| مايا سلامي
ارتبط العديد من الأغنيات بقصص واقعية حدثت في أزمنة وأمكنة مختلفة، فغدت كوثيقة تناقلتها الأجيال التي أضافت لها في كل مرة شيئاً جديداً من روح العصر وما يمر به من أزمات إنسانية متلاحقة.
ولطالما كانت القضية الفلسطينية بكل ما فيها من قصص مقاومة وبطولة مصدر إلهام لعدد من الشعراء الفلسطينيين والعرب الذين ترجموا تلك الحكايات في قصائدهم التي تحولت فيما بعد إلى أغنيات حملت مزيجاً من المشاعر المتناقضة بين القهر والفخر، ذاع صيت بعضها محلياً وعربياً ورددناه لسنوات طويلة من دون أن نعلم أسرارها، وبعضها الآخر ارتبط بشكل مباشر بثقافة فلسطين وبقي في نطاق أغنياتها الشعبية التي ما زالت حتى يومنا هذا تحتل مكانة واسعة في المناسبات الوطنية.
وحدن بيبقوا
ولعل أشهر تلك الأغنيات «وحدن بيبقوا» التي غنتها السيدة فيروز وتأثرنا منذ الصغر بكلماتها ولحنها الجميلين اللذين يلامسان المشاعر بسرعة، ولكن قلة منا عرفوا أنها تخفي قصة حزينة جاءت على لسان الشاعر اللبناني طلال حيدر الذي اعتاد شُرب فنجان قهوته الصباحي والمسائي على شرفة منزله المطلّة على غابة تقع على مقربة من منزله، وبعد فترة من الزمن بدأ يلاحظ دخول ثلاثة شبان إلى الغابة في الصباح، وخروجهم منها مساءً، وكانوا كلّما دخلوا وخرجوا يسلمون عليه.
وكان هو يتساءل في سره: ماذا يفعل هؤلاء الشبان داخل الغابة من الصباح إلى المساء؟إلى أن أتى اليوم الذي ألقى فيه الشبان التحية على طلال حيدر في الصباح ودخلوا الغابة من دون أن يعودوا في المساء، فانتظرهم طلال وقلق عليهم، إلى أن وصله خبر يقول: إن ثلاثة شبّان عرب قاموا بعملية فدائيّة وسط الكيان الصهيوني، وعندما شاهد صور الشبّان الثلاثة فوجئ أن الشبان الذين استشهدوا هم أنفسهم الشبان الذين اعتاد أن يتلقى التحية منهم في الصباح والمساء.
وعُرفت تلك العملية بـ«عملية الخالصة»، التي نُفذت في مستوطنة كريات شمونة، شمال فلسطين، في صباح 11 نيسان 1974، وكان أبطالها من مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، وهم الفلسطيني منير المغربي (أبو خالد)، والحلبي السوري أحمد الشيخ محمود، والعراقي ياسين موسى فزاع الحوراني (أبو هادي). وجاء في كلمات الأغنية:
وحدن بيبقوا متل زهر البيلسان
وحدهن بيقطفوا وراق الزمان
بيسكروا الغابة
وبيضلهون متل الشتي يدقوا على بوابي
من سجن عكا
ومن الأغنيات التي خلدت بطولة الشباب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال كانت أغنية « من سجن عكا» التي تحدثت عن واقعة إعدام الشهداء عطا الزير وفؤاد حجازي ومحمد جمجوم على يد الانتداب البريطاني عام 1930، وبات ذلك اليوم يعرف باسم «الثلاثاء الأحمر» واتشحت فلسطين بالسواد حداداً عليهم، فقد مثل هؤلاء الشهداء أنبل صور الشجاعة وواجهوا الموت ببسالة منقطعة النظير، حيث أقدموا على فك قيودهم بأنفسهم وساروا إلى المشنقة بخطا واثقة فكانوا يعلمون أنهم على صراط الحق، وحاول كل واحد منهم أن يتم إعدامه قبل صديقه حتى لا يشعر بالحسرة عليه، وكان لهم دور كبير في انطلاق ثورة البراق التي عمت أنحاء فلسطين فيما بعد ضد الغزو والهجرة الصهيونية إلى البلاد.
وسجّلت هذه الأغنية انطلاقة الأغنية المقاومة في فلسطين المحتلة، وهي من مرثية الشاعر الشعبي نوح إبراهيم، وأحيتها «فرقة العاشقين الفلسطينية» بصوت الفنان الراحل حسين المنذر، وتتميّز هذه الأغنية بأنها من الأغاني الوطنية الفلسطينية التي يظهر فيها الحزن واضحاً جلياً لا تخطئه الأذن ولا القلب، وتقول:
من سجن عكا طلعت جنازة محمد جمجوم وفؤاد حجازي
جازي عليهم يا شعبي جازي المندوب السامي وربعه عموما
محمد جمجوم ومع عطا الزير فؤاد حجازي عز الذخيرة
أنظر المقدم والتقاديري بحكام الظالم تيعدمونا.
يا يمه في دقة عبابنا
أغنية يا «يمه في دقة عبابنا» من الأغنيات الشعبية الفلسطينية الشهيرة التي تتغنى بحادثة حقيقية حصلت في السبعينيات في إحدى قرى الجليل وبطلها فدائي اسمه بلال.
وتروي قصتها أن بلال نزل إلى القرية ليلاً ليزور بيته وأمه التي تركها حين غادر إلى لبنان، وكان قد تسلّل إلى الأراضي المحتلّة لتنفيذ عملية ضد الاحتلال مع مجموعته التي تعرف بـ«مجموعة 777» والإقامة في جبال الجليل.
وغابت أخبار بلال لسنوات طويلة عن أهله فظنوا أنه ارتقى شهيداً في معارك جنوبي لبنان في قلعة الشقيف وقد أقاموا له مأتماً وتقبلوا التعازي، وفجأة دق الباب وسألت والدته مَنْ؟ فقال: بلال، لم تصدّقه، ظنت أن قوات الاحتلال تنصب لهم كميناً لتكتشف من يتعاون مع الفدائيين. ردّت: «انقلع».
ترك الباب وقصد بيت الجيران وحدّثهم بما حصل، وأخذهم معه، وشرحوا لها الموضوع. ففتحت له الباب، وبدل أن تحضنه قبّلت «الكلاشنكوف» الذي يحمله، فكانت الأغنية المعروفة للشّاعر والفنان، المرحوم «أبو عرب»:
يا يمه في دقه ع بابنا * يا يمه هاي دقة أحبابنا
يا يمه هاي دقة قوية * يا يمه دقة فدائية
يا يمه عشاق الحرية * يا يمه بيدقوا ع بوابنا
يا يمه هدولا الغوالي * يا يمه طلاب المعالي.
سيرياهوم نيوز3_الوطن