تحدث رئيس مجلس الوزراء الدكتور محمد غازي الجلالي، في جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية بتاريخ 2024-10-29، عن موضوع مراقبة الأسعار في السوق وأهمية بذل كل الجهود لضبطها.
وكانت لافتة إشارته إلى أنه لا توجد حكومة في العالم تأخذ على عاتقها مسؤولية تحديد وضبط أسعار جميع المنتجات في السوق، بقدر ما يجب أن ينصب عملها على تنظيم جهود المنتجين والموردين والموزعين وفق قوانين وضوابط عامة.
والواقع هذا هو منطق الأشياء، بدلاً من الجدل وتقاذف الأدوار والمهام بين مختلف الجهات، لتكون النتيجة فوضى حقيقية كما هو حال السوق اليوم.
مقترح إستراتيجي قديم
إشارة الدكتور الجلالي أعادتنا إلى مقترح سابق كنا قد ظننا أنه يمكن أن يساعد الحكومة في جهودها لضبط الأسعار، مقترح كان قد تم العمل عليه منذ سنوات طويلة ولم يبصر النور حتى تاريخه وهو إنشاء مركز وطني لدراسات وأبحاث الأسعار، وهو من اقتراح الدكتور مظهر يوسف أستاذ الأسعار والسياسات السعرية في جامعة دمشق.
بالتالي وجدنا أنه من المفيد في سياق التوجه الجديد، أو الإشعار بتوجه جديد لدى الحكومة، أن نعود للدكتور يوسف وسؤاله عن تفاصيل وجهة نظره، علّنا نقدم فكرة قابلة للاعتماد بعد دراستها.
مراراً وتكراراً
لدى سؤالنا الدكتور مظهر يوسف صاحب هذا الطرح المتكرر في أكثر من مناسبة ومكان، ووسيلة إعلامية.. يسرد لنا سيرة المقترح.. مقترح “مركز وطني لدراسات وأبحاث الأسعار”.
ويلفت أستاذ الأسعار والسياسات السعرية إلى تسلسل زمني لتبنيه هذه الفكرة ويوضح:
أنه في عام 2008 تم إيراد هذا المقترح في أطروحة الدكتوراه التي قمنا بإعدادها في فرنسا على الشكل التالي: إنشاء مركز بحثي متخصص بالقضايا المتصلة التضخم.
ثم تم نشر المقترح في جريدة الخبر (العدد 90 تاريخ 14 آذار 2010) ضمن مقال بعنوان: التضخم في سورية.. دروس وعبر.
وبعدها تم نشر المقترح في مجلة سورية والعالم (العدد 35 تموز ـ آب 2011) ضمن مقال لنا بعنوان: التضخم… أسبابه وعلاجه.
وفي جريدة صدى الأسواق (العدد 46 تاريخ 19 كانون الأول 2011) ضمن مقال لنا بعنوان: مركز بحثي متخصص بقضايا الأسعار والتضخم قد يحل الألغاز.
وبتاريخ 16 آب 2014 تم رفع مقترح إلى السيد رئيس مجلس الوزراء لإنشاء مركز سياسات الأسعار وقضايا التضخم.
وبتاريخ 24 آذار 2015، تم نشر مقال في صحيفة البعث بعنوان: برسم راسمي سياستنا الاقتصادية.. خبير يقترح إنشاء مركز بحثي متخصص بقضايا الأسعار والتضخم.
وبتاريخ 12 أيار 2015 تم إعادة رفع مقترح إلى السيد رئيس مجلس الوزراء لإنشاء مركز سياسات الأسعار وقضايا التضخم ليناقش في الاجتماع النوعي الذي ترأسه رئيس الحكومة حينها د. وائل الحلقي لمناقشة واقع الأسعار، وقمت بتقديم المقترح حيث تم تبنيه رسمياً.
بناء على ما تم في جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 10/11/2015 تم توجيه كتاب الى وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك للعمل على متابعة الجهود والبحث عن إمكانية إحداث مركز وطني لدراسة وقياس الأسعار لمختلف السلع والبضائع والخدمات ولكافة حلقات الإنتاج والبيع و التداول، وبما يسهم في ضبط السوق والحد من حالات الغش والاحتكار والبيع بأسعار مرتفعة.
أهميّة المقترح
ونصل الآن إلى أهمية المركز، وإلى أي حدّ يبدو ضرورة، وما الدور المعوّل عليه فعلاً..هنا يبيّن الدكتور يوسف صاحب الفكرة، أنه ولتحقيق هدف الحكومة بمساعيها الجدية لضبط الأسعار، لا بد من دراسات وأبحاث وبيانات عن مستويات الأسعار وتغيراتها، لأنه في ظل غياب هذه المعطيات ونقص المعلومة لا يمكن رسم وبناء سياسة سعرية صحيحة. وخاصة أن البيانات الرسمية المنشورة عن معدلات التضخم هي عبارة عن تغيرات الرقم القياسي لسلة المستهلك وهي غير كافية لوحدها لوضع سياسة تعمل على استقرار الأسعار.
