علي عبود
حسنا، يجب طرح السؤال مباشرة: هل حركة حماس تناور الأمريكي، أم تسعى فعلا للقبول باتفاق يحقق الشروط “الإسرائيلية ”؟
قبل الإجابة على السؤال يجب التذكير بما أكدته الحركة مرارا: مابعد عملية (طوفان الأقصى) ليس كما قبلها.
لقد تجنّب الكثيرون طرح بعض الأسئلة الملحة على حركة حماس خلال الأشهر التالية على عملية (طوفان الأقصى)، كما أن الحركة لم تجب على أيّ سؤال مهم من قبيل: هل مبادرة بايدن التي وافقت عليها حماس تحقق أهداف عملية طوفان الأقصى؟
كانت الأهداف المعلنة في الأيام التالية للعملية: تبييض السجون “الإسرائيلية ” من الأسرى الفلسطينيين وبشكل خاص الرموز منهم كمروان البرغوثي، وفك الحصار عن قطاع غزة، والإفراج عن الأموال المحتجزة المرسلة إلى القطاع، وفرملة عمليات التطبيع مع العدو، وإعادة القضية الفلسطينية إلى دائرة اهتمام (المجتمع الدولي)..الخ!
وبما أن حركة حماس وضعت في حساباتها الرد “الإسرائيلي” العنيف، فهذا يعني أنها توقعت قيام العدو بارتكاب مجازر وحشية، واستعدت جيدا للمقاومة، ولمنع احتلال غزة مجددا من خلال اتفاق مكتوب، وبالتالي فإن السؤال الذي يطرحه الكثيرون في الأسابيع الأخيرة، ومن واجب حماس الرد عليه بوضوح: ماذا حققت حماس المدعومة بجبهات إسناد من لبنان والعراق واليمن وإيران من أهدافها المعلنة؟
ماكشفته مفاوضات مشاريع اتفاقيات الهدنة أو اتفاق إطلاق النار، أن حركة حماس لن تقبل به إن لم ينص على إطلاق عدد كبير من الأسرى، وبانسحاب الجيش “الإسرائيلي” من قطاع غزة بما فيها معبري نتسريم وفيلادلفيا وبإدارة فلسطينية للقطاع والبدء بإعادة إعمار غزة، وبضمانات دولية لتطبيقها!
حسنا، السؤال: ماذا كسبت حركة حماس من عملية طوفان الأقصى وهي التي أكدت مرارا إن مابعده ليس كما قبله ؟
وبسؤال أكثر دقة ومباشرة: ماالجديد في الشروط التي تؤكد عليها حماس كي تقبل بالإتفاق الأمريكي ـ “الإسرائيلي” والتي تعد إنجازا فعليا للمقاومة وللقضية الفلسطينية؟
قبل عملية طوفان الأقصى لم تكن أيّ قوة “إسرائيلية” داخل غزة، ولا في معبرفيلادلفيا، وكانت هناك دائما وساطات مصرية ـ قطرية مع “إسرائيل” للإفراج عن أسرى فلسطينيين، وقد تم تحرير الكثير منهم في السنوات الماضية، وبالتالي مامكاسب حركة حماس بمطالبتها بعودة الوضع في قطاع غزة إلى ماقبل طوفان الأقصى؟!
أكثر من ذلك فإن عودة الوضع في غزة إلى ماقبل (طوفان الأقصى) لم تعد ممكنة حتى لو قبلت “إسرائيل” بشروط حماس كاملة (وهذا غير وارد عبر المفاوضات) لأن هذه العودة مع عشرات آلاف الشهداء والجرحى، وقطاع مدمر بالكامل..الخ، تعني هزيمة محققة للمقاومة الفلسطينية وتحديدا هزيمة لحركة حماس!
هل نبالغ في هذا الإستنتاج في حال لم تكن حركة حماس تناور، وقبلت باتفاق بايدن؟
من الواضح أن “إسرائيل” بدعم أمريكي لن تنسحب من معبري نتساريم وفيلادلفيا، مايتيح لها حصار غزة 100% ، ولن تنسحب من القطاع قبل إخراج القيادات الفلسطينية منه إلى خارج فلسطين المحتلة (كما فعلت مع منظمة التحرير في بيروت عام 1982) ويعني أيضا الإشراف الكامل على إعادة إعمار غزة، وستحرص أن لايُنجز الإعمار قبل 30 عاما لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة اختياريا..الخ!
