أقترح منهاجاً موحداً لكل السوريين تحت عنوان “التربية الأخلاقية” يحل مكان مادتي التربية الوطنية و التربية الدينية

د.سلمان ريا

وضع منهاج للتربية الدينية في المدارس السورية يتطلب مراعاة التنوع الديني والثقافي في البلاد، مع التركيز على القيم الإنسانية المشتركة بين الأديان، مثل التسامح، العدالة، الرحمة، واحترام الآخر. و يكون الهدف الأساسي من هذا المنهاج هو تعزيز العيش المشترك السلمي والتفاهم بين أفراد المجتمع، دون تمييز أو تفضيل بين ديانة وأخرى.
و في هذا السياق أقترح منهاجاً موحداً لكل السوريين تحت عنوان “التربية الأخلاقية” يحل مكان مادتي التربية الوطنية و التربية الدينية حسب المخطط التالي:

1. تحديد الأهداف الرئيسية
أ• تعزيز القيم المشتركة: التركيز على المبادئ الأخلاقية والإنسانية التي تشترك فيها جميع الأديان. فالكتب السماوية (التوراة، الإنجيل، والقرآن) تحمل في طياتها العديد من المبادئ الأخلاقية التي تهدف إلى توجيه الإنسان نحو الخير وإقامة العدل. ورغم اختلاف السياقات الدينية والثقافية التي نزلت فيها هذه الكتب، فإنها تشترك في عدد من القيم الأساسية.
1. ملخص بعض المبادئ الأخلاقية في التوراة (الأسفار الخمسة الأولى) وأبرزها:
• الوصايا العشر: وتشمل مبادئ مثل عبادة الله وحده، احترام الوالدين، الامتناع عن القتل، الزنا، السرقة، الكذب، والطمع.
• العدل والرحمة: “لا تظلم الغريب ولا الأرملة ولا اليتيم” (خروج 22:21).
• التسامح والغفران: تم التوجيه إلى معاملة الآخرين برفق.
2. ملخص المبادئ الأخلاقية في الإنجيل
التي تركز على روح الأخلاق والمحبة والتسامح، ومن أبرز التعاليم:
• المحبة: “تحب قريبك كنفسك” (مرقس 12:31).
• التسامح والغفران: “أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم” (متى 5:44).
• الإحسان والرحمة: يسوع دعا إلى العطاء للفقير ورعاية الضعفاء.
• الصدق والنزاهة: التركيز على طهارة القلب والنوايا وليس فقط الأعمال الخارجية.
3. بعض المبادئ الأخلاقية في القرآن الكريم التي تدعو إلى إقامة مجتمع عادل ومتوازن، ومن أبرز المبادئ الأخلاقية:
• التوحيد والإخلاص لله: محور الأخلاق في الإسلام هو عبادة الله والإخلاص له.
• العدل والإحسان: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ” (النحل: 90).
• الرحمة والتسامح: “وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا” (النور: 22).
• بر الوالدين والإحسان للآخرين: “وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” (الإسراء: 23).
• الصدق والأمانة: “إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا” (النساء: 58).
• الصبر والحلم: “وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ” (لقمان: 17).

و هنا تظهر القيم المشتركة بين الكتب الثلاثة:
• عبادة الله وحده: الإيمان بالله كقيمة مركزية.
• العدل والرحمة: الدعوة إلى إقامة العدل والرحمة بالضعفاء.
• الأمانة والصدق: التشجيع على النزاهة في التعامل.
• الإحسان والتسامح: ضرورة التعامل مع الآخرين بلطف ورقي. و على الرغم من الاختلافات في التفاصيل والتطبيقات، فإن رسالة التوراة والإنجيل والقرآن تتشارك في ترسيخ الأخلاق التي تهدف إلى بناء مجتمع إنساني قائم على العدل والمحبة والرحمة.
ب• تعميق الفهم الديني: تعليم أساسيات الأديان بطريقة تعزز احترام المعتقدات الأخرى.
ج• تعزيز التعايش: بناء فهم مشترك يعزز الانسجام بين مختلف الطوائف الدينية.

2. بناء المحتوى التعليمي
أ. القيم المشتركة
• دروس عن الأخلاق العامة مثل الصدق، الأمانة، الإحسان، والتسامح.
• أمثلة من مختلف الديانات توضح هذه القيم في التطبيق العملي.
ب. التعريف بالأديان المختلفة (بحيادية)
• تقديم لمحة عامة عن الأديان الموجودة في سوريا (الإسلام بمذاهبه، المسيحية بمذاهبها، وغيرها).
• شرح مبسط للمبادئ الأساسية لكل دين بأسلوب علمي وموضوعي.
ج. الحوار بين الأديان
• مواد تعليمية حول أهمية الحوار والتفاهم بين الأديان كما وضحت في الفقرة 1.
• أمثلة تاريخية عن التعايش بين الطوائف المختلفة في سوريا. كالثورة ضد الاستعمار الفرنسي، و مشاركة المسيحيين مع المسلمين في الحروب الصليبية (عيسى العوام مع صلاح الدين، الرئيس فارس الخوري. مثالاً).
د. التطبيق العملي
• مشاريع مشتركة بين الطلاب من خلفيات دينية مختلفة لتعزيز القيم المشتركة.
• تنظيم أنشطة مثل زيارات للمعالم الدينية المختلفة لتعزيز الفهم المتبادل.
و يمكن ادخال أنشطة من الحياة اليومية مثل مبادئ التعامل مع الحرائق و إطفائها، و التدرب على الوقاية عند حدوث الكوارث، و الإلمام ببعض الإسعافات الأولية، و التعامل مع البيئة و حمايتها، كل ذلك ضمن ما يسمى ثقافة الدفاع المدني المعززة لروح التكافل و التضامن و الانتماء الطوعي إلى المجتمع (الوطن).
3. منهجية التعليم
• التعلّم التفاعلي:
• استخدام النقاشات الجماعية والعروض التقديمية لتعزيز الحوار البناء.
• استخدام القصص الدينية ذات الطابع الأخلاقي التي تحمل رسائل عالمية.
• التعلم القائم على القيم:
• تعليم الطلاب كيفية تطبيق القيم الدينية في حياتهم اليومية.
• التعليم بالقدوة:
• تدريب المعلمين ليكونوا قدوة في التسامح واحترام التنوع.

4. إشراك المجتمع
• إشراك رجال الدين المعتدلين:
• توفير مواد تعليمية مستندة إلى تفسير متوازن ومعتدل للنصوص الدينية.
• إشراك العائلات:
• تشجيع الأهل على تعزيز رسائل المنهاج في المنزل، مع احترام الخصوصيات الدينية لكل عائلة.

5. التأكيد على الحيادية والاعتدال
• تجنب التحيز:
• التأكد من أن المنهاج لا يُظهر تفوق دين على آخر.
• التوازن:
• تقديم الأديان بطريقة تبرز الإيجابيات وتجنب الجدل أو النقاط الخلافية.

6. التدريب والتأهيل
• تأهيل المعلمين:
• تدريبهم على تدريس التربية الدينية بطريقة تحترم التنوع وتحفز الحوار.
• ورشات عمل:
• تنظيم ورشات عمل لتعريفهم بمفاهيم مثل الحوار بين الأديان واحترام التنوع الثقافي والديني.

7. التقييم والتطوير
• التغذية الراجعة:
• تقييم فعالية المنهاج من خلال آراء الطلاب والمعلمين.
• المراجعة المستمرة:
• تحديث المنهاج ليعكس التطورات الثقافية والاجتماعية.

8. دعم الأنشطة اللامنهجية
• إنشاء أندية للحوار الديني والثقافي داخل المدارس.
• تنظيم أيام مفتوحة أو احتفالات تبرز التقاليد الدينية المختلفة وتعزز الفهم المتبادل.
إدخال التربية الأخلاقية بأسلوب شامل ومعتدل يمكن أن يسهم في بناء مجتمع أكثر تماسكًا وتسامحًا، مع التأكيد على أن الهدف هو تعزيز القيم الأخلاقية والإنسانية المشتركة، واحترام التنوع الديني، وليس فرض وجهات نظر معينة.
أتمنى أن يحوز اقتراحي ثقتكم، و لا مانع عندي من توجيه النقد إلى ما جاء في مضمونه.
(اخبار سوريا الوطن2-الكاتب)