عقل العويط
مات أخي وصديقي وأبي.
لا بدّ أنّ قلبي في حدادٍ. وحزينٌ حتّى الموت.
ليس لأنّ قلبي مؤمنٌ، ولا لأنّ فرنسيس هو أسقف روما، بل لأنّ هذا الرجل الأرجنتينيّ كان العريس الذي يحلو للمسيح أنْ يحضر عرسه، ومعه أمّه مريم، وأنْ يملأ أجاجين المناسبة خمرًا، كالتي لا ألذّ ولا أطيب. لأنّها أعجوبة. وأولى. ودائمة.
فرنسيس كان أعجوبة الكنيسة.
ويا ويل كنيسة المسيح، من الآن فصاعدًا، إذا لم تجترح أسقفًا رومانيًّا على غرار فرنسيس، هذا المسجّى، يحمل الصليب الخشب، ويبكّت به ذهب الحماقات المستشرية.
فالكنيسة ستكون في يتمٍ عميم، إذا لم يكن رئيسها المقبل السابع والستّون، كمثل خورحي ماريو برغوليو، فرنسيس، تواضعًا ونباهةً ورحابةً وشجاعةً وجسارةً وتمسّحًا بالمسي
وإذا لم يكن رؤيا.
كذا أقول عن أساقفة الكنيسة، وشعوبها، الذين كم بات كثرٌ كثيرون منهم ينأون عن جبل الزيتون، وعن كلّ جبلٍ زيتونٍ، وحيث تدعو الحاجة، ويستغيث المعنى.
وها الوقاحة تصل بقادة العالم، اليوم، إلى حيث يستحيل الرجاء.
حيث، كما نعاين جميعنا، هو الاستغراق الكونيّ الأمميّ في مهانة القحط، والاغتسال بدم السفالة.
وها انطاكيا موجوعةٌ في فلسطين ولبنان وسوريا وسائر المشرق. وهي في حاجةٍ إلى مَن يواصل بلسمتها.
وليسمع الأساقفة جميعهم في مشارق الأرض ومغاربها، نداء الوجع هذا.
وغيره، هذا الوجع، كثيرٌ في أنحاء الكوكب والمعمورة. ويجب مداواته. وبالأعجوبة.
عندما أطلّ البارحة، في صبيحة الفصح، من الشرفة، قلتُ في نفسي إنّه يحشرج، لكنّه يريد قبل أنْ يلفظ النفس الأخير، يريد أنْ ينبّه العالم إلى سوء المصير.
من شرفته تلك، بارك المؤمنين الذين احتشدوا في الساحة، لكنّه أراد، بجسده المائت، أنْ يذرف دمعته الأخيرة لتمسح الظلم والكارثة والمقتلة والفجعنة والاستبداد وعبادة المال والجاه والفخفخة التي تغزو العالم.
أعرف جيّدًا أنّه لم يكن راضيًا عن أداء كثرٍ من الأساقفة.
فمؤلمٌ أنّه لم يكن راضيًا، ومعيبٌ أنْ لا يختطّ الأساقفة خطّه، ويكونوا على أسلوبه وطريقته ومزاياه، في نصوع القلب، والزهد، والمحبّة.
وها الامتحان قريبٌ. فسيُدعى هؤلاء إلى انتخاب أسقفٍ رومانيّ.
إنّ أعجوبةً كمثل فرنسيس، حاجةٌ مطلقةٌ للبشريّة، وليس للكنيسة فحسب.
من له أذنان سامعتان فليسمع، لئلّا تغرق كنيسة المسيح في ليل اليتم المديد. ومعها العالم اليتيم.
أخبار سوريا الوطن١-النهار