آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » أعرف نفسك 

أعرف نفسك 

 

 

 

مالك صقور

 

.. واعلم ياجوهرمعنى المبدأ العلمي :” لاشيء يفنى ولا شيء يخلق من عدم ” . كذلك ، ليس مصادفةً ولا عبثاً ، لا ، أن يتبنى سقراط العظيم ما نُقش على بوابة معبد دلفي :” أعرف نفسك “. ويرفع هذا الشعار ويطرحه ، ويشرحه ، ويعلم تلاميذه معناه ، ومغزاه ، وأبعاده وما انطوى فيه من الحكمة و الفضيلة .

واعلم أيضاً : منذ عصر سقراط ، وحتى يومنا هذا ، كتب كثيرون من الفلاسفة والمفكرين وعلماء النفس ، وعلماء الآجتماع كتباً بالجملة تحت عنوان : ” أعرف نفسك ” .

بلى ..

لقد كتبوا في الشرق ، وفي الغرب الأوروبي ، والأمريكي ، وفي العالم الإسلامي ، وفي الوطن العربي ، كتباً جديرة بالقراءة ، كلها تحت عنوان ” أعرف نفسك ” .

وأعلم ياصاحبي أيضاً : حين أطلق سقراط هذا النداء ، أو حين رفع هذا الشعار ، لم يكن يقصد أحداً بعينه ، لم يتوجه لشخص ما ، لم يوجه خطابه لحاكم أو محكوم ، أو لمعلم أو أستاذ أو نحات أو نجار أو جندي ..إنما خاطب الناس جمعياً . وأضف إلى معلوماتك ، ياجوهر : لقد شرح الفقهاء المسلمون هذا الشعار ، وأثنوا على سقراط ، وقالوا :

” من عرف نفسه عرف ربه “.

بلى ، والله ، من عرف نفسه ، عرف ربه ، ومن عرف ربه صحّ دينه ، ومن صح دينه استقام ، ومن استقام سلم الناس من عينه ولسانه ويده .

بلى والله من عرف نفسه عرف ربه ، سار على الصراط . ومن عرف ربه : لن يكذب ، ولن يخدع ، ولن يخون ، ولن يغش ، ولن ينافق ، ولن يسرق ، ولن يرشي ، ولن يرتشي . هذا معنى : من عرف نفسه عرف ربه . ولقد وضحّ الفقهاء ذلك قائلين :

– من عرف نفسه ضعيفاً ، عرف ربه قوياً

– من عرف نفسه عاجزاً ،عرف ربه قادراً

– من عرف نفسه ذليلاً ، عرف ربه عزيزاً كريماً

– من عرف نفسه جاهلاً ، عرف ربه عليماً بكل شيء

– من عرف نفسه محدثاً ، عرف ربه الأزل القديم

– من عرف نفسه مخلوقاً ، عرف ربه الخالق العظيم

ومن عرف نفسه ، عرف ربه ، ومن عرف ربه كان جريئاً لقول الحق ، لا يخاف لومة لائم ، ومن عرف نفسه ، عرف ربه وأطلق فرخ البط القبيح من داخله ليصبح طائر التّم . ومن عرف ربه سيقتل القزم الحقير الذي يقبع في أعماقه ، يمنعه من فعل الخير ، يمنعه من المحبة ، يمنعه من التسامح

أعرف نفسك .. يعني فيما تعنيه : غربل نفسك . وكما تعرف ياصاحبي ، أن الغربلة تُنقي الحنطة من الزؤان ، والأحساك ، والأشواك ، والحصى ، والتراب ، والقشور ..هكذا النفس تماماً ترمي أدرانها ، وتغتسل بشمس الصفاء والنقاء والنور . والغربلة ، هنا ، محاكمة النفس ومراجعة الذات : أين أخطأتْ وأين أصابت ْ .. واعلم : إن الخطأ لا يصحح بخطءٍ أكبر منه .. وهنا يجب الاعتذار وطلب المغفرة .

مَنْ عرف نفسه فعرف ربه ، استيقظ ضميره ، ونظر ببصيرته لا ببصره ، عندئذ يبقى الضمير حياً لا ينام ولا يموت ولا يهادن الخطأ .

أعرف نفسك بنفسك – ساعتئذ يعرف المرء المخبوء والمستور في أعماقه ويتصالح مع ذاته ..

من عرف نفسه ، وعرف ربه ، سيعرف حتماً : إمكاناته ، وطاقته ، وقدرته ، وموهبته ، ورغباته ، وأمنياته ، وأحلامه و الأهم ، الأهم أن يعرف المرء حدوده . ومن يعرف حدوده ، يُريح ويستريح . نعم ، نعم : ” رحم الله من عرف حده فوقف عنده “.

لقد تابع أرسطو مسيرة أستاذه أفلاطون ، كما أفلاطون تابع مسيرة أستاذه سقراط . فقام أرسطو بشرح أبعاد هذه المقولة أو هذا الشعار ؛ فقال : أعرف نفسك .وأنْ تعرف نفسك يعني أنها البداية نحو بلوغ الحكمة “.

أما الفقهاء المسلمون فقالوا : ” لقد صار شعار سقراط ” أعرف نفسك ” ، فرض عين على كل إنسان في كل زمان وفي كل مكان ” .

وأخيراً :

من عرف نفسه وعرف ربه يدعو : يارب علمني أن التسامح هو أسمى مراتب القوة . لأن العفو عند المقدرة . يارب علمني أن الانتقام أو الثأر هو أول مظاهر الضعف .

من عرف نفسه ، يردد مع السيد المسيح عليه السلام :

(مَابَلُك ترى القّذَى الذي في عَيْنِ أخيك وَلا تَفْطَن للخَشَبةِ التي قي عَيْنك)

(موقع أخبار سوريا الوطن-١)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السماء الحديدية : السقوط في مصيدة الإغراق

  م.حسان نديم حسن في ظل التطورات المتسارعة في مشهد الصراعات الإقليمية تبرز شبكة الدفاع الجوي الإسرائيلية المعروفة باسم “السماء الحديدية” كعنصر أساسي في الحسابات ...