ابراهيم الأمين
من بين الأشياء الكثيرة التي يجيدها السيد حسن نصرالله، رميه الأحجار الثقيلة في المياه الراكدة. هو قال بشكل عفوي، إنه لا يريد التحدث في الوضع الداخلي اللبناني. حكماً، لم يكن يقصد اعتبار أن الوضع لا يستأهل النقاش. لكنه، كان يردّ على السائلين حول فوائد لبنان من عمليات المقاومة على الحدود، بأن فتح ملفاً تحت عنوان «بركات طوفان الأقصى على لبنان»، قائلاً بأن لبنان أمام فرصة جدية لتحرير ما تبقّى من أراضيه المحتلة. وذهب إلى التسمية المباشرة بالحديث عن نقطة الـB1 البحرية والغجر وصولاً إلى مزارع شبعا المحتلة. لكنه، كان حاسماً أيضاً في القول بأن البحث والتفاوض حول أي أمر رهن توقف الحرب على غزة.كلام السيد نصرالله مقرّر ومدروس، وهدفه الإضاءة على أمور لا يلتفت إليها الجمهور، ولا يهتم بها السياسيون أيضاً. حتى إن بعض الخارج الذي يدّعي الحرص على لبنان، يدرك أن تفاصيل هذا الملف، موجودة حصراً بيد الولايات المتحدة الأميركية، ليس فقط لأنها الطرف الأقدر على ممارسة الضغط على إسرائيل، بل لكون من يرغب بالوصول إلى نتائج، يعطي المهمة لمن بيده الأمر.
بحسب معلومات «الأخبار» فإن الحديث عن «اليوم التالي لبنانياً»، قد بدأ فعلياً، وخصوصاً عند الجانبين الأميركي والإسرائيلي. وهو حديث له صداه في لبنان. وإن كانت الجهات الرسمية اللبنانية ليست اليوم في موقع المفاوض الجدي. وهذا ما دفع الجانب الأميركي لأن يتجه مباشرة صوب الطرف الذي بيده الأمر لبنانياً. وعلى طريقة رجال الأعمال المحبّذة أميركياً، تسعى واشنطن إلى «عقد صفقة» مع حزب الله، من أجل توفير «الضمانات الواضحة التي تريدها إسرائيل لجهة الأمن في مناطقها الشمالية». والفظاظة الأميركية هنا مفيدة أحياناً. بمعنى أن الأميركيين لا يحتاجون إلى اللعب على الكلام عندما يعرضون إتمام صفقة. ولذلك، باشروا دراسة الثمن الذي على إسرائيل أن تدفعه للبنان، مقابل الحصول على الهدوء.
أميركياً، أوكل الرئيس جو بايدن الملف إلى مستشاره لشؤون الطاقة (ولبنان) عاموس هوكشتين. وهو هذه المرة يعمل وحدَه. لأن فريق السفارة في بيروت لا يقدر أن يفيده بشيء. السفيرة السابقة دوروثي شيا سافرت وخليفتها ليزا جونسون، تستعد للقدوم خلال عشرة أيام، وهي مشتاقة إلى هذا البلد الذي عاشت فيه أياماً جميلة، مهنياً وشخصياً أيضاً. وسوف يخرج الكثيرون غداً، دفاتر ذكرياتهم مع الشابة الشقيّة قبل أن ينال منها العمر. وليزا، تعرف الكثير عن لبنان وعن المقاومة، وسوف يكون لها دورها إلى جانب هوكشتين. لكن، إلى أن تنطلق العملية، فإن الرجل أدار وحدَه اتصالات عبر وسيط لبناني كان ينقل الرسائل بينه وبين حزب الله، الذي كان يستمع إلى الكلام المنقول ويجيب بعبارة واحدة: ليوقفوا الحرب على غزة وبعدها لكل حادث حديث!.
