حسين فحص
موسمٌ كروي جديد انطلق بالقارة العجوز، سيكون فيه تشيلسي الحديث الشاغل. الإنفاق الهائل على استقدام اللاعبين، المرفق بعدم نجاح فني، جعل النادي عرضة للانتقادات والتشكيك. فكيف يتمكن تشيلسي من صرف كل هذه الأموال دون أن يُعاقب؟ وهل تدل كل هذه المصاريف على ضياعٍ إداري أو مشروع مستقبلي يتطلب مزيداً من الوقت؟
في وقتٍ تطول فيه مفاوضات الأندية حول قيمة لاعبٍ ما، وبينما ينسحب البعض من صفقاتٍ عدة لعدم قدرته على دفع فارق بسيط من المبلغ المطلوب… «يرمي» تشيلسي بإدارته الأمريكية عشرات الملايين يميناً ويساراً، رغم عدم ضمان مشاركته حتى في البطولة الأوروبية الثالثة من حيث التصنيف (دوري المؤتمرات).بذخ «البلوز» خلال مدة الانتقالات الخامسة توالياً تحت ولاية الأميركي تود بولي وشركائه، وضعه قيد التشكيك بمدى التزامه في قواعد اللعب المالي النظيف، خاصةً مع الفارق الضخم في إنفاقه مقارنةً بأندية أخرى لديها عائدات «تقليدية» أعلى إثر تتويجاتٍ بالألقاب أو إيرادات تلفزيونية/رعاية/مشاركة أوروبية… وبالنظر إلى انخفاض القوة الشرائية للأندية الأوروبية عموماً منذ كورونا، زادت الشكوك والاتهامات أكثر حول تشيلسي.
قبل عامين تقريباً، عمّت الأفراح في إنكلترا عندما «أُرغِمَ» رئيس تشيلسي السابق، الروسي رومان أبراموفيتش، على بيع النادي إثر مزاعم ارتباطه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. تأملت الجماهير المحايدة حينها انتهاء عصر «أموال النفط والحديد»، علماً أن البذخ في حقبة أبراموفيتش لم يكن لافتاً سوى في بدايات ولايته عام 2003. ما لم تعرفه الجماهير المحايدة حينها، ولا الأندية المنافسة في إنكلترا وخارجها، أن الملّاك الجدد هم أكثر «بذخاً» بأضعاف من سلفهم الروسي.
بلغة الأرقام، وبالعودة إلى الولاية الحالية، أنفقَ تشيلسي ما لا يقل عن 1.32 مليار يورو على استقدام اللاعبين منذ استلام بولي وشركائه ملكية النادي في منتصف عام 2022، بحسب تقرير صدرَ أخيراً عن موقع «transfermarkt» المختص بالإحصاءات الكروية (لم يشمل التقرير صفقة جواو فيليكس المنتقل حديثاً إلى تشيلسي مقابل 52 مليون يورو).
وخلال هذه المدة، تعاقد النادي مع 40 لاعباً، أي ما يعادل ثمانية لاعبين جدد لكل مدة انتقالات، وبلغ متوسط تكلفة كل منهم 33 مليون يورو. هذا الإنفاق يقارب ضعف ما صرفه أقرب الأندية تقريباً في القارة العجوز على مدار العامين الماضيين، حيث كان ثاني أعلى نادٍ إنفاقاً هو باريس سان جيرمان الذي أنفق 721 مليون يورو.
وعلى صعيد «بريمييرليغ»، يحتل إنفاق تشيلسي على رسوم الانتقالات تحت قيادة بولي المركز العاشر كأعلى رقم في تاريخ كرة القدم الإنكليزية، حيث أنفقت ثمانية أندية إنكليزية فقط في تاريخها بالكامل أموالاً أكثر مما أنفقه تشيلسي في العامين الماضيين تحت قيادة رجل الأعمال الأميركي وشركائه، علماً أن تشيلسي نفسه يحتل المركز الأول بإجمالي إنفاق 3.87 مليارات يورو تاريخياً.
