بقلم: د. حسن أحمد حسن
عندما يبدأ السيد الرئيس بشار الأسد كلمته في القمة العربية الإسلامية التي عقدت في الرياض بتاريخ 11/11/2024 بقوله: (… لن أتحدث عن حقوق الفلسطينيين التاريخية الثابتة وحتمية التمسك بها أو عن صمود الشعبين اللبناني والفلسطيني وواجبنا في دعمهما، العاجل والفوري، ولا عن شرعية المقاومة في كلا البلدين، وما جسدته من شرف وكرامة ورقي وما قدمته من أيقونات بقادتها الشرفاء ومقاتليها الشجعان…) فهذا يعني أن العناوين المذكورة من المسلمات والحقائق التي على الجميع الإقرار بها، وصيانتها والانطلاق منها طالما أنها استوطنت الحقيقة التي يراها العالم بأم العين، مع التذكير هنا بأن السيد الرئيس هو الزعيم الوحيد الذي ذكر المقاومة بهذا الوضوح في كلمته، وهو وضوح يستند إلى الشرعية التي تتمتع بها المقاومة التي ما بخلت قط في تقديم قوافل الشهداء وأيقونات الشرف والكرامة من القادة الميامين والمقاتلين الأبطال، وعلى الجهة المقابلة ذكر سيادته أنه لا يريد التحدث أيضاً عن (…عن نازية المحتلين الصهاينة وجرائمهم وكيانهم المصطنع، ولا عن تحول الغرب من داعم لهذا الكيان وجرائمه منذ قيامه إلى شريك مباشر ومعلن فيها… ) وهذا يعني أيضاً أن النازية الصهيونية حقيقة قائمة لا يمكن نكرانها، ولا التذرع بأنها غير مكتملة الأركان، فأركانها التي تبدو بصورة ضبابية سرعان ما تفضحها جرائم الكيان المصطنع، وكذلك الأمر فيما يتعلق بحقيقة تحول الغرب المنافق من داعم إلى شريك في كل الجرائم والمجازر المرتكبة، وبالتالي هو شريك في المسؤولية القانونية والأخلاقية والإنسانية،والعالم اليوم بكل مكوناته يدرك خطورة هذه التحديات الجدية التي تواجه الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً.
بهذه الكلمات المكثفة الغنية والحبلى بالحقائق والقدرة على الاقناع اختصر السيد الرئيس كل المراحل السابقة لتثبيت العناوين المذكورة في الذاكرة الجمعية والوعي المجتمعي الذي لطالما تأذى كثيراً جراء حملات التضليل والتكاذب وتشويه الحقائق التي تشاركت في تنفيذها إمبراطوريات إعلامية عبر سرديات ما أنزل الله بها من سلطان، وهذه الحقائق غدت جزءاً من مسلمات الرأي العام الإقليمي والعالمي، وهي صالحة للبناء عليها في حال امتلاك الإرادة لتطوير ما اكتمل تبلوره بخطوات لاحقة ممكنة تحمل في مضامينها إمكانية تحقيق نتائج إيجابية ينتظرها أبناء الأمة، بدلاً من محاولات استنساخ الماضي، وهذا لن يكون إلا باستبدال (الوسائل والآليات القائمة المجربة مراراً وغير المجدية تكراراً).
كل جملة قالها السيد الرئيس في كلمته تستحق دراسة منهجية مستقلة، ولذا سأكتفي بذكر بعض النقاط المهمة والعناوين الكفيلة بتوضيح جوانب الصورة التي تحكم الواقع الحالي والمستقبل القريب، ومنها:
• الإدانة والاستنكار والشجب والمطالبات لا تغير الواقع الكارثي القائم، فقبل عام كان بيان القمة متخماً بكل هذه المسميات، ومع ذلك كانت النتائج أكثر كارثية، فعداد الشهداء لم يعد بالمئات والآلاف بل بعشرات الآلاف، ومعالم الجريمة مكتملة الأركان تجاوزت كل ما هو معروف، وانتقلت إلى سقوف جديدة من المجازر وجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري وكل ما يتناقض مع القانون الدولي وأعراف المجتمع البشري وقيم إنسانية الإنسان.
• الاتفاق على المبادئ المطروحة لا يكفي، لأنها ستبقى في الإطار النظري ما لم يتم العمل على تحويلها إلى واقع يمكن بلوغه بخطوات مدروسة وواضحة، وهذا يتطلب تحديد الأهداف والنتائج المرجوة والجهة المستهدفة والأدوات الكفيلة بتحقيق المطلوب على الرغم من قتامة الواقع واشتداد ظلمته، ومن المهم هنا ربط الأهداف ببعضها، فالحديث عن استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المستلبة يبقى في إطار الأمنيات ما لم يتم التركيز على أولوية الحق في الحياة، فبقية الحقوق مرتبطة بهذا الحق الأساسي، والحقوق تعطى للأحياء وليس للأموات، ومن هنا تتضح أهمية تركيز السيد الرئيس في كلمته على الوقف الفوري لحرب الإبادة والتطهير العرقي التي يعتمدها الكيان المجرم.
• الأدوات المطلوبة لتحقيق الأهداف متوفرة لدى المجتمعين في القمة (شعبياً ورسمياً عرباً ومسلمين دولاً وشعوباً…) والأمر متوقف على القرار باستخدامها في ظل استمرار التعنت الإسرائيلي ورفض حكومة نتنياهو الاستماع إلا للغة القوة والتدمير والإبادة، وبمهارة الطبيب الأخصائي الخبير والواثق بالنتيجة الحتمية المرتبطة بمقدمة محددة يشير السيد الرئيس إلى أنه من المهم (تحديد خياراتنا حينها، هل نغضب مرة أخرى؟ هل ندين؟ هل نناشد المجتمع الدولي أم نقاطع؟ وهو أضعف الإيمان أم ماذا؟ ماهي خطتنا التنفيذية؟).
• خطوة أخرى متقدمة ومطلوبة يوضحها السيد الرئيس وهي الخطة التنفيذية المنطلقة من الواقع والقابلة للتطبيق، (ومن دون ذلك فنحن نحض على استمرار الإبادة لنصبح شركاء غير مباشرين فيها) هذه هي النتيجة القادمة ما لم يتم اعتماد خطة تنفيذية، فالجميع سيصبح أراد أم لم يرد في خانة الشراكة غير المباشرة، ولهذا أسبابه (…فنحن لا نتعامل مع دولة بالمعنى القانوني وإنما مع كيان استعماري خارج عن القانون، نحن لا نتعامل مع شعب بالمعنى الحضاري وإنما مع قطعان من المستوطنين أقرب إلى الهمجية منهم إلى الإنسانية).
• يختم السيد الرئيس كلمته بالتركيز على أهمية اتخاذ القرارات الصائبة، واعتماد اللغة المتناسبة مع مضمون الحديث عن هذا الأمر أو ذاك، فلغة القانون غير مجدية مع اللص لأنه يعلم أنه يخالف القانون، والمجرم قبل أن يرتكب جريمته يدرك بأنه ينحر القانون قبل أن يتطاول على ضحاياه، وكذلك الأمر مع السفاح الذي أعلن براءته مسبقاً من كل ما له علاقة بالإنسانية.
باختصار شديد يدرك كل من تابع اجتماع القمة أن السيد الرئيس كان أسد القمة بلا منازع، وكان الناطق باسم ضمير الأمة والإنسانية جمعاء.
(موقع سيرياهوم نيوز-1)