المقاومة غير قلقة على ملف السلاح وتحضّر ملفاتها لمنع تكرار تجربة الخطين 23 و29 في البرّ
لم يأخذ هوكشتين وقتاً طويلاً حتى يقتنع بأن لا مجال لأي خطوة ولو بالشكل، قبل توقّف العدوان على غزة. لكنه قرّر إنجاز مهمته على مرحلتين، الأولى نظرية، وتشتمل على فكرة الفرضية التي تقول: «في حال توقفت الحرب على غزة، وصار بالإمكان التحاور حول الوضع على الحدود مع لبنان، فما الذي يمكن القيام به». وهو لم يفعل ذلك مع اللبنانيين فقط، بل هو قال للإسرائيليين صراحة، إنه لا مجال لأي بحث قبل وقف الحرب. ونصحهم بألا يصدّقوا «خبريات الفرنسيين والموظفين الأمميين» لأن هؤلاء «لا يعرفون أي شيء، ويقدّمون أفكارهم على أنها مقترحات صادرة عن الطرف الآخر، ويبحثون عن دور بأي طريقة». وفي جولتين معلنتين من البحث بين هوكشتين والقيادات الإسرائيلية السياسية والأمنية والعسكرية خلص الرجل إلى تحديد أولويات تل أبيب:
أولاً: إنهم يعانون الأمرّين جراء ما يجري على الحدود مع لبنان، وإنهم تحت ضغط كبير جراء النزوح الكبير والكبير جداً، الطوعي منه أكثر من القسري الناجم عن عمليات حزب الله، وإن هناك مشكلات كبيرة تنشأ بفعل ما يحصل، ليس فقط على صعيد ما يطلبه المستوطنون، بل تتجاوز ذلك إلى الآثار الناجمة عن التعثر في النشاط الاقتصادي والسياحي والزراعي في هذه المنطقة.
ثانياً: إن إسرائيل تملك ملفات هائلة بالمعلومات حول ما تسميه الانتشار الكثيف لعناصر حزب الله على طول الحدود، وخصوصاً قوات الرضوان، قبل الحرب وبعدها، وإن اسرائيل تعتبر أن الأمن المثالي يتحقق من خلال إبعاد هؤلاء عن الحدود، وخلق واقع أمني في عمق الحدود اللبنانية يضمن عدم عودتهم.
ثالثاً: إن إسرائيل باتت تعرف أنه لا يمكن مطالبة لبنان بإجراءات من دون أن تبادر هي إلى خطوات تشير إلى التزامها بالقرار 1701، إضافة إلى خشية عادت لتظهر عند قيادة العدو، على منصات الغاز ومستقبل هذا القطاع الذي سيكون عرضة لتهديد حقيقي ما لم يتح للبنان الحصول على حقوقه في مياهه الإقليمية والاقتصادية.
التحرير الكامل والتسوية السياسية
بناءً عليه، جاءت زيارة هوكشتين الأخيرة لتل أبيب، وقد خرج منها بفكرة «معقولة» عن المدى الزمني الذي ستأخذه الحرب الإسرائيلية على غزة من جهة، كذلك عن مدى الاستعداد الإسرائيلي للتجاوب مع الطلبات اللبنانية من جهة ثانية. ويبدو أنه وصل إلى استنتاجات، جعلته «متفائلاً إلى حدود معينة» وفق ما رشح عن اتصالات جرت معه أمس. لكنّ الرجل يلحّ على ضرورة إنجاز التصور الذي يكون مادة لبحث مباشر وسريع ومركّز عند إعلان وقف الحرب مع غزة. وهو يسعى عملياً إلى «ترتيب مقترح قابل للعيش يكون طرحه متوفراً وسريعاً بعد توقف الحرب، بما يسمح بعدم استهلاك وقت طويل قبل الاتفاق عليه».