أنفقت إدارة تشيلسي الأميركية في نحو سنتين أكثر من مليار و300 مليون يورو على استقدام اللاعبين
للمفارقة، بلغَ إنفاق «البلوز» ضمن عهد مالكه السابق رومان أبراموفيتش 2.34 مليار يورو للتعاقد مع لاعبين جدد على مدار 19 عاماً، بإجمالي إنفاق صافٍ 1.01 مليار يورو بعد الأخذ في الحسبان 1.33 مليار يورو حصلَ عليها النادي من مبيعات اللاعبين في تلك المدة الزمنية. وباستخدام المقاييس نفسها، يبلغ صافي إنفاق تشيلسي تحت قيادة بولي 870 مليون يورو، وذلك بسبب ربح النادي 450 مليون يورو من مبيعات اللاعبين. عليه، فإن صافي إنفاق تشيلسي في غضون عامين تحت قيادة بولي هو أقل بمقدار 140 مليون يورو فقط من إجمالي الإنفاق الصافي خلال 19 عاماً من إدارة أبراموفيتش للنادي.
هي نفقات باهظة، لا شك في ذلك، إلا أن إدارتها في الدفاتر المحاسبية تظهر دهاء الملّاك الجدد. هَول النفقات يبسّطها نسبياً حجم الإيرادات من بيع اللاعبين أنفسهم. خلال «الميركاتو» الحالي مثلاً، صرف تشيلسي 194.4 مليون يورو للتوقيع مع 5 لاعبين مقابل حصده 143 مليون بصافي نفقات 51.40 مليوناً. اللافت هو أن المبيعات الأربعة لتشيلسي هذا الصيف صبّت في خانة الأرباح الصافية نظراً إلى أن كونور غالاغير وإيان ماتسن ولويس هول وعمري هوتشينسون هم أبناء النادي.
حتى عندما حامَ شبح عدم امتثال تشيلسي للوائح الربحية والاستدامة، لجأ النادي إلى إجراءات غير تقليدية وصفها البعض بالملتوية، منها بيع أصول تابعة له مثل فندق النادي بهدف موازاة الدفاتر المحاسبية. ورغم ارتفاع الاعتراضات في الوسط الإنكليزي، خلصَ القيّمون على الكرة الإنكليزية إلى شرعية عملية البيع.
زحمة اللاعبين شكّلت مادةً دسمة للإعلام الرياضي الإنكليزي خلال المدة الأخيرة، إلا أن مدرب الفريق الجديد إنزو ماريسكا أنهى الجدل بقوله: «أنا لا أعمل مع 42 لاعباً، أعمل مع 21 لاعباً فقط، اللاعبون الآخرون يتدربون بشكل منفصل، أنا لا أراهم، إنها ليست فوضى كما تبدو من الخارج، قطعاً لا، يمكنهم الحصول على عقد لمدة 20 عاماً، لا أهتم». وتجدر الإشارة إلى سعي تشيلسي إلى التخلي عن أكثر من 10 لاعبين خلال الأيام المقبلة قبل إغلاق سوق الانتقالات في 30 الشهر الحالي، ما يعني المزيد من العائدات للامتثال أكثر إلى قواعد اللعب المالي النظيف.
طبعاً، الوضع ليس على ما يرام في تشيلسي، نظراً إلى أن الفريق الذي اعتادَ حصد الألقاب بشكلٍ دوري لم يعتلي منصة الذهب طوال عامين مع ملّاكه الجدد. لكن الأكيد أن الوضع ليسَ «مأساوياً» بالصورة التي يتداولها البعض، خاصةً أن بولي وشركاءه وضعوا خطة تغيير شاملة من لاعبين إلى إداريين واعتماد مبدأ تعددية الأندية حتى عبر شراء فريق آخر (ستراسبورغ الفرنسي)، بهدف النهوض بتشيلسي بدءاً من هذا الموسم كما أعلنوا فيما سبق. الوقت وحده سوف يعطي صورة أوضح حول نجاح المشروع من عدمه، وعما إذا كان الملّاك الجدد متورطين باحتيال على القوانين.
سيرياهوم نيوز١_الاخبار