رشا محفوض
بعد غياب أكثر من أربعين عاماً عن دمشق عاد الفنان القدير أسامة الروماني إلى وطنه حاملاً معه جزءاً من وجدان المسرح السوري في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بشخصياته الراسخة في الذاكرة فهو أحد القلائل الباقين من حقبة زمنية وتجربة اتسمت بالتألق بعد جيل الرواد.
المسرحي العتيق الروماني الذي كرمه ملتقى الإبداع في المعهد العالي للفنون المسرحية واحتضنته خشبة مسرح سعد الله ونوس بإدارة الناقد سعد القاسم وعلى مدار ساعتين من الزمن أعاد ترميم جزء من ذاكرة حقبة زمنية مفصلية بتاريخ المسرح السوري مستهلاً حديثه بالإشارة إلى عدم توثيق أعمال الحركة المسرحية في سورية في ستينيات القرن الماضي رغم أنها تماهت مع الناس وعبرت عنهم.
بداية دخوله إلى عالم المسرح استعرضها الروماني عندما تأسس في دمشق عام 1961 ما تسمى ندوة الفكر والفن على يد الراحل الدكتور رفيق الصبان وضمت كلاً من شقيقيه هاني ورياض نحاس وسليم كلاس ويوسف حنا الذين عملوا بالمسرح الجامعي كما ضمت عدداَ من السيدات منهن كوثر مارلو وانتصار شما لتنضم إليهم لاحقا القديرة منى واصف قادمة من المسرح العسكري حيث شاركت للمرة الأولى بمسرحية تاجر البندقية.
وتمكنت هذه الندوة وفقاً للروماني من استقطاب نخبة من المبدعين أمثال صلحي الوادي ومحمد الماغوط وعبد القادر أرناؤوط ولؤي كيالي وفاتح المدرس وأديب غنم وعدنان بغجاني وجورج طرابيشي.
الفرقة التي قدمت أعمالاً لشكسبير وموليير وتوفيق الحكيم انتقلت عام 1963 إلى التلفزيون السوري بناء على طلب وزير الإعلام حينها الدكتور سامي الجندي وحملت اسماً جديداً هو (فرقة الفنون الدرامية) حيث قدمت الكثير من البرامج منها مسرح التلفزيون بمعدل مسرحية كل شهر وقوس قزح إضافة إلى برامج تتحدث عن المسرح والأدب العالمي.
ويعتبر الروماني أن ما قدمه مع أبناء جيله فتح نافذة لأسلوب جديد بعد تجارب الرواد التي اعتمدت على المسرح الكوميدي من عبد اللطيف فتحي ونزار فؤاد ومحمد علي عبده وشفيق المنفلوطي وعلي الرواس ومحمد خير حلواني الذين ناضلوا وساهموا بتثبيت دعائم المسرح السوري ممهدين الطريق لهم.
وعندما يستعيد الروماني تلك الحقبة يرى أن جيله أنار درب الأجيال اللاحقة وأنه كان محظوظاً عندما واكب تأسيس وزارة الثقافة عام 1960 لترعى جميع الفنون.
وكان جل أحلام جيل الروماني أن يكون هنالك معهد أكاديمي يتعلمون فيه الأداء والنطق والحركة الصحيحة وغيرها من التقنيات لأن مهاراتهم نمت من تعليمهم لبعضهم ومن مشاهداتهم السينمائية والمسرحية ونصائح الجمهور ورغم هذه الصعوبات ومن ضمنها المادية إلا أنهم استمتعوا بالعمل ما أوجد حالة الاستمرار لتنتصر روح الشباب.
ومن مبادرات الفرقة اللافتة في تلك الحقبة تقديم مسرحية جعجعة بلا طحين لشكسبير لطلاب الأدب الإنكليزي الجامعة الأمريكية ببيروت لمدة أسبوع عام 1967 وإطلاق ما يشبه بروتوكولاً ثقافياً مع مجموعة من الشباب الجامعي الذين أسسوا المنتدى الاجتماعي حيث ترجمت هذه الشراكة بدعم نشاط الطرفين المسرحي والثقافي.
وعندما انطلق مهرجان دمشق المسرحي بدورته الأولى عام 1969 قدمت الفرقة عرضاً لها بموازاة تجارب مختلفة قادمة من مصر والمغرب ولبنان والأردن.
وعن علاقة الفرقة مع المسرح القومي أوضح الروماني أنها كانت مبنية على التنافس الجميل لصالح الارتقاء بالمسرح السوري حيث كانت صداقة الصبان مدير الفرقة ونجاة قصاب حسن مدير المسارح والموسيقا سبباً في إيجاد حالة من التنافس لتقديم الأفضل.
ويؤكد الروماني أهمية أن يكون المسرح فناً محلياً وهو ما ترجموه من خلال تقديم المسرح العالمي بنكهة محلية وليقدموا فيما بعد أعمال كتاب سوريين منهم يوسف المقدسي وعلي كنعان وسعد الله ونوس.
وعرج الروماني على مسرحيتي ضيعة تشرين وغربة كنموذجين مشرفين في المسرح الجماهيري والراسختين في الذاكرة فالأولى قدمت على مسرح العمال بدمشق حتى حزيران من عام 1974 لتعرض في بيروت لفترة طويلة قبل أن تعود إلى دمشق وتقدم في الأردن وحلب أما مسرحية غربة فإن ما ميزها برأي الروماني تقديمها الهم الإنساني الداخلي كنوع من المصالحة مع الذات والبحث عن طرق الخروج من المشاكل وإيجاد الحلول.
ويقارن الروماني بين عمل المسرحين القومي والخاص فالأول لم يتوقف منذ عام 1978 عن إنجاز مسرحيات ترفع لها القبعة من خلال نخبة من المخرجين بينهم فواز الساجر وأسعد فضة ومحمد الطيب وعلي عقلة عرسان.
أما المسرح الخاص فلم يكن ظاهراً على الساحة بشكل كبير ومن أمثلته مسرح الأخوين قنوع وناجي جبر الذين استثمروا نجاح أعمال صح النوم وملح وسكر وشخصياتها فنسجوا مسرحياتهم بناء عليها.
وتحدث الروماني عن دور المسرح الجامعي في رفد الحركة الفنية السورية مع مطلع الثمانينات حيث خرج من رحمه فنانون كبار أمثال عباس النوري وسلوم حداد وأيمن زيدان ورشيد عساف ناهيك عن ظهور نصوص جيدة منها أعمال ممدوح عدوان التي سوقت من خلال هذا المسرح.
وحتى ينهض المسرح الخاص مجدداً فإن الروماني يدعو لاحتوائه من قبل مسرح القطاع العام ورعاية فرق ومجموعات مسرحية تقدم عروضها تحت اسم مديرية المسارح والموسيقا.
وختم حديثه بنصيحة لطلاب المعهد قائلاً: “في زمننا كنا نتعلم ونكتشف من أنفسنا ونسمع النصائح ونقوي ما نمتلكه ونتجنب ما نخطئ به وكنا صادقين مع أنفسنا واليوم هذا المعهد يشحذ الطاقة والمعرفة عندكم حتى تكتشفوا ذاتكم وكيف تعملون” مؤكداً أن الفن ابتكره الإنسان ليرتقي بنفسه.
سيرياهوم نيوز 6 – سانا