ويضيف: أيضاً هناك دور متكامل للعديد من الجهات الحكومية ضمن هذا المجال حيث لا تقتصر عملية ضبط الأسعار على وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لوحدها، بل تتوزعها عدة جهات منها وزارة الاقتصاد، وزارة المالية، المصرف المركزي، وزارة الزراعة، وزارة الصناعة، وزارة السياحة، وزارة الكهرباء…. الخ يؤكد أهمية وجود مركز متخصص معني بالموضوع، ويقوم بالتنسيق وتحقيق التشاركية بين هذه الجهات المختلفة للوصول إلى الغاية المرجوة.
هدف بأبعاد متعددة
يوضح صاحب المقترح– الفكرة، أن الهدف الأساسي لإقامة هذا المركز يتمثّل في وضع المعلومات الصحيحة والدقيقة والمناسبة أمام الحكومة والجهات الرسمية لاتخاذ القرار الصحيح عن طريق إجراء الدراسات والتحليلات الاقتصادية اللازمة، حيث يمكن لهذا المركز البحثي أن يحقق سلّة مزايا كلها ذات أهمية.
فهو سيكون بنك معلومات متكامل لمتخذي القرار والمستهلك والتاجر عن كل المواضيع المرتبطة بقضايا الأسعار مثل: المتغيرات النقدية، المتغيرات المالية، المتغيرات السكانية، متغيرات الإنتاج والاستيراد والتصدير، تقلبات الأسعار العالمية….. الخ.
وسيتولّى تقديم كافة البحوث والدراسات المتعلقة بقضايا الأسعار مع تقديم كل التوقعات المستقبلية مع السيناريوهات والحلول المحتملة للحفاظ على استقرار الأسعار.
كما يمكن من خلاله رصد نتائج السياسات والقرارات الصادرة عن الجهات المعنية وآثارها على مستويات الأسعار.
هذا إضافة إلى أن المركز سيتكفّل بالتخلص من التحيز والتفرد الذي يتم عندما تقوم جهة واحدة بدراسة قضايا الأسعار (مثل وزارة الكهرباء، النفط، التجارة الداخلية….الخ)، وبالتالي يمكن للمركز أن يعمل على التنسيق بين الجهات العامة والخاصة تنسيقاً كاملاً على جميع المستويات وفي جميع المجالات بما يتعلق بقضايا الأسعار.
إضافة إلى كل ماسبق، يمكن الاستفادة من بيانات وأبحاث المركز في قضايا الدعم الحكومي.
وتقديم خدمات استشارية وفنية للمؤسسات والشركات والجهات المهتمة بما يتعلق بالأسعار.
إلى جانب تأهيل وتدريب العاملين في مجال التسعير.
ويتيح المركز تتبع وتحليل تطور أسعار السلع والخدمات عالمياً وإعداد البيانات الإحصائية لها ودراسة انعكاساتها على الأسعار المحلية.
إلى جانب إصدار النشرات والإصدارات الدورية الاقتصادية المتخصصة.
والمشاركة مع الجامعات السورية في الإشراف على طلاب الدراسات العليا الذين يجرون دراساتهم عن قضايا الأسعار والتضخم.
هيكلية ضامنة للنجاح
لكن ثمة سؤال مهم هنا.. وهو كيف سينجح المركز وكيف نضمن ذلك؟
وفقاً للدكتور يوسف ثمة هيكلية مفترضة يمكن من خلالها ضمان نجاح المركز.. فبالنسبة لتبعيته يقول أستاذ الأسعار والسياسات السعرية في جامعة دمشق: بسبب سرعة تقلبات الأسعار وسرعة المتغيرات المؤثرة عليها (تقلبات سعر الصرف، قرارات الاستيراد والتصدير…. الخ)، وضرورة الحصول على البيانات المطلوبة لأي دراسة بسرعة، فلا بد أن تكون تبعية المركز لرئاسة مجلس الوزراء تحديداً كي يتمتع بصفة اعتبارية عالية تسهل وتسرع الحصول على المعلومات والبيانات المطلوبة والسرعة في اتخاذ القرار عند الضرورة والحالات الطارئة.
بعدها نصل إلى الكادر المتخصص، إذ يجب أن يكون الكادر العلمي متخصصاً بقضايا الأسعار والتضخم، ومن ذوي الخبرة ضمن هذا المجال.
ويشير د. يوسف إلى مسألة مهمة وهي التشاركية، فلا بد من تشارك وتعاون جميع الجهات العامة والخاصة من أجل نجاح عمل المركز، لأنها كلها مترابطة مع بعضها البعض.
ويختم الدكتور يوسف بأن هذا المركز يمكن أن يعتبر مركزاً لدعم القرار يساعد الحكومة في اتخاذ القرارات المتعلقة بملف بالأسعار.. ومن جهتنا يمكن أن نعتبر تجديد نشرنا لرؤية الدكتور مظهر يوسف.. تجديداً لسلسلة سابقة من عرض المقترح على الحكومة، لعلنا نصل إلى تطبيقات مفيدة له هذه المرّة.