستشار في أكاديمية ناصر، نصر سالم، قال بدوره للميادين، إن “الخسائر نتيجة الحرب في كاراباخ لحقت بأرمينيا وأذربيجان”.
وأضاف سالم أن “أذربيجان كما دول سابقة في الاتحاد السوفياتي تعتبر إسرائيل الباب الملكي لواشنطن”، لافتاً إلى أنه “لا يمكن حل المشكلة في كاراباخ عسكرياً”.
سالم أشار إلى أن “المجتمع الدولي لن يقبل بإنهاء الأزمة في كاراباخ من خلال تصفية شعب أو طرده من أرضه”، مشدداً على أنه “لا مفر من الحل السياسي الذي ينهي الأزمة في كاراباخ”.
ولعل روسيا وإيران أكثر المستفيدين من وقف إطلاق النار، وقد تمسكتا بالدعوة إلى التهدئة والحوار منذ الساعات الأولى لاشتعال فتيل المعارك على حدودهما، لذا فإن السؤال في ميزان الربح والخسارة بالمعنى السياسي بين كبار الإقليم روسيا وإيران وتركيا، مشروع بعد مراهنة تركيا على تحقيق مكاسب من خلال العمل العسكري.
(سيرياهوم نيوز-الميادين)