د. بسام الخالد
أستغرب جداً كيف تمدّ الأقلام المتربصة أعناقها لتلسع، كلما غاب مبدع، وأستغرب أكثر اختفاءها عندما تشرق الشمس!
بعد رحيل كل مبدع يتجرأ هؤلاء على بث سمومهم في كل نتاج عظيم، وهم المغمورون الذين ينتظرون فرصة الظهور على إبداعات العمالقة، لا لشيء إلا لتذييل أسمائهم على مقالات تتعلق بأصحاب هذه الإبداعات، وسرعان ما يختفون بعد ذلك بانتظار فريسة جديدة.
عندما سُئل إسحاق نيوتن عن قدرته على رؤية ما لا يراه الآخرون والوصول إلى قوانين لم يستطع غيره الوصول إليها، أجاب بمقولته الشهيرة: ” إن توصلتُ لشيء، فذلك لأنى أقف على أكتاف العمالقة”!
ولعلنا على الفور نقول إن في هذه العبارة نوعاً من التواضع من جانب نيوتن، غير أن ذلك ليس كل الحكاية، فلقد حدد نيوتن، بدقته العلمية المشهور بها، المعيار الأول لحدوث أي تقدم، وهو “التراكم”، أو جهود الباحثين السابقين، فهذه الجهود، حتى ولو كانت بسيطة، وهذه المعارف، حتى ولو كانت متفرقة، وهذه النتائج، حتى ولو كانت متعارضة، يستطيع الباحث ذو البصيرة مثل نيوتن أن يجمعها فوق بعضها وأن يصنع منها هرماً أو ناطحة سحاب تمكّنه من الرؤية على المدى الواسع، وتمكّنه من استكشاف المستقبل ورؤيته، وليس فقط مجرد توقعه.. وكأن نيوتن يؤكد المعنى الذى أشار إليه الشاعر الإنجليزي المعروف جورج هربرت ” قزم على أكتاف عملاق يرى أبعد من الاثنين”!!
هل قرأ بعض “أقزام الثقافة”، في مجتمعاتنا العربية، مقولة نيوتن وتواضعه وعرفانه بالجميل لمن سبقه من المبدعين الذين يدين لهم بمجده العلمي واكتشافاته؟!
عندما يصل ” أقزام ثقافتنا ” إلى هذا الوعي يحق لهم امتشاق أقلامهم.. عفواً.. سيوفهم وتقطيع أوصال كل من استفادوا من إبداعاتهم ثم تنكّروا لهم في المحافل الثقافية وعلى صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات.
ما أحوجنا اليوم إلى عقول واعية تكنس أشباه المثقفين الذين يتنكرون لمبدعي أمتهم في زمن انحطاطنا العربي المظلم!!
(خاص لموقع سيرياهوم نيوز)