والسؤال المحيّر: لماذا تصرّ حماس على وقف دائم لإطلاق النار، وهي التي كانت تعارضه في المواجهات السابقة مع العدو؟
من الواضح جدا أن أي اتفاق لن يتم إلا بقبول وجود عسكري “إسرائيلي” دائم في محور صلاح الدين (ممر فيلادلفيا على طول الحدود بين غزة ومصر، وعلى المحور الأوسط (ممر نتساريم) الذي يفصل شمال غزة عن جنوبها، وهدف “إسرائيل” من السيطرة على هذين المحورين ـ حسب زعمهاـ منع حماس من تجديد ترسانتها من الأسلحة، ومنع مقاتلي حماس من العودة إلى شمال القطاع، أيّ انها ستستأنف الحرب على المقاومة فور تنفيذ الإتفاق!
وفي حال قبول حماس بهذه السيطرة فهذا يعني أيضا هزيمة مدوية لها.. والمسألة ليست بمناقشة فرضية القبول أو رفض سيطرة “إسرائيل” على المعابر، وإنما بسؤال يجب أن تجيب حماس عليه: ماذا حققت عملية طوفان الأقصى إن كان هدف حماس الآن عودة الوضع في قطاع غزة إلى وضع أقل مما كان عليه قبل 7/10/2023؟
نعم، حماس محقة بقولها ان أيّ وجود دائم في غزة سيكون بمثابة احتلال عسكري لكن السؤال: هل ستنسحب “إسرائيل” من غزة بالمفاوضات أم بالقوة؟
ونعيد ونكرر: “إسرائيل” لم تكن تحتل أي شبر من غزة قبل 7/10/2023، وكانت عملية طوفان الأقصى لرفع الحصار عن القطاع ولتببيض السجون “الإسرائيلية” من الأسرى الفلسطيين..وليس لعودتها مجددا ‘إلى معبر فيلادلفيا ..الخ.
والخطر الداهم ليس بعودة الاحتلال إلى غزة، وإنما بمخطط “إسرائيلي” لتهجير الفلسطينيين وإقامة المستوطنات تمهيدا للإستيلاء على غاز القطاع ولتحقيق الأستقرار الأمني الضروري لنجاح مشروع الممر الهندي!
وإذا كان “نتنياهو” يُفضّل التخلي عن الأسرى بهدف السيطرة على كل المعابر، فهذا يعني أن حماس فقدت ورقة مهمة للتفاوض، لكنها في حال كانت تناور الأمريكي و “الإسرائيلي” في المفاوضات التي تجري منذ أشهر، فهي تملك ورقة مهمة جدا تجعلها في مركز القوي، وهي ورقة مستوطنات غلاف غزة، فمثلما جعلت “إسرائيل” من غزة غير قابل للحياة، فيمكنها أن تدمر كل مستوطنات الغلاف لجعله غير قابل للحياة أيضا.
الخلاصة: الهدف الأمريكي ـ “الإسرائيلي” الإستراتيجي من أي اتفاق أن يكون مؤقتا يحرر الأسرى لتستأنف “إسرائيل” بعدها الحرب على القطاع لوضع الفلسطينيين أمام خيارين: القتل أو التهجير، ومن ثم تنتقل لشن حرب على الضفة الغربية لتهجير أهلها إلى الأردن، وبالتالي ليس أمام حماس سوى خيار واحد وهو المقاومة والإستمرار بحرب استنزاف ضد الاحتلال حتى طرده من القطاع ، ومنع المستوطنين من العودة لغلاف عزة، وإرغامه على فك الحصار عن القطاع ، وتبييض السجون من الأسرى الفلسطينيين، أي تحقيق الأهداف الإستراتيجية لعملية طوفان الأقصى.
(موقع سيرياهوم نيوز-٢)