وفي المقترحات العملانية هناك نقاط أبرزها:
أولاً: معالجة نقاط النزاع على الحدود البرية، الـ13 الرسمية منها أو الـ17 التي هي قيد الإعداد من قبل المعنيين، سواء في الدولة أو المقاومة، علماً أن قيادة حزب الله، لا تريد أن يدخل لبنان في ملف الترسيم البري على خلفية خلافات مهنية، ما أوجب فتح النقاش مع خبراء وقانونيين وطبوغرافيين لوضع تصور متماسك وتفادي الثغرات التي رافقت الترسيم البحري والإشكال الذي ظهر على الخطوط ما بين الخطين 23 و29. ومن الواضح للجانبين الأميركي والإسرائيلي أن البحث يبدأ مع الإقرار بحق لبنان بالنقطة B1 عند رأس الناقورة.
ثانياً: إعداد التصور العملاني، لأجل انسحاب العدو من الجزء اللبناني من خراج بلدة الماري (الغجر) وتسليمها للدولة اللبنانية من دون الحاجة إلى أي ترتيبات مع أي جهة أخرى.
ثالثاً: الطلب إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة «الاستفادة» من الفقرة العاشرة للقرار 1701 التي تنص على أن يقوم الأمين العام للأمم المتحدة بوضع تصور لحل مشكلة مزارع شبعا، وسط رغبة إسرائيلية بأن تكون تحت وصاية القوات الدولية إلى مدى زمني مرهون بمستقبل الصراع مع سوريا. وطلب لبناني واضح، بإقرار العدو والعالم بلبنانية المزارع، ومن ثم تركها للدولة اللبنانية، التي تقرر هي كيفية إدارتها وكيفية معالجة أي نقاط خلاف مع سوريا.
الموفد الأميركي سمع «صراخاً» إسرائيلياً بشأن مستعمرات الشمال واستكشف المدى الزمني للحرب على غزة
رابعاً: بدء الاستماع الأميركي لفكرة بأن الاستقرار السياسي والاقتصادي في لبنان، شرط حيوي لقيام حكم قوي ومتماسك قادر على ممارسة دوره، بما يعفي من البحث عن ضمانات أي جهات خارجية، وأن لبنان يعرف أن المقاومة ليست في وارد البحث حول سلاحها لا الآن ولا بعد توقف الحرب على غزة، بل إن ما حصل، يعزز القناعة لديها ولدى قسم من اللبنانيين بأهمية هذا السلاح. وهذا كلام سمعه هوكشتين نفسه، ولذلك تجنّب هو طوال الوقت ترداد «الهذيان الإسرائيلي والأوروبي» حول ضرورة سحب قوات حزب الله من جنوب نهر الليطاني.
خامساً: إدراك هوكشتين، بأن لبنان بحاجة إلى عناصر تعزز الاستقرار فيه، وهذا أمر له علاقة بمعالجة ملفات عالقة، سياسياً (الملف الرئاسي والحكومي وخلافه)، وأخرى، اقتصادياً (الحصار المالي على لبنان وموضوع النفط والغاز). وعُلم في هذا الإطار، أن هوكشتين نفسه، أبلغ جهات لبنانية مسؤولة، بأن شركة «توتال» الفرنسية سوف تعود لتقوم بأعمال حفر وتنقيب من جديد في البلوك 9، بعد اختيار نقطة حفر جديدة، إضافة إلى العمل في البلوكين 8 و 10. وقد أقر هوكشتين ضمناً، بأن التوقف الذي حصل كان له سببه السياسي.
على أي حال، فإن كلام الأمين العام لحزب الله أمس، حسم الكثير من الجدل القائم في غرف مغلقة أو عبر الإعلام، عن أن الحزب قد يعرقل مساعيَ لتفاهمات حول الترسيم البري خوفاً على سلاحه، وقال لمن يعتريه الشك أو الظن، بأن «السلاح باق وله دوره الدفاعي، بمعزل عما يجري التوصل إليه لاحقاً، وبالتالي، فإن ليس لدى المقاومة أي قلق حول هذا الأمر».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية