| فراس القاضي
بعد سنوات من الحديث المتواصل وشبه اليومي عن شح القطع الأجنبي، وبعد عشرات القرارات القاسية على الاقتصاد والتي كان هدفها الأساسي الحفاظ على هذا القطع؛ من إيقاف استيراد الكثير من المواد، إلى برنامج إحلال بدائل المستوردات، إلى إنشاء منصة تمويل المستوردات، إلى مراسيم تجريم التعامل بالقطع الأجنبي أو حتى ذكره.. فاجأ مصرف سورية المركزي الجميع منذ أيام بقرار مجلس النقد والتسليف رقم (169) الذي يسمح للمصرف المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي، بمنح قروض بالعملات الأجنبية لتمويل مشروعات استثمارية تنموية؟!
هل يوجد إمكانية؟
أسئلة كثيرة تبادرت إلى أذهان المختصين والمتابعين حول القرار، ومنهم الخبيرة الاقتصادية والعميد السابق لكلية الاقتصاد في القنيطرة الدكتورة رشا سيروب التي بدأت أسئلتها بما رأته الأهم: هل لدى هذه المصارف القدرة على الإقراض بالقطع الأجنبي؟
تقول سيروب: إنه وبعد قراءة مفصلة للقرار، وبعد الاطلاع على التقارير المالية للمصارف التي سمح لها القرار بالإقراض (حتى نهاية 2022 والبعض الآخر لغاية أيلول 2022) تبين أن القطع الأجنبي المتوافر لديها يتراوح بين 2 و2.5 مليار دولار، والإشكالية ليست في الرقم، بل بتوزعه وأماكن وجوده، إذ إن أكثر من نصف هذا الرقم موجود في المصرف التجاري السوري، (تقريباً بحدود 1.5 مليار دولار)، أما معظم ما تملكه المصارف الخاصة من قطع أجنبي، فموجود في مصارف خارجية، وحسب التقارير المالية التي صدرتها هذه المصارف عن طريق سوق دمشق للأوراق المالية، فإن جزءاً كبيراً من أموالهم في لبنان، وغير قادرين على سحبها، وبالتالي غير قادرين على الإقراض، وجزء آخر من هذه المصارف بيّن صراحة أن جزءاً من أمواله في الخارج خاضعة للعقوبات وغير قادر على تحريكها، أي إن هذه المصارف ولو كانت تملك القطع الأجنبي، إلا أنه غير قابل للإقراض، أضف إلى ذلك أن 9 من أصل 14 من مصارفنا الخاصة لم يحققوا لغاية اللحظة شروط الحد الأدنى من رأس المال الذي حدده القانون رقم 3 لعام 2010، والذي هو 10 مليارات ليرة للمصارف التقليدية الخاصة، و15 مليار ليرة للمصارف الإسلامية، أي إنهم غير قادرين على الإقراض أساساً، فكيف سنعول عليهم لتنفيذ القرار؟
كيف سنرمم القطع؟
أمر آخر بخصوص المصارف تتساءل عنه سيروب، هل لديها الإمكانية لترميم القطع الأجنبي في حال تم الإقراض؟ إذ إن معظم القطع الأجنبي الذي يصل للمصارف قادم من التحويلات الخارجية التي تأتي أساساً عبر شركات الصرافة، وجزء آخر عن طريق قطع التصدير، لكن عند الإقراض لمشاريع استثمارية تنموية كما سماها القرار، أي مشروعات كبيرة، هل لدينا الإمكانية والقدرة على ترميم الجزء الذي سيتم إقراضه من خلال قطع التصدير، في الوقت الذي معظم صادراتنا -حسب البيانات الرسمية أو الخارجية- لا تتجاوز المليار دولار؟ وبموجب القرار 1071، المصدر يحق له وضع 50 بالمئة من قطع التصدير في الداخل، أي على الأكثر 500 مليون دولار، فهل تكفي؟!
نقطة أخرى لا تقل أهمية برأي سيروب، وهي أن معظم هذه الأموال ودائع مودعين قصيرة الأجل، أي إنها إما حسابات جارية أو ودائع لأقل من ثلاثة أشهر، وعادة، قروض المشروعات الاستثمارية التنموية تكون طويلة الأجل، ولا يمكن تقديمها من ودائع قصيرة الأجل، وذلك للحفاظ على أموال المودعين، وكي لا يكون هناك مخاطر في الإقراض، لأنه ماذا لو رغب المودعون بسحب أموالهم؟
لذا، فإن ما سبق يدفعنا للاعتقاد بأن يكون هذا القرار دعماً لقانون الاستثمار رقم 18 الذي سمح في مادته رقم 28 للمشروعات المرخصة عن طريقه بأن تحصل على تسهيلات ائتمانية بالقطع الأجنبي.
