سلمان عيسى
لم يعد مهماً التعاطف، ولا الحديث عن الأضرار، وليس من الحكمة التعامل مع موضوع بذار البطاطا بحسن النية مهما كانت التبريرات.. ليس مهماً أن كانت مؤسسة الإكثار قد جرّبت صنف أفاميا في بيوت بلاستيكية أو زجاجية أو في أراضٍ مكشوفة، فقد وقعت الواقعة ونال الفلاحون في سهل عكار نصيبهم من ثقتهم بمؤسسة الإكثار.. ولو أنهم يعلمون مدى الخسائر التي مني بها سهل عكار لكانوا قدموا أكثر من الاعتذار وأكثر من التعويض.. الخسائر هنا مضاعفة، خسارة المزارعين وخسارة الدولة التي ستلجأ حتماً إلى الاستيراد لتعويض النقص، أخطر ما في الأمر أنهم نصحوا اتحاد الفلاحين في طرطوس برمي هذه الكارثة برقبة الصقيع من أجل الحصول على تعويض، لكن هذه النصيحة هي لحرف الأنظار عن السبب الحقيقي، وهو سوء البذار، وأعتقد أنهم كانوا يعلمون بذلك والدليل أن الفلاحين قاموا بزراعة ثلاثة أصناف في الحقل الواحد، ولم يظهر تدني الإنتاج وسوءه إلّا في صنف أفاميا، وغير ذلك فقد قامت المؤسسة بتحميل الفلاحين كمية من هذا الصنف تتراوح بين 150 و 250 كغ من أفاميا على كل طن من البذار الأخرى، هذا يعني أنهم يعلمون أنه صنف غير جيد، وضعيف الإنتاجية، وللتجريب.. !! هذا يعيدنا بالذاكرة إلى مبدأ «التحميل» الذي كانت تقوم به المؤسسات التموينية سابقاً بتحميل المواد الكاسدة على مواد رائجة حتى لو قام المواطن برميها المهم أن تنفد من مخازينهم، وهذه الحالة تتطابق معها تماماً مع اختلاف أن الخسائر هنا تتحملها الخزينة العامة بالدرجة الأولى، ويعيدنا بالذاكرة أيضاً إلى تسعينيات القرن الماضي عندما قام أقرباء أحد وزراء الزراعة باستيراد بذار مريضة وسيئة لصالح مؤسسة الإكثار، أنهكت التربة في حماة والغاب بأمراض كثير عانى منها الفلاحون أعواماً طويلة.. لقد أظهرت الصور وأحاديث الفلاحين واتحادهم مدى الكارثة، فبالإضافة إلى صغر الحبة «بيض الحمام» فإن إنتاجية طن البذار من هذا الصنف لا تتجاوز 500 كغ، بينما المتعارف عليه في زراعة البطاطا أن طن البذار قد ينتج 12 طناً من بطاطا المائدة المالحة، ولا يقل عن ستة أطنان في أسوأ الحالات، هذا الفرق في كمية الإنتاج يؤكد مدى الخسائر التي أصابت المزارعين، ويريدون الصاقها بالصقيع..!! ليس الذنب في رقبة أفاميا، ولا الفلاحين؛ ووجع القلب الذي سببته هذه الكارثة الزراعية يجب أن يتحمله المسبب الأساس الذي قد تغفله اللجان، فقط لأن قلبها على الفلاح وتريد له التعويض، أي إن النتائج كسحب الشعرة من العجين ..!؟
(سيرياهوم نيوز6-تشرين27-4-2022)