الغاية جمع القطع
وقبل الخوض أكثر في التفاصيل، لا بد من طرح السؤال الذي سيقفز فوراً إلى بال كل من قرأ القرار، وخاصة في ظل الحالة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السوريون: هل سيكون للقرار تأثير على الاقتصاد المحلي؟
سيروب رأت أنه لن يكون كذلك، لأن نوعية المشروعات التي حددها القرار (الموجهة للأنشطة الاقتصادية التصديرية) تعني أن الغاية منها التصدير وليس المشروعات التنموية التي تخدم حاجة الاقتصاد المحلي، وتضيف: «صحيح أن القرار لم يذكر صراحة الهدف منه، إلا أن الغاية واضحة، وهي تأمين قطع أجنبي فقط بغض النظر عن حاجة الاقتصاد المحلي، ومن غير المنطقي أن يكون الهدف الدائم للمؤسسة النقدية هو الحصول على قطع أجنبي! بل يجب أن تكون الغاية خدمة الاقتصاد المحلي بمشاريع إنتاجية تنموية»، وطرحت السؤال التالي بناء على ما ورد في القرار: في حال أراد مستثمر ما إنشاء معمل أدوية لتخديم السوق المحلية فقط دون تصدير، فهل سيمنح قرضاً؟
ليس كذلك فقط، بل هناك ما هو أخطر حسب سيروب، وهو أن يكون القرار موجه لتمويل المشروعات السياحية، لأنها الوحيدة المسماة خدمية، والتي من الممكن أن تحصل على قطع أجنبي، لأن السائح يستطيع الدفع بالعملة التي يشاء، لكن هذه المشروعات لا تخدم الاقتصاد السوري في المرحلة الراهنة.
السؤال السابق، أخذ الحديث إلى المزيد من الأسئلة، مثل: لماذا لم يحدد القرار نوعيات المشروعات التي يقصدها ويريدها؟ لأن توصيف (استثمارية تنموية) غير واضح، خاصة أن هناك سابقة حددت نوعية المشروعات، وهو القرار 433 الذي أصدره مجلس النقد والتسليف عام 2021 القاضي برفع سقف الإقراض للمشروعات الصناعية، والذي حدد ما هي المشروعات الصناعية المطلوبة، وأضاف لها المشروعات الخاصة بالطاقات المتجددة.
ماذا عن التسديد؟
القرار برأي سيروب يشوبه غموض، ومصرف سورية المركزي لم يقل ما هي الأسباب الموجبة لإصداره، وأضافت أسئلة جديدة على كل ما سبق، أولها ما الجدوى من مثل هذا القرار؟ وكيف سيسدد المقترض أقساطه؟
تقول: القرار سمح بالتسديد من حسابات المقترض من المصارف المرخصة محلياً، هذه ليس إشكالية، الإشكالية في الجزئية الثانية؛ التسديد من حساباته المفتوحة في الخارج، لأن هناك تجربة سابقة، وهي التي سمحت – حسب القرار 1070 – للمستورد بتمويل مستورداته من حساباته المفتوحة في الخارج، لكن ما حدث، أن الجميع اتجه إلى منصة تمويل المستوردات التي يعترضون عليها ليل نهار، أي إنهم يريدون استخدام القطع الأجنبي الموجود في الداخل، وليس لديهم استعداد لاستخدام القطع الموجود في الخارج، خاصة أن القرار أراد أن يذكروا بشكل صريح طبيعة نشاطاتهم، وفي ظل العقوبات، من الصعب جداً على أي شركة في الخارج، إن كانت لسوريين أم غير سوريين أن تربط نفسها مع سوريين في الداخل، لذا يبقى الخيار المتاح الوحيد لتسديد أقساطهم هو نقداً، أي فعلياً سيلجأ المقترض مرة أخرى للسوق المحلية، ويحول إيراداته المحققة في الداخل بالليرة إلى قطع أجنبي، أي سيزداد الطلب على القطع، وسنعود إلى المشكلة ذاتها لأن هذا نوع من أنواع المضاربة.
وختمت سيروب بتكرار تخوفها من أن تتوجه الاستثمارات في حال تطبيق القرار إلى المشروعات السياحية التي لا تفيد الاقتصاد الوطني في المرحلة الراهنة.
سيرياهوم نيوز1-الوطن